زينة المسلم في ضوء الكتاب والسنة
الخميس 17 محرم1435 الموافق21 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
عقيل حامد
زينة المسلم في ضوء الكتاب والسنة
قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلى أحدكم، فلْيَلبسْ ثوبيه؛ فإن الله أحق أن يُتزين له، فإن لم يكن له ثوبان، فليتَّزِر إذا صلى، ولا يشتَمِل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود))؛ “الثمر المستطاب”، من هذين النصين الكريمين يتبين لنا أن السُّنة أن يتزين العبد ويتجمل، فيلبس أحسن الثياب، وأجمل النعال، ويتطيب بأرقى أنواع العطور، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ))، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنةً؟ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ))؛ رواه مسلم، وأحق من يتزين له المسلم هو الحق سبحانه الذي أكرمه وأنعم عليه بالنعم الكثيرة، وخير هذه النعم وأفضلها أنه هداه إلى هذا الدين القويم، والصراط المستقيم، ومن تمام زينة العبد لربه أن يقابل ربه وهو يصلي على أتم وأكمل وجه من الزينة والجمال، فيستر القِسْم الأعلى من بدنه، وأن يغطي رأسه ولا يصلي حاسر الرأس؛ فإن صلاة حاسر الرأس مكروهة، وألا يسير في الطرقات، ولا يدخل أماكن العبادة وهو حاسر عن رأسه، قال الألباني: “والذي أراه في هذه المسألة أن الصلاة حاسر الرأس مكروهة؛ ذلك أنه من المسَلَّم به استحباب دخول المسلم في الصلاة في أكمل هيئة إسلامية؛ للحديث المتقدم في الكتاب: ((… فإن الله أحق أن يُتزَين له))، وليس من الهيئة الحسنة في عرف السلف اعتياد حسر الرأس، والسير كذلك في الطرقات، والدخول كذلك في أماكن العبادات، بل هذه عادة أجنبية تسربت إلى كثير من البلاد الإسلامية حينما دخلها الكفار، وجلبوا إليها عاداتهم الفاسدة، فقلدهم المسلمون فيها، فأضاعوا بها وبأمثالها من التقاليدِ شخصيتَهم الإسلامية، فهذا العرَض الطارئ لا يصلح أن يكون مسوِّغًا لمخالفة العرف الإسلامي السابق، ولا اتخاذه حجة لجواز الدخول في الصلاة حاسر الرأس.
وأما استدلال بعض إخواننا من أنصار السنة في مصر على جوازه قياسًا على حسر المحرم في الحج، فَمِنْ أبطل قياس قرأْتُه عن هؤلاء الإخوان، كيف والحسر في الحج شعيرة إسلامية ومن مناسكه التي لا تشاركه فيها عبادة أخرى؟ ولو كان القياس المذكور صحيحًا، للزم القول بوجوب الحسر في الصلاة؛ لأنه واجب في الحج، وهذا إلزام لا انفكاك لهم عنه إلا بالرجوع عن القياس المذكور، ولعلهم يفعلون”؛ انتهى.
ومن تمام الزينة أيضًا أن يلتزم العبد بالآداب والأخلاق الإسلامية، ويتمسك بالأوامر والنواهي الشرعية، ولا يخالف مظاهر الإسلام العلنية، ومن أهم هذه المظاهر، وأشهرها، وأعظمها دلالة على صدق العبد، وتمسكه بدينه، وإخلاصه لربه: إطلاق العبد للحيته، وتقصيره لإزاره، فهو لا يطلب دنيا فيداهن أهل الدنيا بأقواله وأفعاله، ولا يخشى سلطانًا فيخافه ويعصي ربه، وتقصير الإزار واجب إلى ما فوق الكعب، والسنة أن يبالغ العبد في التقصير إلى نصف الساق؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((الإزار إلى نصف الساق))، فلما رأى شدة ذلك على المسلمين، قال: ((إلى الكعبين، لا خير فيما أسفل من ذلك))؛ “الصحيحة”، ولقوله: ((إزرةُ المؤمن إلى نصف الساق، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين، فهو في النار، من جر إزاره بطرًا، لم ينظر الله إليه))؛ “صحيح الجامع”، هذا هو الحق الذي يجب الركون إليه، وقد يحتج علينا البعض بقصة أبي بكر الصديق الآتية: قَالَ زَيْدٌ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – رَآهُ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ يَتَقَعْقَعُ – يَعْنِي جَدِيدًا – قَالَ: ((مَنْ هَذَا؟))، قُلْتُ: عَبْدُاللهِ، قَالَ: ((إِنْ كُنْتَ عَبْدَ اللهِ، فَارْفَعْ إِزَارَكَ))، قَالَ: فَرَفَعْتُهُ، قَالَ: ((زِدْ))، قَالَ: فَرَفَعْتُهُ حَتَّى بَلَغَ نِصْفَ السَّاقِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: ((مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ))، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ إِزَارِي يَسْتَرْخِي أَحْيَانًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ((لَسْتَ مِنْهُمْ))؛ “جامع معمر بن راشد”، فأقول: إن أبا بكر قد زكَّاه رسول الله وقال له: أنت لست منهم، هذا أولاً، وثانيًا: أن أبا بكر – رضي الله عنه – قال: (أحيانًا)، وفي رواية: (لكني أتعاهده)؛ أي: أرفعه كلما نزل، وقد يقول البعض الآخر: إن حديث الإزار مقيَّدٌ بمن جر ثوبه خُيلاء، فأقول: وهل الصحابة الكرام يجرون ثيابهم للخيلاء؟ والحق في المسألة التفصيل؛ فمن جر ثوبه للخيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة كما جاء في الحديث السابق، ومن جر ثوبه من غير خيلاء، فهو تحت الوعيد بالنار كما جاء في الحديث الشريف: ((ما كان أسفل من الكعبين، فهو في النار))؛ أي: صاحبه في النار.
وكذلك من أعظم الشعائر الإسلامية العلنية إطلاقُ العبد للحيته، وجزُّ شاربه؛ فقد جاءت أحاديث كثيرة جدًّا تأمرنا بإطلاق اللحية، وجز الشارب، ومخالفة المجوس وأهل الكتاب، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المجوس))، وحديث: ((أعفوا اللحى، وجزوا الشوارب، وغيِّروا شيبكم، ولا تشبهوا باليهود والنصارى))؛ “صحيح الجامع”، وقد بيَّن لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – السُّنة في جز الشارب، فيُقَص الشارب حتى يكون فوق الشفة العليا، ولا يُحَفُّ بالكلية كما كان يفعل ابن عمر – رضي الله عنه – وهذا مذهب الألباني – رحمه الله تعالى – وأما اللحية، فقد أجمعت المذاهب الأربعة على وجوب إطلاقها، وتحريم حلقها، ومن حلقها بالكلية، فهو فاسق عندهم، واختلف السلف في جواز الأخذ منها، فبعضهم قال: تطلق بالكلية ولا يجوز الأخذ منها مطلقًا، وهذا ما ذهب إليه الشيخان الكريمان: ابن باز، وابن عثيمين – رحمهما الله تعالى – وذهب فريق آخر من العلماء إلى جواز الأخذ مما زاد عن القبضة، وهذا ما ذهب إليه العلامة الألباني – رحمه الله تعالى – ومن هنا نجد أن السلف لم يُجوِّزوا الأخذ من اللحية مما دون القبضة، واكتفى من أجاز الأخذ منها بأخذ ما زاد عن القبضة؛ فما يفعله اليوم بعض المنتسبين إلى مذهب السلف من الأخذ من اللحية مما دون القبضة، وجعل لحيتهم لا يتجاوز طولها السنتيمتر الواحد، أو أكثر من ذلك بقليل، بل وربما أقل من السنتيمتر الواحد، هو فعل مخالف لهدي السلف – رضي الله عنهم وأرضاهم – ولا دليل عليه شرعيًّا صحيحًا، لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من إجماع السلف المعتبر، بل هو بدعة منكرة، وفعل شاذ قبيح، يخلط الأمور على طلاب العلم، فضلاً عن العوام، ولم يفعله عالِمٌ معتبَر مشهود له بالعلم والفضل، وخير مثال على ذلك الكواكب الثلاثة – رحمهم الله تعالى – ومن سار قبلهم على مذهب الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة؛ ولهذا أقول: إن خروج بعض المنتسبين إلى العلم وأهله على بعض القنوات الفضائية، وخاصة التي تدَّعي أنها تتبنى مذهب السلف (الأثر)، خروجهم على غير الهدي النبوي الشريف، وعلى غير المظهر الإسلامي السلفي الصحيح الواضح البيِّن الذي يدْعون الناس إليه وندعو الناس إليه معهم – هو خروج منكر، وإطلالةُ فتنة وشرٍّ؛ إذ كيف ندعو الناس لشيء ونطالبهم أن يتمسكوا به ونحن نخرج لهم في قنواتنا التي تَدَّعي الأثر ما يخالف الأثر، ولا نبين لهم ما فيه من خير وشر؟! وقد ساءني كثيرًا خروج بعض طلاب العلم وحملته على هذه القنوات وهم قد أخذوا من لحاهم كثيرًا حتى أصبحت تقاس بالسنتيمترات، وربما بعضهم لا تتجاوز السنتيمتر الواحد، وآخر خرج يلقي درسًا وقد أطلق لحيته، ولكنه خرج حاسرًا عن رأسه، فيا طلاب العلم وحملته، رفقًا بأنفسكم أولاً، وبالعوام ثانيًا، ثم بإخوانكم من طلاب العلم وحملته ثالثًا؛ فقد أصبحنا نواجه المصاعب والمتاعب بسببكم ونحن في بيوتنا؛ حتى أصبح طلاب العلم فضلاً عن العوام يحتجون بكم علينا، فنَقُّوا أقوالكم وأفعالكم، وتزينوا بزي السلف؛ كي لا يساء إلى إخوانكم بسببكم، ولا تؤخذ الدعوة من قِبَلكم، ولا تفسحوا المجال لكل من هب ودب، وأذكركم بقول النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم -: ((الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ، لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ))، وفي رواية أوضح وأدل على ما أريد أن أقوله لكم: ((الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالمَعَاصِي حِمَى اللهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ))؛ صحيح البخاري.
وفَّق الله الجميع لفهم مذهب السلف الصحيح، وحمايته وحمله ونشره.
المصدر:الألوكة