التنظيم في الإدارة الإسلامية

الخميس 17 محرم1435 الموافق21 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا). 

الفريق عبدالعزيز بن محمد هنيدي 

إنَّ ضرورةَ التنظيم تقتضي وجودَ أكثر من شخص؛ وذلك لكي تتكامل الجهودُ وتنسق لتحقيق الأهداف، والتنظيم يُعَدُّ الوظيفة الثانية بعد التخطيط من حيث الأهمية؛ بحيث يتمُّ ترتيب الأشياء ويتم تحقيق الأهداف بأقلِّ جهد ووقت ومال، فالتنظيم هو توزيع المسؤوليات والسلطات والعلاقات بين الأشخاص حسب طاقاتِهم، وقدراتهم، والإمكانات المادية من وقت، ومال، وجهد؛ بقَصْدِ تَحقيق الأهداف المرسومة، وله دَوْر مهم في نَجاح وظائف الإدارة الأخرى، مثل: التخطيط، والرقابة، والتوجيه.

أمَّا طبيعة التنظيم كما ذكر إبراهيم المنيف[1]، فهو ذو وجهين:

أولهما ما يتعلق بتقسيم العمل والنشاطات المختلفة؛ بحيث يظهر الشكل الرَّسْمي والخرائط التنظيمية.

أمَّا الثاني فيشمل أسلوب وطريقة الإدارة في رَبْطِ وتَجميع النشاطات؛ لتحقيق الأهداف الموضوعة.

 

وسنقف عند بَعضِ تعريفات التنظيم قبل تناوُله في الإدارة الإسلامية؛ حيث يعرفه (كونتز ودونيلبأنه: “تجميع أوجه النشاط اللازمة لتحقيق الأهداف والخطط، وإسناد هذه النشاطات إلى إدارات تنهضُ بها، وتفويض السُّلطة والتنسيق بين الجهود[2]، ويعرفه (الفنان براونبأنه: “العملية التي تحدد الجزء الذي يهدف إلى تَحقيقه كلُّ عضو في المنظمة، وكذلك العلاقات بين الأعضاء؛ وذلك بغرضِ تَحقيق الانسجام بين جهودهم؛ لتصبحَ أكثرَ كفاءة في تحقيق الهدف[3].

 

أما مصطفى عفيفي، فيعرفه بـ “عملية توزيع للوظائف بين مختلف الأقسام والوحدات والعاملين فيها، مُقررًا فيها بما سيتبعه من تقسيم للسلطة اللازمة لأدائها، والمسؤولية المقترنة بها للنتائج المستهدف تحقيقها[4].

 

ومن التعريفات السابقة يلاحظ أنَّ التنظيم لا يخرج عن كونه توزيعَ الموظفين في الهيكل التنظيمي مع إقامة الصلاحِيَّات والمسؤوليات والعلاقات، التي تربط بينهم، أمَّا مفهومُ التنظيم في الإدارة الإسلامية، فيعرِّفه فرناس البنا بأنه “البناء التنظيمي المطبق في الدولة الإسلامية، والقائم على كتاب الله وسنة رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – والذي يهدف إلى تَحقيق هدف شرعي في ظل ظروف إنسانية[5].

 

ويعرِّفه فهد صالح السلطان بأنه “وظيفة إدارية تَهدف إلى تحقيق أغراضٍ شرعية، وتعمل على تنسيق النشاطات والجهود، وتَحديد العلاقة بين أعضاء المنظمة في إطارِ ما ورد في القرآن الكريم، وما جاءت به السنة النبوية المطهرة[6].

 

وأخيرًا هناك تعريف أحمد المزاجي بأنه “وظيفة إدارية رئيسة تسعى إلى تَحديد كل النشاطات المباحة في المؤسسة، وتَحديد أوجهها، ثم تقسيمها إلى مجموعات من الأعمال؛ بحيث يمكن إسناد كل منها إلى الشخص الذي تتوفر فيه مواصفات وشروط مُعيَّنة، مع توضيح كل الحقوق والالتزامات، وكذلك العلاقات الداخلية بين الموظفين – رؤساء ومَرؤوسين – في المؤسسة، والمتعاملين معها من الخارج أفرادًا ومؤسسات، في ضوء أحكام وتعليمات مَصدرها الشريعة الإسلامية؛ وذلك من أجل تَحقيق أهداف مشروعة[7].

 

مبادئ التنظيم في الإدارة الإسلامية:

لقد عرَف المسلمون مبادئ التنظيم واستخدموها في تنظيماتِهم الإدارية، وبهذا سبقوا رواد الإدارة الحديثة، ولو حاولنا استعراضَ مبادئ التنظيم في الإدارة الإسلامية، لتَبَيَّن أنَّها قد اشتملتْ على معظم مبادئ الإدارة الحديثة، وفيما يلي أهم مبادئ التنظيم في الإدارة الإسلامية.

 

أولاً: مبدأ تقسيم العمل:

يعد مبدأً من مبادئ التنظيم، وفي الوقت نفسه مبدأ من مبادئ الإدارة الأربعة عشر، التي وضعها (هنري فايولرائد مدرسة نظرية الإدارة؛ حيث يتم تقسيم العمل وتوزيعه على مجموعة من الأفراد؛ بحيث تَختص كلُّ مَجموعة بجزء مُعيَّن من العمل حسب قدراتِها ومُؤهلاتها، كما هي الحال في الصناعات الدقيقة، كالصناعات الإلكترونية، وصناعة السيارات، ويرى علماء الإدارة أنَّ هذا المبدأ هو بداية تاريخ الإدارة؛ حيث بدأت بسيدنا آدم – عليه السَّلام – عندما قام لأول مرة بتقسيم وتوزيع العمل بينه وبين زوجته؛ لتتولى هي شؤون المنزل، ويتولى هو شؤونَ جلب القوت، كما يطلق على هذا المبدأ مبدأ التخصص عند علماء الاقتصاد، ويعني: الاستخدام الأمثل للقوى العاملة.

 

وقد ورد مبدأُ التخصص في القرآن الكريم؛ ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55]، وهذا التخصص عرضه يوسف – عليه السَّلام – على عزيز مصر بعد أن كسب ثقته[8]، وهو المنصب الذي تم ترشيحُ يوسف – عليه السَّلام – له من قِبَل عزيز مصر، والذي يوازي في الوقت الحاضر وزيرَ المالية والتموين، ويشتمل هذا المنصب أو هذه الوظيفة على التخطيط والتخزين والتوزيع والإحصائيات والأرقام، وما يتطلبه هذا المنصب من مهارات وقدرات، كالحفظ والعلم[9].

اقرأ أيضا  السنة مفهومها ومكانتها في الإسلام

 

كما ورد في الحديث الشريف قولُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((استعينوا على كل صنعة بصالحي أهلها))[10]، وحديث آخر: “((إذا ضيعت الأمانة، فانتظروا الساعة))، قيل: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: ((إذا أُسند الأمر إلى غير أهله، فانتظروا الساعة))”[11]، وقد اهتم الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – ومن أتى بعده بالتخصُّص، فكان هناك المتخصصون في شؤون القضاء وشؤون الوُلاة، والعمال والمدرسون، والكتاب، ورجال الحسبة، والمترجمون، وغيرهم في التخصُّصات المختلفة، التي أتقنها المسلمون في عهد الرَّسول والخلفاء الراشدين، وفي الدول والأمصار الإسلامية من بعدهم.

 

ثانيًا: السلطة والمسؤولية:

تعرف السلطة في الإدارة الحديثة بأنَّها “القدرة الشرعية التي تناط بشخصٍ ما، أو بوظيفة ما، والتي يَجري قَبولها ليس فقط من الممارس للقدرة، ولكن من قِبَل الذين تُمارس عليهم أو الأعضاء المتأثرين بها[12].

 

كما تعرف على أنَّها “القدرة أو الحق في اتِّخاذ القرار وإصدار الأوامر، فالتنظيم الإداري يتطلب سلطةً عُليا تتدرج السلطة فيها من أعلى إلى أسفل، والسُّلطة في التنظيم الإسلامي لا تعني التسلط والاستبداد، أو تَجاوز حدود الله وشرعه؛ قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 229]، وعلى الحاكم أو الرئيس أن يَحكم بما أمر الله وبمسؤولية حفظ كرامة المرؤوس، واضعًا في اعتباره الحقَّ والعدل ومخافة الله، فالإسلامُ حَذَّر من الظلم ومن الاستبداد والتسلط، ولقد دعى رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى نصرة المظلوم، وفي حديث قدسي: ((اشتَدَّ غضبي على مَن ظَلَمَ مَن لا يَجد له ناصرًا غيري))[13].

 

أمَّا المسؤولية، فهي المحاسبة على أداء الواجبات المنبثقة عن السُّلطة، ولكي يقوم المرؤوس بهذه الواجبات يَجب أن يُعْطَى السلطات الملائمة، وعلى ذلك يَجب أن يقابل المسؤوليةَ السلطةُ الكافية، ولقد وردت المسؤولية والمحاسبة في القرآن الكريم؛ قال – تعالى -: ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21]، ﴿ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 93]، ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]، ومن الأحاديث الشريفة قولُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))[14].

 

كما حرص المسلمون على مبدأ الجدارة والكفاية في التنظيم الإسلامي،ومن أمثلة ذلك مطالبةُ أحد الصحابة الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – في أنْ يستعملَه ويوليه ولاية، فقال: ((إنا لا نعمل على عملنا من يريده))[15]، وكذلك عندما طلب أبو ذر الغفاري – رضي الله عنه – قائلاً: “يا رسول الله، ألاَ تستعملني؟ فضرب بيده على منكبيه، ثم قال: ((يا أبا ذر، إنَّك ضعيف، وإنَّها أمانة، وإنَّها يومَ القيامة خِزْيٌ وندامة، إلاَّ مَن أخَذَها بِحَقِّها، وأَدَّى الذي عليه فيها))”[16].

 

ويتضح من ذلك ارتباطُ السُّلطة بالمسؤولية، فعلى الرغم من ضرورة السلطة والقوة، فإنَّ المسؤولية تقتضي تأديتها بجدارة وكفاءة، وإلاَّ نال صاحبها الندامة والخزي يومَ القيامة، ومن الأمثلة المرتبطة بتكافُؤ السلطة والمسؤولية في الإدارة الإسلامية ما اتَّضح جليًّا عندما كُلِّفَ أسامة بن زيد بقيادة الجيش في حرب الروم من قِبل الخليفة أبي بكر – رضي الله عنه – حيث منحه سلطات واسعة في قيادة الجيش، وعندما رغب أبو بكر أن يستبقيَ عمر بنَ الخطاب – رضي الله عنه – استأذن أسامة بن زيد في ذلك؛ للاستعانة به؛ حيث كان عمر بن الخطاب من ضمن جنود المسلمين في الجيش، فقال أبو بكر له: “إن رأيت أن تعينني بعمر، فافعل[17]، فما كان من أسامة إلاَّ أن لبَّى طلبَ الخليفة.

اقرأ أيضا  اعمل شيئا لك ولأمتك

 

ثالثًا: التدرج الرئاسي (الهرمي) للسلطة:

ويعني ذلك تدرجًا للمناصب والصَّلاحيات من الأعلى إلى الأسفل على شكل سلسلة المراتب الإدارية، وقد عرف الإسلام التدرج الرئاسي، وورد في الكثير من الآيات القرآنية، منها قوله – تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام: 165]، وكذلك قوله – تعالى -: ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف: 32]، وفي آية أخرى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11].

 

ولا شك أن هذا التدرج في التنظيم الإداري الإسلامي لا يعني أن يكونَ هناك تَميُّز طبقي؛ لأنه يتنافى مع المبادئ الإسلامية القائمة على مبدأ المساواة والعدل، وأنَّ أكرم الناس عند الله أورعُهم وأتقاهم، ولقد بيَّن الإسلامُ أنَّ هذا التفاوت بين البشر في مجال الأعمال طبقًا لتفاوتهم في العلم والمعرفة؛ لذا يقول – تعالى -: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف: 76]، ويقول أيضًا: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11]، وقد أوضح حزام المطيري أنَّ التفاوت بين البشر من سنن الله في خلقه، وذلك عن طريق اختبار الخالق بابتلائهم في كيفية قيامهم بأعمالهم وتأديتها بالصورة التي تُرضي اللهَ ورسوله، وقد أشار إلى ذلك قول بعض المفسرين في هذا الشأن، حيث قال: “قد اقتضت سنة الله في خلقه لبقاء هذا الكون ونظامه أنْ يخالف بعضهم بعضًا إلى حين قيام الساعة، وأنْ يرفع بعضهم فوق بعض درجات في القوة (الصلاحيات)، والمال (الأجر)، والعلم (المعرفة والخبرة)، وقسم بينهم معيشتهم في الحياة الدُّنيا؛ ليسخر بعضهم بعضًا[18].

 

أمَّا في مَجال الحديث، فقد قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ولا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض، إلاَّ أمَّروا عليهم أحدهم))[19].

 

ولهذا يتضح أنَّ الإسلامَ حدَّد شروطَ وضوابط التدرج الرئاسي والهدف منها، ووجوب طاعة المرؤوس للرئيس؛ قال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]، على ألاَّ تكون في معصية ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))، وقال الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلاَّ أن يؤمَر بمعصية))[20]، وفي حديث آخر: ((السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فلا سَمْعَ ولا طاعة))[21].

 

رابعًا: تفويض السلطة:

تفويض السلطة؛ يعني: إعطاء أو منح السُّلطة من شخصٍ لآخر، وإعطاءَه الحق في التصرف واتِّخاذ القرارات في نطاق محدد، وبالقدر اللازم لإنجاز مهام معينة؛ بحيث يعهد الرئيس الإداري ببعض اختصاصاته إلى مساعديه ووكلائه الذين يثق بهم، فالقائد بَشَر مَحدود القدرات، ولا يستطيع أن يقوم بكل الأعمال المسندة إليه؛ لهذا ينبغي تَخفيف العبء عليه من خلال تفويضه الصلاحيات لمرؤوسيه، وفي التراث الإسلامي نجد الماوردي قد تَحدث عن تفويض السلطة في كتابه “الأحكام السلطانية، وقد أفاد بجواز ذلك في الإمامة مُستشهدًا بالآية الكريمة: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 29 – 32].

 

كما أكَّد على أهميةِ تفويض السلطة بالنسبة للقائد إلى مرؤوسيه؛ حيث قال: “ولأَنَّ ما وكل إلى الإمام من تدبير الأمَّة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا باستنابة، ونيابة الوزير المشارك له في التدبير أصح في تنفيذ الأمور من تفرُّده بها؛ ليستظهر به على نفسه، وبها يكون أبعد من الزلل، وأمنع من الخلل[22]، وكان رسول الله – عليه الصَّلاة والسَّلام – خير قدوة في القيادة، وفي تفويض السلطة؛ حيث كان يفوض الصلاحيات لأصحابه عند إرسالهم في مهمات الدعوة، وتلقين الناس أمور الدين، وأخذ الصدقات منهم، ومن أمثلة ذلك الصحابي الجليل معاذ بن جبل حينما أرسله – عليه الصَّلاة والسَّلام – إلى اليمن، كما اتبع الخلفاء منهجَ الرسول في التفويض، وذكر محمد كرد علي مثالاً على ذلك طريقةَ أبي بكر وصاحبه من قبل: إطلاق الحرية للعامل في الشؤون الموضعية (المحلية)، وتقييده في المسائل العامة، ومراقبته في خلوته وجلوته[23].

اقرأ أيضا  دور المسجد في بناء الحضارة د. وليد فتيحي

 

وكان الخليفة في الدولة الإسلامية يفوض سُلطته إلى الوُلاة والعمال في الولايات والإمارات الإسلامية، ومن الأمور التي توضِّح تفويضَ السلطة ما حصل في عهد عمر – رضي الله عنه – حيث جاء بعضُ الناس وقالوا للخليفة عمر – رضي الله عنه -: إن عياض بن غنيم – وهو من كبار المسؤولين في حكومته – يتوسع كثيرًا في إعطاء الأموال، حتى إنَّه لا يقل في هذا المعنى عن خالد بن الوليد، فقال لهم: “إن ذلك شأن أبي عبيدة[24]، ويقصد بذلك أنَّ أبا عبيدة بن الجراح هو المختص بمراقبة التصرُّف في مال المسلمين، وأنَّ له حقَّ السلطة في التأكد والتحقق من تصرف عياض بن غنيم في تلك الأموال.

 

وكان أمراء المسلمين والولاةوقادة الجيوش يتم تفويضهم من قِبَل الخلفاء لإجراء الاتفاقات والمعاهدات مع الأعداء والمشركين دون الرجوع إلى الخليفة، كما حصل في مُعاهدة عمرو بن العاص مع (المقوقس)، وخالد بن الوليد مع الفرس، كما كان الخلفاء يقومون بتفويض السُّلطة للولاة والأمراء والقادة، وفي الوقت نفسه يقومون بالتوجيه والمراقبة ومُحاسبة مَن يسيء استخدامَ السلطة منهم.

 

 


[1] إبراهيم عبدالله المنيف، “الإدارة: المفاهيم، الأسس، المهام”، ص 150.

[2]Harold Koontz and crilo O Donnel principles of Management: An Analysis of Managerial function.

[3] محمود عساف، “أصول الإدارة”، ص 314.

[4] مصطفى محمود عفيفي، “مبادئ وأصول علم الإدارة العامة”، مرجع سابق، ص 226.

[5] فرناس عبدالباسط البناء، “التنظيم بين الإدارة الإسلامية والإدارة العامة”، مرجع سابق، ص 106.

[6] فهد السلطان، “النموذج الإسلامي في الإدارة: منظور شمولي للإدارة العامة”، مرجع سابق، ص 98.

[7] أحمد داود المزاجي، “التنظيم الإداري في الإسلام: مفهومه، وخصائصه”، ص 29.

[8] حزام ماطر المطيري، مرجع سابق، ص 120.

[9] مراد محمد علي، مرجع سابق، ص 56.

[10] حزام ماطر المطيري، مرجع سابق، ص 114.

[11] صحيح البخاري ومسلم.

[12] عبدالرحمن محمد ياغي، “مبادئ الإدارة العامة”، مرجع سابق، ص 243.

[13] محمد بن عبدالوهاب البرعي، وعدنان حمدي عابدين، “الإدارة في التراث الإسلامي”، مرجع سابق، ص 238.

[14] رواه الشيخان.

[15] محمد البرعي وعدنان عابدين، “الإدارة”، مرجع سابق، ص 238.

[16] رواه مسلم.

[17] أحمد إبراهيم أبو سن، “الإدارة في الإسلام”، مرجع سابق، ص 69.

[18] حزام ماطر المطيري، مرجع سابق، ص 128.

[19] ابن تيمية، “الحسبة في الإسلام”، ص 12.

[20] رواه البخاري ومسلم.

[21] رواه أبو داود.

[22] فهد صالح السلطان، مرجع سابق، 104.

[23] أحمد إبراهيم أبو سن، مرجع سابق، ص 113.

[24] المرجع السابق نفسه، ص 71.

المصدر: من كتاب: “إدارة الذات: مدخل مقترح في الإدارة الإسلامية”.

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.