الإسلام رسالة الله للعالمين

الخميس24 محرم1435 الموافق28 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

سيد مبارك 

مقدمة تمهيدية للدراسة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهَدْي هَدْي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

فالإسلام رسالة الله للعالمين، لماذا؟

لأنه الدين الذي يُناسِبُ فطرةَ الإنسان، ويُحرِّر عقلَه ووجدانه إلى آفاق عالية من السموِّ والرقي والحرية التي تُشعِرُه بآدميته، وحقِّه الذي لا يتعارض مع حقوق الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه، ويكون عامل بناء لا مِعْوَل هدم، يزرع ويحصد، لا يُدمِّر ويُخرِّب.

 

• الإسلام رسالة الله للعالمين؛ لأنه دين الفطرة، والدين الذي ارتضاه الله لعباده، ولا يقبل غيره؛ لأنه ناسخ لما قبله من الأديان ومهيمن عليها، اختاره الله دون سائر الأديان كرسالةٍ خاتمة للبشرية، واصطفى به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وختم به النبوة والرسالة، ويدل على ذلك قوله – تعالى -: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19]، وقوله – تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].

 

قال السعدي – رحمه الله – في بيان الآية ما نصه: “أي: مَن يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعملُه مردودٌ غير مقبول؛ لأن دين الإسلام هو المتضمِّن للاستسلام لله إخلاصًا، وانقيادًا لرسله، فما لم يأتِ به العبد لم يأتِ بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل دين سواه فباطل”؛ اهـ[1].

 

الإسلام دين الناس كافة:

يقول العلامة ابن العثيمين – رحمه الله -: “الإسلام هو الاستسلام لله وحدَه بالطاعة، فعلاً للمأمور، وتركًا للمحظور، في كل زمان ومكان كانت الشريعة فيه قائمة، وهذا هو الإسلام بالمعنى العام، وعلى هذا يكون أصحاب الملل السابقة مسلمين حين كانت شرائعهم قائمةً لم تنسخ، كما قال الله – تعالى – عن نوحٍ – عليه السلام – وهو يخاطبُ قومه: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 72].

 

وقال عن إبراهيم – عليه السلام -: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: 67].

 

وقال أيضًا: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 131، 132].

 

وقال عن موسى – عليه السلام – في مخاطبته قومه: ﴿ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: 84].

 

وقال عن التوراة: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة: 44].

 

وقال عن الحواريين أتباع عيسى – عليه السلام -: ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة: 111].

 

وأما الإسلام بالمعنى الخاص، فيختص بشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – قال الله – تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163].

 

وقال في أمته: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ [الحج: 78].

 

فلا إسلام بعد بعثته إلا باتباعه؛ لأن دينه مهيمنٌ على الأديان كلِّها ظاهرٌ عليها، وشريعته ناسخة للشرائع السابقة كلها، قال الله – تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81].

 

والذي جاء مصدقًا لما مع الرسل قبله هو محمد – صلى الله عليه وسلم – كما قال – تعالى -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة: 48].

 

وقال – تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: 33]، فمَن بلغته رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلم يُؤمِنْ به ويتبعْه، لم يكن مؤمنًا ولا مسلمًا، بل هو كافر من أهل النار”؛ اهـ[2].

 

وبناءً على ذلك نقول:

إن دين الإسلام هو الدين الخاتم الذي نسخ كلَّ الأديان، وهو الدين الذي جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو الدين الحق، وما عدا ذلك فليس بدين، وإن اتَّخذه أصحابه دينًا، ومن ابتَغَى الصلاحَ والفلاح في غير دين الإسلام من اليهود والنصارى وأصحاب أي ملة وفكرٍ، فهو الضالُّ عن الحقِّ والحياةِ السوية الكريمة.

 

ويدل على ذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، لا يسمع بي رجلٌ من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي، إلا كان من أهل النار))[3].

 

يقول الشيخ الألباني – رحمه الله – في تعليقه على الحديث:

والحديث صريح في أن مَن سمِع بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وما أُرسل به، بلغه ذلك على الوجه الذي أنزله الله عليه، ثم لم يُؤمِنْ به – صلى الله عليه وسلم – أن مصيره إلى النار، لا فرق في ذلك بين يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو لا ديني، واعتقادي أن كثيرًا من الكفار لو أتيح لهم الاطلاع على الأصول والعقائد والعبادات التي جاء بها الإسلام، لسارعوا إلى الدخول فيه أفواجًا، كما وقع ذلك في أول الأمر، فليت أن بعض الدول الإسلامية تُرسِلُ إلى بلاد الغرب مَن يدعو إلى الإسلام، ممَّن هو على علمٍ به على حقيقته، وعلى معرفة بما ألصق به من الخرافات والبدع والافتراءات؛ ليُحسِنَ عرضَه على المَدْعُوِّين إليه، وذلك يستدعي أن يكونَ على علم بالكتاب والسنة الصحيحة، ومعرفةٍ ببعض اللغات الأجنبية الرائجة، وهذا شيء عزيز يكاد يكون مفقودًا، فالقضية تتطلب استعدادات هامة”؛ اهـ.

اقرأ أيضا  الجنة والنار كأنهما رأي العين

 

قلتُ:

وهذا حق وربِّ الكعبة، وهو مرادنا من هذه الدراسة؛ بيان حقيقة ديننا، وإعجاز قرآننا، وعظمة شريعتنا التي فيها فلاح البشرية دينًا ودنيا، ودعوة أهل الكتاب وغيرهم من الباحثين عن الدين الحق والإله الحق من بني آدم وذريته من كل جنس ولون، وفي كل الأمصار والأقطار، ممن ظلُّوا على الفطرة السوية التي لم تلوِّثها شوائب المدنية الزائفة وأطماعها الزائلة، فهؤلاء هم أمل البشرية اليوم في حياة آمنة مستقرة تقوم على العدل والحرية والكرامة، وعبادة إله واحد أحد.

 

والإسلام رسالتُه لهؤلاء العباد، أصحاب القلوب النيِّرة والفطرة السوية، ممَّن يلتمسون سكينةَ النفس وصفاءها بوحي السماء، بعيدًا عن التحريف الذي جرى لكتبِهم المقدَّسة، والتحدث باسم الله زورًا وبهتانًا لفئة ترى الدين حكرًا عليها، وهجرًا لشطحات ومزالق أصحاب الفكر الحر والمذاهب الهدامة وشوائب المعتقد التي أفسَدت عَلاقة الإنسان بربه، وجعلت البعض يتَّخِذ الهوى إلهًا، والدنيا دارًا، ويرى الواحد منهم الدينَ عقبةً وأغلالاً لحريته في الكفر والإلحاد؛ لأنه يُعِيقه عن تحقيق مأربه وهدفه في إضلال الخلق، ولا يعني هذا أننا نريد نشر الفتن والأحقاد، أو نفرض على غيرنا من خلق الله ديننا بالإكراه، قطعًا لا.

 

والدليل على ذلك قوله – تعالى -: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256].

 

قال الحافظ ابن كثير في شرح الآية ما مختصره:

أي: لا تُكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكرَه أحدٌ على الدخول فيه، بل مَن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته، دخل فيه على بيِّنة، ومَن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مُكرهًا مقسورًا، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عامًّا”؛ اهـ[4].

 

وبناءً على هذا التفسير تعلم سماحة ديننا الذي يرى للمخالفين المعتنقين لغير ملتنا حقهم في الإيمان بدين آخر غير الإسلام، على أمل أن يرى الواحد منهم الحق جليًّا واضحًا، فيهديه الله – تعالى – وينقذه من عذاب أليم.

 

ويدل على ذلك قوله – تعالى -: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 29].

 

وما علينا نحن كمسلمين إلا النصيحة والتبليغ بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، كما قال الله – تعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125].

 

قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها ما نصه:

يقول – تعالى – آمرًا رسوله محمدًا – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الخلق إلى الله ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾، قال ابن جرير: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة، ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾؛ أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس، ذكرهم بها؛ ليحذروا بأس الله – تعالى.

 

وقوله: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾؛ أي: مَن احتاج منهم إلى مناظرةٍ وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفقٍ ولين وحسن خطاب، كما قال: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: 46]، فأمره – تعالى – بلينِ الجانب، كما أمر موسى وهارون – عليهما السلام – حين بعثهما إلى فرعون، فقال: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44]”؛ اهـ[5].

 

الله – سبحانه وتعالى – هو الإله الحق:

نقول لمن يريد الحق من أهل الكتاب وغيرهم: ها هو القرآن الكريم كتاب المسلمين وكلام رب العالمين، فيه الحق كل الحق، وفيه يخبركم رب العالمين وحيًا على لسان النبي الآمين – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64].

 

لهذا كله؛ يتبيَّن للعقلاء وأصحاب الفطرة السوية أن الإسلام رسالةُ الله للعالمين؛ لأنه يدعو البشرية للخروج من ذلِّ العبودية للمخلوق والطاغوت أيًّا كان، لعبادة وتوحيد الله الواحد القهار، وهذا حق لا مرية فيه.

 

وما من نبي أو رسولٍ بُعِث ليقول للناس: اعبدوني من دون الله، هذا محال عند العقلاء وأولي الألباب، بل كانت دعوتهم لعبادة وتوحيد الإله الحق خالقِ الأرض والسماء، وفالق الحب والنوي، الذي يحيي ويميت، يُعِز ويُذِل مَن يشاء، لا رادَّ لقضائه، ولا شريك في حكمه، ولا إله غيره.

 

ومن أجل ذلك؛ أوحى للنبي الخاتم – صلى الله عليه وسلم – أن يقول لعباده: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110].

 

وأوحى لموسى أن يقول: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5].

 

وأوحى لعيسى ابن مريم – عليه السلام – أن يخبرهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف: 6].

 

والحاصل أن جميع أنبياء الله ورسله لم يقُلْ أحد منهم ألبتة: اعبدوني من دون الله تعالى، وكيف يأمُرُهم بترك عبادة الله الخالق – سبحانه وتعالى – لعبادته وتمجيدِه وهو بشرٌ مثلهم لا يملك لهم ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا؟!

اقرأ أيضا  أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم

 

ولا عجب أن البشرية في جاهليَّتها اتَّهموا أنبياءَ الله ورسله جميعًا – عليهم السلام – بالسحر والكذب، وربما الجنون! قال – تعالى – عن قوم نوح – عليه السلام -: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [القمر: 9].

 

واتُّهم موسى بالسحر – عليه السلام – عندما دعاهم إلى الله وأراهم معجزاته، كما قال – تعالى -: ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 107 – 109].

 

والنبي الخاتم – صلى الله عليه وسلم – عندما دعاهم لعبادة الله السميع البصير – سبحانه وتعالى – وترك ما يعبدون من آلهة وأصنام صمَّاء، اتَّهموه كما اتَّهم شرارُ الخلق إخوانَه من الأنبياء، إلا مَن هداهم الله – تعالى.

 

فقالوا ما ذكره الله – تعالى -: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 4، 5].

 

والقرآن ذكر حدوثَ ذلك مع أنبياء الله ورسله جميعًا – عليهم السلام – فالبشر هم البشر في كل زمان ومكان، لا يُؤمِنون إلا بعد التكذيب والتشكيك والرد والصد إلا القليل، قال – تعالى -: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات: 52].

 

الإسلام ليس حكرًا على طائفة معينة:

نُنبِّه كلَّ غيور على الإسلام أنه لا يحتكر الكلامَ باسمِه طائفةٌ معينة من الناس، بل هو رسالة الله للعالمين للإيمان والتفكُّر والتدبُّر، والنهل من منبعَيْه الدائمينِ الصافيين، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وأقصد بهما القرآن والسنة، ففيهما سعادة البشرية جمعاء، وصلاحها وفلاحها دينًا ودنيا، كما قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء: 9].

 

قال السعدي – رحمه الله -: “يُخبِر – تعالى – عن شرف القرآن وجلالته، وأنه ﴿ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾؛ أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمَن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكملَ الناس وأقومَهم وأهداهم في جميع أموره.

 

﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ﴾ من الواجبات والسنن ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ أعده الله لهم في دار كرامته، لا يعلم وصفه إلا هو؛ اهـ[6].

 

وفي السنة الصحيحة: ((تركتُ فيكم شيئينِ لن تضلُّوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوضَ))[7].

 

ومن ثَمَّ نقول: للجميع الحق في التحدث به والدعوة إلى دين الله – تعالى – بأي وسيلة مستطاعة ويقدر عليها، شريطة أن يكون ذلك في إطار تعاليم الكتاب والسنة، بلا إفراط أو تفريط، ولا فضل لعربي على أعجمي في ذلك إلا بالتقوى والعمل الصالح.

 

وإننا في حديثنا في بيان أن الإسلام هو الدين الحق الذي سبقت تعاليمُه فكرَ البشرية في احترام حقوق الإنسان وتزكية النفس البشرية، ليس القصد منه التحدي، قطعًا لا.. لماذا؟

لأن الإسلام أسمى من هذا، بل نريد من بيان تعاليم الإسلام إصلاحًا لأغلاطٍ شائعةٍ، وأوضاع جائرة وظالمة، وتبديدٍ للغيوم التي أصابت العقل البشري بتجاهلِه وحيَ السماء؛ لتكون هذه الرسالة منهجَ حياة للبشرية في رحاب الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وجعله الرسالة الخاتمة، وجعل الرسول – صلى الله عليه سلم – مبعوثًا للناس كافة، كما قال الحق – تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون [سبأ: 28].

 

نريدُ من أهل الغَيْرة على الدين أن يَنقُلوا للناس كافة أن الإسلام دعوة عالمية، فيه حل لكل مشاكل البشرية، وجلاء أحزانها وهمومها، وأن يذكِّروهم دومًا أن كل معجزات الأنبياء زالت وطواها النسيان، ومات مَن رآها وعاش أحداثها رؤية عين، ولكن معجزة الإسلام قرآنٌ معجز باقٍ إلى يوم القيامة، ومحفوظ بحفظ الله – تعالى – له، وهو موجود يتلوه المؤمنون به في صلواتهم وعبادتهم، ويستطيع كل مَن يريد الانتماء إليه لمسَه وقراءته ودراسته؛ ليرى ما فيه من إعجاز وتشريع يُبدِّد بنورِه ظلمات النفس البشرية ويكشف آفاتها، ويعالج عيوبها وسلبياتها، فهو كلام الله رب العالمين، الربِّ الحق والإله الحق، مَن عمل به وآمَن بما فيه، فهم أمل البشرية للتقدم والرقي إلى آفاق عالية من السمو الروحي والإنساني.

 

نصيحة من القلب لحماة الدين:

ينبغي لمن يحمل همَّ هذا الدين، ويريد إعادة صياغة فهم الناس للحريات والحقوق الإنسانية من منطلق شريعتنا الغراء، التي تأمر بالعدل والإحسان والمحبة والتسامح بين الناس جميعًا – أن يعلم أن الرعيل الأول من سلفنا الصالح سادوا الدنيا؛ لأنهم كانوا أعدل الناس، وأخلصهم في العمل لله، وأفقههم لدينه، وأعظمهم محبة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأكثرهم شجاعة وعزة نفسٍ وترابطًا ونصرة لدين الله – تعالى – من أحفادهم.

 

هذا هو لبُّ القضية؛ أن نخلص النية، وبالخلق الحسن والتواضع والرفق في الدعوة للإسلام والترابط بين الشعوب الإسلامية أفرادًا وجماعات في مواجهة كيد أعداء الدين وسفهائه، إن حدث سوف تحترمنا وتحترم شريعتَنا وديننا الأممُ والشعوب، ويدخل الناس في دين الله أفواجًا بإذن الله، وهو ولي ذلك والقادر عليه.

 

ونذكِّرُ حماةَ الإسلام بعدم الإفراط أو التفريط، وأن هذا الدين متين، فلا يسرع الخُطى فيهوي قبل أن يبدأ، فيضر نفسه ودينه، ولا يبطئ ويتواكل على الله – جل في علاه – للدرجة التي تجعل أعداء الدين يسبقونه بالتبشير والتضليل لخلق الله، ولا يتشدَّد ويتنطع فيُفسِد من حيث يريد الإصلاح، وليتذكر قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا الدين متين، فأوغِلوا فيه برفق))[8].

 

ونُذكِّرُهم مرة ثانية أنه قد ولَّى عهد الانتماء النظري للإسلام الذي أفقد المسلمين أسباب التمكين في الأرض إلى حينٍ، ووعدُ الله – جل جلاله – آتٍ لا محالة، وهو القائل: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور: 55]، وبدأ عصر نقل الرسالة الخاتمة عمليًّا بكافة الإمكانيات والطرق الشرعية والمشروعة.

اقرأ أيضا  حكم زكاة الفطر ومقدارها، ووقتها، والحكمة من مشروعيتها

 

تعالوا يا حماة الإسلام المخلصين، لنبدأ بخطوات حثيثةٍ واعية، ومدخلُنا ليس بأموال تُنفَق، أو كلمات وخطب تشحن الهمم وتذرف الدموع ثم لا شيء ملموس في عالم الواقع ودنيا الناس، إننا لا ننكر أهمية ذلك في إصلاح النفوس وتهيئتِها لحمل أمانة الدين والدعوة بلا كلل أو ملل، ولكن هذا وحدَه لا يكفي، لا بد من التماسِ الوسائل النافعة والشرعية لربط الدين بدنيا الناس في عصرنا هذا، وحسب مفهومهم ومعارفهم وإدراكهم لمفهوم الحياة الكريمة وحقوق الإنسان التي يرون أنه لا يجوز التفريط فيها.

 

لنبدأ يا حماة الإسلام بوضعِ آليات هذه الوسائل وتنظيمها وإثرائها بتعاليم ديننا وشريعتنا، وهو أمر على جانبٍ عظيم من الأهمية؛ لندخُلَ قلوبَهم، ونحترم عقولهم، ويساعدنا القرآن المعجز وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – التي هي وحي من الله – جل جلاله – وفيهما معًا البلسم الشافي لكل ما تعانيه البشرية من انحطاطٍ في دينهم ودنياهم، لانتشار الكفر والإلحاد، فضلاً عن العنف والحقد والكراهية بسبب العصبية الجاهلية والعنصرية، وما إلى ذلك،التي مزَّقتها كل ممزق؛ ليجلوَ بنور الشريعة والرسالة الخاتمة وسماحتها وثرائها الإنساني والروحي – الجهلَ المطبق بها ممن لا يُدرِك عظمتها، ويظهر معدِن الدين الأصيل كدينٍ سماوي من لدن خبير عليم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

هدفنا من هذه الدراسة:

إننا في هذه الدراسة سنُبيِّن بالأدلة الشرعيةِ من القرآن والسنة، وبشرحِ وبيانِ أقوالِ العلماء الثقات من أهل السنة والجماعة – سبلَ دعوتِنا لنصرِ دينِنا وحمل لواء هذه الرسالة للعالَمين في بيانٍ وافٍ، بلا تطويل ممل، أو تقصير مخل، في عدة مقالات متتالية، كل مقالة تحوي سطورُها وكلماتُها قضيةً من القضايا التي يحارب العقلاء وأولو الألبابِ من أجلها، ويبحث العامة والخاصة من البشر حلولاً لها لا تتبدَّل ولا تتغيَّر لعيبٍ في مضمونها أو هوًى في تطبيقها، والإسلام وشريعته وعقيدته الثابتة فيه ما يبحث عنه هؤلاءِ، قال – تعالى -: ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد: 17].

 

قال السعدي – رحمه الله – [بتصرف يسير] ما مختصره:

شبَّه الله – تعالى – ما يكونُ في القلوبِ من الشهوات والشبهات عند وصول الحق إليها، بالزَّبَد الذي يعلو الماءَ ويعلو ما يوقد عليه النار من الحِلْيَة التي يراد تخليصها وسَبْكها، وأنها لا تزال فوق الماء طافيةً مكدِّرة له حتى تذهب وتضمحل، ويبقى ما ينفع الناسَ من الماء الصافي والحلية الخالصة، كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرَهُها، ويجاهدها بالبراهين الصادقة، والإرادات الجازمة؛ حتى تذهب وتضمحل، ويبقى القلب خالصًا صافيًا، ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق وإيثاره، والرغبة فيه، فالباطل يذهب ويمحقه الحق ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81]، وقال هنا﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ﴾؛ ليتَّضِحَ الحق من الباطل، والهدى والضلال”؛ اهـ[9].

 

وإننا نُدرِك أن دعوتنا لخلق الله – جل في علاه – ليست بالسهولة بمكان؛ لأن الدعوة المضادة التبشيرية أو المضلِّلة للشعوب من قادتهم وسادتهم وأرباب الفكر ورجال الدين… إلخ – جعلتهم يعيشون في جهلٍ بالإله الحق المتفرد في وحدانيته، ولا يرون في الإسلام وتعاليمه إلا الإرهاب وحبًّا لسفك الدماء، وسواء كانت هذه النظرة الظالمةُ بسببِ بعض السفهاء المحسوبين على الإسلام، أو بسبب الحقد والكراهية للجهل بعظمة وسمو الرسالة الخاتمة، أو غير ذلك.

 

وأنا على ثقةٍ أنه لم يَفُتِ الأوانُ بعد، ولا يأسَ من نجاح الجهود التي نبذلها وإن تأخَّر حصاد ثمارها، طالما التزمنا منهج السلف وحكمته وسبل الإيمان التي تُوصِّلنا للأهداف النبيلة والسامية التي نسعى إليها، إن نظَّمنا أنفسنا، ودرسنا آليتنا، ووحَّدنا أهدافنا؛ حتى ينتشِرَ الدين وترتفع راية الإسلام عاليةً، كما فعل سلفنا الصالح – إن شاء الله – في ربوع العالمين.

 

هذا، وقد قسَّمنا هذه الدراسة إلى سبعةِ مباحث، حاولنا قدر الإمكان أن تكون مختصرة ووجيزة، وكل مبحث قضية قائمة بذاتها يهمُّ البشرية أن تُدرِك كلمة الإسلام فيها، وتحتاج لحماة الإسلام لزيادة موادِّها وإثراء بنودها وفوائدها بالأدلة التاريخية والعلمية الموثقة، وغير ذلك مما لم أذكره؛ لعدم التطويل من جهة، وترك هذا الفضل لغيري من جهة أخرى، مكتفيًا بالتركيز على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال علمائنا الثقات من أهل السنة والجماعة.

 

وهذه المباحث السبعة، هي كما يلي:

المبحث الأولالإسلام وتكريم الجنس البشري.

المبحث الثانيالإسلام وحقوق الإنسان الأساسية.

المبحث الثالثالإسلام والمجتمع المثالي الإيماني.

المبحث الرابعالإسلام وتكريمه للعلم والعلماء

المبحث الخامسالإسلام والسمو الروحي للإنسان.

المبحث السادسالإسلام دين الدعوة والجهاد.

المبحث السابعالإسلام دين ودولة.

 

وبعد، فلا ريب أن البشرية اليوم في حاجة ملحَّة للدين الحق؛ لتستيقظ من غيبوبتِها ويأخذ بيدَيْها إلى المكانة التي من أجلِها استخلف اللهُ الإنسان، ويؤدي الأمانة التي هي سبب لتكريمه وتسخير كلِّ ما في الكون لأجله، وهي أمانة ثقيلة تحتاجُ لهممٍ عالية، لرجال فيهم عزيمة لا تلين، وإيمان ويقين بالله – تعالى – لا يشُوبُه تردُّد أو ضعف أو فتور، فهل من مشمِّر من أهل الإسلام والمؤمنين به كدين حقٍّ ليحمل لواء هذه الدعوة العالمية التي تشرَّفنا بالانتماء إليه والتسمي باسمه، والذي يُقدِّم للبشرية البلسم الشافي في بناء الخلق والمجتمع والأمة؟

 

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

 


[1] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي (المتوفَّى: 1376هـ)، الناشر مؤسسة الرسالة، 1/ 137.

[2] تقريب التدمرية؛ لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين (1/ 95).

[3] السلسلة الصحيحة 1/ 241.

[4] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير (1/ 682)، دار طيبة للنشر والتوزيع.

[5] تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 613)، دار طيبة للنشر والتوزيع.

[6] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة (1/ 454).

[7] انظر حديث رقم/ 2937 في صحيح الجامع.

[8] انظر حديث رقم/ 2246 في صحيح الجامع.

[9] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة (1/ 415).

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.