الوحدة العربية والوحدة الإسلامية

الثلاثاء22 محرم1435 الموافق26 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض 

الوحدة العربية أملُ كل عربي، ومطمحٌ سامٍ لرغبات أمة من الخليج إلى المحيط، ومن يشذ عن هذه القاعدة، فهو إما خائن لأمته، أو جاهل بمسؤوليته ومشاعر قومه، وعلى هذا الأساس فنحن نشعر بغبطة وبهجة لدى حصول أي تقارب عربي، أو اتحاد عربي، أو وحدة عربية، والإسلامُ دين الوحدة والجماعة، وفي تعاليمه: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾[المؤمنون: 52]، ﴿ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾[الأنفال: 46]، ومعظم العرب ينتسبون إلى دين الإسلام، ويفخرون بهذا الانتساب، وإذًا فالإسلام لا يقتصر على دعوة عربية وحسب؛ وإنما يدعو لوحدةٍ أشملَ وأوسع، وهي الوحدة الإسلامية، التي لا تتناول مائة مليون نسمة وحسب؛ وإنما – محمد صلى الله عليه وسلم – قد بعث إلى الناس كافة؛ ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، علَّمنا أنه يدعو لوحدة لا تقتصر على جنس، أو لون، أو وطن؛ وإنما تشمل الأبيض والأسود والأصفر، والأجناس المختلفة الألسن المتعددة ينتمون للإسلام، أدركنا سر فرحة العرب بالوحدة العربية، واعتزازهم بها؛ لأنهم يأملون فيها نواة وحدة إسلامية كبرى تحكم الشرع، وتذود عن حياضه، وإذا كان العرب هم الذين حملوا مسؤولية نشر الإسلام في نشأته، وبذلوا الغالي والمرتخص في سبيل الله، لا يطلبون كسبًا ماديًّا، ولا مغنمًا عرضيًّا؛ وإنما يريدون أن ينتصر الإسلام، وأن يشرق على العالم الغارق في دياجير الظلمة، وظلام الشرك، والفتن والمنازعات، مهما بذلوا في ذلك، ولسان حالهم ينشد:

اقرأ أيضا  أين زادك للرحيل

 

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا 

عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي 

 

فلا غرو أن يبتهجوا بوحدة العرب وجمع شملهم، بعد طول فرقةٍ ونزاع، إن العرب الذين مرَّتْ بهم عصورٌ من التخلُّف والجهل والاستعمار، لا بد أن تتوق نفوسُهم لاستعادة مجدهم السابق، ومكانتهم السالفة، كأمَّة قوية قائدة إلى الخير، وهادية إلى الرشاد، تدعو إلى الله وإلى شرعه، وتجاهد في سبيل الله بالنفس والمال أفرادًا وجماعات، وتسهم في الحضارة بنصيب.

 

ولا بد أن تهز مشاعرَهم وتحرِّكهم للعمل بحماس واندفاع ذكرياتُ الوحدة التي كانت تسود بلادَ العرب في أوج مجدهم، وازدهار أيامهم؛ ولذلك فهم يطربون للوحدة، ويتلهفون لها؛ على أمل أن تعيد مجدهم، وأن تسترد حقوقهم المغتصبة في فلسطين وبعض الأجزاء في الوطن العربي، ولكن الوحدة العربية إذا ما أريد لها الثبات والتحقق، فلا بد أن تبنى على أسس إسلامية قويمة، وأن تكون مرتكزةً على الدِّين، وبذلك يشعر العرب في جميع أوطانهم أنها وحدة صحيحة بناءة، تسعى لخير الجميع وللصالح العام، وهي الطريق لإعادة أمجاد الأمة، وتحقيق أمانيها وآمالها.

اقرأ أيضا  نفس المؤمن طائر تعلق في شجرة الجنة

 

وإنه لشيءٌ مدهش أن يحاول البعض استبعادَ ذِكر الإسلام والحديث عنه، عندما يجري الحديث عن الوحدة العربية والاتحاد العربي، إن الدين الإسلامي ليس بعبعًا مخيفًا؛ حتى يتحاشى البعض ذِكرَه، ويحاول إهماله تعمدًا، ويُبعِدون من دساتيرهم النصَّ على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، فما هو الغرض من ذلك؟ وما الذي يرهبهم من الإسلام؟ إن الإسلام دين الحق، وهو مبعث الاعتزاز، وليس سبةً أو عارًا حتى يتحاشى أولئك الناس ذِكرَه، وحتى يهجروه وكأنه شيء لا يليق أن يمرَّ خبرُه في أنديتهم ومجالسهم، وخطبهم وأحاديثهم الطويلة العريضة.

 

إننا لا ندري ما هي الدوافع لذلك؟ وما هي الأسباب الداعية إليه؟ في الوقت الذي يتوق فيه العرب إلى الوحدة؛ لأنها نواة لوحدة إسلامية كبرى، يأملون منها إعادة الأمجاد الإسلامية الصحيحة، والعزة العربية التي غذاها هدى الإسلام، وأشرقت بنوره الوضاء.

 

هذا، وإن الذي نفهمه أن واجب الوحدة العربية أن تكون متينة، ومبنيَّةً على أسس إسلامية، وأن تكون هادفة لوحدة المسلمين في شتى أقطارهم، وتبايُن ديارهم، وعلى أساس هذا الفهم الذي يشاركنا فيه عشراتُ الملايين من العرب، فنحن نفرح بأي وحدة عربية بين أي قطر من أقطار العرب وآخر، ونتمنى لها النجاح؛ ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]، ونحن مع ذلك نمقت انتهاجَ طريقة السِّباب والشتائم والمؤامرات لتحقيق الوحدة؛ لأنها طرق غير رشيدة، وهي تباعد بين القلوب، وتُذهِب الصفاء، وتأتي بنتائجَ عكسية، ومن ثَم فإن الدعوة إلى اتحاد العرب على أسس سليمة، وبوسائلَ شريفة، ولغاية نبيلة، هي مطلب جميع العرب، وأملٌ عظيم من آمالهم، ولن يخشاها في هذه الحال إلا أعداءُ العرب والمسلمين وأعوانُهم، هذا موقف صريح لا يماري فيه إلا مخادعٌ أو مكابر. 

اقرأ أيضا  صلاة التراويح والقيام

وبعد، فإنا لنسألُ الله – تعالى – أن يوفق المسلمين والعرب للتي هي أقوم، والسلام على من اتبع الهدى.

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.