خذوا زينتكم

الخميس 17 محرم1435 الموافق21 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. أحمد البراء الأميري 

قال الإمام أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا، المتوفى سنة (395هـ) رحمه الله، في معجمه النفيس المسمى «مقاييس اللغة» في مادة(زين): الزاءُ والياءُ والنون أصلٌ صحيحٌ يدلّ على حُسْنِ الشيءِ وتحسينه، فالزَّين نقيض الشّين.

 

وقال العلامة أبو القاسم، الحسين بن محمد، المعروف بالراغب الأصفهاني، المتوفى سنة (502هـ) رحمه الله في معجمه القرآني المسمى «المفردات في غريب القرآن» ما معناه:

الزينة الحقيقية ما لا يشين الإنسان في شيءٍ من أحواله، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.. والزينة ثلاثة أنواعِ: زينة نفسية كالعلم، والاعتقادات الحسنة، وزينة بدنية كالقوة وطول القامة باعتدال، وزينة خارجية كالجاه والمال.

 

وجاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، الذي انتهى من وضعه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله حوالي عام (1939م)، وبذل فيه جُهداً شاقاً مُضنياً، قبل اختراع الحاسب الآلي، جاء في هذا المعجم: أنّ الفعل (زَيَّنَبتصريفاتٍ متعددة تكرر في القرآن الكريم (28) مرة، وأن لفظ(زينةتكرر (19) مرة، بصيغ مختلفة، منها قوله تعالى في سورة الأعراف، وهو ما نحن بصدد الحديث عنه:﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 32].

 

لماذا جاء التعبير القرآني بلفظ (الزينة)، مع أن أكثر العلماء قالوا: المراد منها ستر العورة؟ وبصرف النظر عن سبب نزول الآية، وهي أن المشركين كانوا يطوفون بالكعبة المعظمة عراةً، فأمر الله المسلمين بستر أجسامهم، بصرف النظر عن هذا، لا بد أن يكون لاختيار لفظ (الزينةعند كل مسجد، وعند كل صلاة حكمة بالغة لا تستفاد من أي لفظ آخر، كالثياب، واللباس، والرّيش. وستر البدن.. وما إلى ذلك.

اقرأ أيضا  حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا

 

الذي يبدو لي – والله تعالى أعلم – أن المسلم مأمور بالعناية بثيابه، ومظهره: نظافةً، وأناقةً، وتجمّلاً، وترتيباً، من غير إسراف، ولا خُيلاء. والأناقة قد تتحقق بالبساطة والاعتدال، كما يمكن أن تتحقق بالغالي النفيس. بل غلاء الثياب لا يلزم منه أناقة لابسها، إذا كان لا ذوق له، ولا حسن اختيار عنده.

 

ويؤيد هذا الفهم الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً» (أي: فهل هذا من الكبر؟) قال: إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال. الكِبْر: بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس». أي: ردُّ الحق وإنكاره، واحتقار الناس والتعالي عليهم.

 

كما يؤيده الحديث الشريف الذي رواه أبو داود رحمه الله في سننه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس، فإن الله تعالى لا يحبّ الفحش ولا التفّحش». قال في الشرح: فالهيئة الرديّة، والحالة الكثيفة داخلةٌ أيضاً تحت الفحش والتّفحش.

 

والحكمة – على كل حال – وضع الشيء في موضعه، فمن رأيناه يبالغ في العناية والإنفاق على ثيابه ذكّرناه بالحديث الشريف: «تعِسَ عَبْدُ الخميصة وعبد القطيفة» (وهي أنواع من الثيابودعوناه إلى الاعتدال، والفقير الذي لا يجد ما يجمّل به هيئته ذكّرناه بالحديث الشريف الذي رواه ابن ماجه: «البذاذة من الإيمان» يعني: التقشف، والذي يهمل هيئته وهو قادر على تجميلها، فينفر الناس منه، وهو يظن أن هذا من الدين قلنا له:﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .

اقرأ أيضا  أفلا نكون أمة شكورا؟

 

قال العلامة الماوردي المتوفى عام (450هـ) رحمه الله تعالى في كتابه «أدب الدنيا والدين» ما معناه: «اعلم أن الحاجة وإن كانت في المأكول والمشروب أدعى، فهي إلى الملبوس ماسة، لما فيه من:

1- حفظ الجسد

2- ودفع الأذى

3- وستر العورة

4- وحصول الزينة

قال الله تعالى:﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26] وسمّيت العورةُ سَوْأةً لأنه يسوء صاحبَها انكشافُها من جسده!.

 

«أما الريش فقيل: هو اللباس والنعم، وقيل: هو الجمال.. إلى أن قال: فلما وصف الله تعالى حال اللباس، وأخرجه مخرج الامتنان عُلِمَ أنه معونةٌ منه لشدّة الحاجة إليه.

 

«والجمال في اللباس مستحسن بالعرف والعادة، وفيه يقع التجاوز والتقصير، والتوسط المطلوب فيه معتبر من وجهين:

أحدهمافي صفة الملبوس وكيفيته

والثانيفي جنسه وقيمته.

 

«أما صفة الملبوس فيراعى فيها عُرف البلاد، فإن لأهل المشرق زيّاً مألوفاً، ولأهل المغرب زياً مألوفاً، ولما بينهما من البلاد المختلفة عاداتٌ في اللباس مختلفة.

 

«كما يُراعى عُرف الأجناس، فإن للجنود زياً مألوفاً، وللتجّار زياً مألوفاً، وكذلك لمن سواهما. فإن عَدَلَ أحدٌ عن عُرْف بلده وجنسه كان ذلك مِنْهُ خُرْقاً وحُمْقاً.

اقرأ أيضا  امتحان الله لآدم وبنيه

 

«وأما جنس الملبوس وقيمته فمعتبر من وجهين: أحدهما: بالغنى والفقر، فإن للغني في اللباس قَدْراً، وللفقير دونه. والثاني: بالمنزلة والحال، فإنّ لذي المنزلة الرفيعة في الزي قَدْراً، وللمنخفض عنه دونه، فإن عَدل الموسر إلى زِيِّ المعسر كان شُحّاً وبُخلاً، وإن عدل الفقير إلى زيّ الغني كان تبذيراً وسرفاً. ولزوم العُرف المعهود. واعتبار الحدّ المقصود أدلُّ على العقل، وأمنع من الذم. ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إيّاكم ولِبْسَتين: لبسةً مشهورة، ولبسةً محقورة. وقال بعض الحكماء: البَسْ من الثياب ما لا يزدريك فيه العظماء، ولا يعيبه عليك الحكماء.

 

واعلم أن المروءة أن يكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة لباسه من غير إكثار، ولا اطّراح، فإنّ اطّراح مراعاتها وترك تفقّدها مهانة وذُل، وكثرة مراعاتها وصرف الهمة إلى العناية بها دناءةٌ ونقص.

 

قال ابن الرومي:

وما الحليُ إلا زينةٌ لنقيصة 

يُتمِّمُ مِن حسنٍ إذا الحسْنُ قصّرا 

فأما إذا كان الجمال موفراً 

لحُسِنْكَ لم يحتج إلى أن يُزَوَّرا

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.