أهمية إدارة الوقت في الإسلام
الخميس 17 محرم1435 الموافق21 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الفريق عبدالعزيز بن محمد هنيدي
أشرت في الفصول السابقة إلى أنَّنا كأمَّة مسلمة نَحتكم في كل أمورنا إلى الكتاب والسنة، وعلى ما أجمع عليه أئمة المسلمين بالقياس والاجتهاد، وأنَّ هذه هي مصادر الإدارة الإسلامية، وأنَّنا كأمَّة إسلامية نستنير بالتُّراثِ الإسلامي، ونستفيد من تَجارب الأمم الأخرى، وأنَّ الشريعة الإسلامية تُمثل تراثًا غنيًّا بالأصول والمبادئ والنظريات، التي تَحكم وظائف الوُلاة والقادة والحكام وغيرهم، وكذلك شؤون الحكم والإدارة؛ لأَنَّها مُلتزمة بثوابت المجتمع الإسلامي وبالقيم الروحية والدينية؛ مِمَّا جعلها فكرًا مُتكاملاً يصلح للتطبيق العملي في كل زمان ومكان؛ لأَنَّها اهتمت بالإنسان الذي كرَّمه الله على سائر مخلوقاته، في الوقت الذي نجد فيه مدارسَ الإدارة والتنظيم الإداري ونظرياته الحديثة – برغم كثرتها وثَباتِها – ما زالت تتخبَّط في تفسير سلوك الفرد ووسائل حفزه، وأساليب تحسين إنتاجه، علاوة على وجود تضارُب بين النظم والقوانين الإدارية من جانب، وما يَحمله الفرد من مفاهيمَ ومعتقداتٍ دينية واجتماعية من جانب آخر.
وسأحاول في هذا الفصل الكتابةَ عن موضوع إدارة الوقت في الإدارة الإسلامية، والذي سبق لي أنْ تطرقت إليه في مُحاضرات ولقاءات سابقة، وقبل تناوُل هذا الموضوع لا بُدَّ من التأكيد على أهمية العنصر البشري وأهميته، وأهمية الوقت بالنسبة له؛ لأن إدارةَ الوقت تعتبر الإنسانَ هو محورَ العملية الإدارية وأهم عناصرها؛ لأَنَّه هو الذي يُحرِّك بقيةَ العناصر، وهو الذي يُخطط لها ويَجمعها ويستخدمها، وهو الذي يضع الأهدافَ، وهو الذي يُحقق النتائج ويقومها، ويتعلم من تَجاربه، ويطوِّر أفكارَه وأفعاله، وهو يسلك في ذلك أنواعًا عديدة من السلوك، تعكس صنوفًا وألوانًا من القيم والاتجاهات، وهو يتأثَّر بمن حوله من الناس، وبما يُحيط به من مُتغيِّراتٍ ومواقفَ وظروف، يؤثِّر فيها ويتأثَّر بها.
ولما كان الوقت هو أهم هذه المتغيرات؛ لذا تُعَدُّ إدارةُ الوقت سلوكًا إداريًّا فريدًا في الإدارة الإسلامية، التي نظرت إلى الأداء بمنظورٍ أكثرَ شُمولية، ومن جانبين: أولهما: داخلي، وهو يعمل من خلال ضمير الإنسان نفسه، وثانيهما: خارجي، يعمل من خلال الحوافز المادية المتعارف عليها إداريًّا.
والثابت أنَّ الحوافِزَ الداخلية للفرد العامل المسلم تسمُو وتفوق الحوافزَ والدوافع المادية، فالإنسان من وجهة النَّظر الإسلامية قبل أن يكونَ عاملاً، فهو مسلم مُنقاد، يَخاف عقابَ الله ويرجو ثوابَه، ويراقبه في كل أقواله وأفعاله، فالتوحيدُ في حَدِّ ذاته رَغبة ورهبة معًا، وهما حافزان مستقلان ثابتان، والمراقبة الضميرية (الذاتية) تعد عاملاً أساسيًّا لضبط الحدِّ الأدنى المقبول من العطاء الإداري[1]، فالرقابة الذاتية في الإسلام هي الخوف من مُحاسبة الخالق، والطَّمع في ثوابه، وصرف الوقت فيما يُفيد الفرد وأمَّته.
ولقد ذكرنا في الفصول السابقة أهميةَ الوقت، وأنَّه من المتغيرات الخارجية، التي ليس للمنظمة سُلطة عليها، أو قدرة على التحكم فيها، وهو أثْمن وأنفس ما يَملكه الإنسان، ولا يمكن تقديمه أو تأخيره أو زيادته، وهو إنْ ضاع لا أَمَلَ في عودته، والوقت مُحدد للجميع بشكل متساوٍ، وهو يسير بشكل مُنتظم نَحوَ الأمام فقط، وقد أوضحت الكثيرُ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية العديدَ من خصائصِ وأهميةِ الوقت؛ يقول – تعالى -: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 – 3]، وكذلك قوله – تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾[الفرقان: 62]، وكذلك قوله – تعالى -: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 12]، فالقرآن الكريم والسنة النبوية قد أعطت الوقتَ قيمةً وأهميةً وأوجه انتفاع، وأنَّه من أعظم نِعم الله تعالى[2].
وهناك أيضًا أقوالُ الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – في الوقت، منها قوله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْأَل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟))، وقال – عليه الصَّلاة والسَّلام – أيضًا: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتَك قبل موتك، وصِحَّتَك قبل سقمك، وفراغَك قبل شغلك، وشبابَك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))، ويقول الخليفة الراشد عمر بن العزيز – رضي الله عنه -: “إنَّ الليلَ والنهار يعملان بك، فاعمل فيهما“، كما كان للشعر العربي والإسلامي إسهامات في ذكر الوقت وأهميته، يقول أحمد شوقي:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي |
كما يذكرنا قول أحد الشعراء بأنَّ التمني والتحسر على ما فات من الوقت لا جدوى منه:
أَلاَ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا فَأُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَ الْمَشِيبُ |
وتأتي قيمةُ الوقت بما يقدِّمه الإنسان وينتجه طوالَ حياته، فإدارةُ الوقتِ في الإسلام لا تعني فكرةً مُجردة بحد ذاتها ترمي إلى استغلالِ الوقت، فيترتب عليها زيادةُ الرِّبحِ المادي والإنتاج فحسب، بل هي أكثرُ سُمُوًّا؛ إذ هي هدف روحي ينطلق من رهبة يوم القيامة؛ يوم الحساب والعقاب[3].
ولقد قال حسن البنا في هذا الشأن: “الوقت هو الحياة، فما حياة الإنسان إلاَّ الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة“، ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شَمسُه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي“، وذكر عدنان النحوي أنَّ الإسلامَ ينظر إلى الوقت نظرةً أكثر سموًّا وعدلاً وصدقًا، فالمالُ الذي يضيع على الإنسان قد يُيسر الله له استعادةَ هذا المال، أمَّا الدقيقة التي تذهب على الإنسان، فلن تعود ولن تستعاد، فهذه سنة الله – عزَّ وجل – في الزمن والحياة، أمَّا قضاء الله في الآخرة، فهو أول ما يحاسب عليه الإنسان[4].
[1] د. فهد صالح السلطان، “النموذج الإسلامي في الإدارة: منظور شمولي للإدارة العامة“، ص88.
[2] عبدالملك القاسم، “الوقت أنفاس لا تعود”، ص605.
[3] محمد بن عبدالله البرعي، “الإدارة في التراث الإسلامي”، ص 278.
[4] عدنان علي النحوي، فقه الإدارة الإيمانية في الدعوة الإسلامية، ص54.
المصدر: المصدر: من كتاب: “إدارة الذات: مدخل مقترح في الإدارة الإسلامية”