مواقف لا تنسى في عهد الخليفة عمر

الجمعة 18 محرم1435 الموافق22 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه ‏قال عمر: ما هذا

‏قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا

‏قال: أقتلت أباهم ؟

‏قال: نعم قتلته !

‏قال : كيف قتلتَه ؟

‏قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته ، فلم ينزجر، فأرسلت عليه ‏حجراً

، وقع على رأسه فمات

‏قال عمر : القصاص …. ‏الإعدام

.. قرار لم يكتب … وحكم سديد لا يحتاج مناقشة ، لم يسأل عمر عن

أسرة هذا الرجل ، هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟

‏ما مركزه في المجتمع ؟ كل هذا لا يهم عمر – رضي الله عنه – لأنه لا

‏يحابي ‏أحداً في دين الله ، ولا يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله ،

ولو كان ‏ابنه ‏القاتل ، لاقتص منه ..

‏قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به

السماوات والأرض ‏أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في

البادية ، فأُخبِرُهم ‏بأنك ‏سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ،

والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا

قال عمر : من يكفلك

اقرأ أيضا  فلسطين: نعد قوائم بمنظمات المستوطنين الإرهابية لملاحقتها قانونيا

أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ؟

‏فسكت الناس جميعا ً، إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا

داره ‏ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفلونه ، وهي كفالة ليست

على عشرة دنانير، ولا على ‏أرض ، ولا على ناقة ، إنها كفالة على

الرقبة أن تُقطع بالسيف ..

‏ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ ومن يشفع عنده ؟ومن ‏يمكن

أن يُفكر في وساطة لديه ؟ فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه

‏وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل ، وأطفاله يموتون جوعاً

هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة ، فيضيع دم المقتول ، وسكت الناس ،

ونكّس عمر ‏رأسه ، والتفت إلى الشابين :

أتعفوان عنه ؟

‏قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين..

‏قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟!!

‏فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه ،وقال:

‏يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله

‏قال عمر : هو قَتْل ،

قال : ولو كان قاتلا!

‏قال: أتعرفه ؟

‏قال: ما أعرفه ، قال : كيف تكفله؟

‏قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين ،

فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء‏الله

اقرأ أيضا  شعب بلا أرض إلخ إلخ..

‏قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك!

‏قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين

‏فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه، ويُودع

‏أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ….

‏وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ،

وفي العصر‏نادى ‏في المدينة : الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ،

واجتمع الناس ، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر ، قال عمر: أين

الرجل ؟ قال : ما أدري يا أمير المؤمنين!

‏وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها

، وسكت‏الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله.

‏صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر ، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد

‏لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ، لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب

بها ‏اللاعبون ‏ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها ، ولا

تنفذ في ظروف دون ظروف ‏وعلى أناس

دون أناس ، وفي مكان دون مكان

‏وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ،وكبّر

المسلمون‏ معه

‏فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك ‏وما

اقرأ أيضا  هل كانت صفقة بوميل رسالة إسرائيلية إلى "حماس"؟

عرفنا مكانك !!

‏قال: يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من

الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي

كفراخ‏ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل..

وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس

فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟

فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس

‏فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟

‏قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه..

وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس !

‏قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته …..

‏جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما ،

وجزاك الله خيراً يا أبا ‏ذرّ ‏يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته

، وجزاك الله خيراً أيها الرجل ‏لصدقك ووفائك

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.