الترغيب في طلب العلم النافع، علم الكتاب والسنة

السبت4 صفر 1435 الموافق 7 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر 

الحمد لله الذي يُفقِّه مَن أراد به خيرًا في الدِّين، ويرفع درجات العلماء العامِلين، فيجعلهم أئمَّة للمتَّقين، وهُداة للعالمين؛ ﴿ لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]. 

وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن : 1 – 4]. 

وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الذي أنزَلَ الله عليه الكتاب والحِكمة، وعلَّمه ما لم يكنْ يعلم، وكان فضْلُ الله عليه عظيمًا، وبعثَه في الأُميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكِّيهم، ويعلِّمهم الكتاب والحِكمة، وإنْ كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين، وآخرين منهم لَمَّا يَلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم، ذلك فضْل الله يُؤْتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم.

 

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

 

أما بعدُ:

فيا أيها الناس، اتقوا الله – تعالى – وأقبِلوا على تعلُّم ما أنزَلَ الله عليكم من الكتاب والحِكمة، والتفقُّه فيهما، والعمل بهما، يعلِّمكم الله ويجعل لكم فرقانًا ونورًا تمشون به، ويُكفِّر عنكم سيِّئاتكم، ويَغفر لكم والله ذو الفضل العظيم؛ فإنهما قد اشتَملاَ على العلم النافع، المثْمِر لكلِّ عمل صالحٍ، والدال على كلِّ خير في العاجلة والآجلة، والموصِّل إلى رضوان الله وجنته؛﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15 – 16].

اقرأ أيضا  إذا لم تستح فاصنع ما شئت

 

أيها المسلمون، تعلَّموا العلم الموروث عن نبيِّكم – صلَّى الله عليه وسلَّم – من الكتاب والسُّنة، وعلِّموه أهليكم وذويكم؛ فإنَّ حاجتكم إليه شديدة، وضرورتكم إليه عظيمة، أعظم من حاجتكم إلى الغذاء والدواء، والهواء والضياء، فإنَّه نور يُهتدى به في الظلمات، وسببٌ يُتوصَّل به إلى الخيرات، به يُعرف حقُّ الله على عباده، وما للمُتَّقي عنده من الخير يوم معاده، وبه تُعرف الأحكام، وتُوصَل الأرحام، ويُفرَّق بين الحلال والحرام، وهو الباعث على الإحسان في العمل والإخلاص، وهو لكلِّ كَلِم طيبٍ وعمل صالحٍ أساس، وهو أفضل مُكتَسب، وأشرف مُنتسب، وأنْفس ذخيرة تُقْتَنى، وأطيب ثمرة تُجْتَنى، وهو وسيلة الفضائل، وسببٌ يُلحق بالسابقين الأوائل.

 

فتعلَّموا هذا العلم، وأخلصوا لله فيه، تكونوا لربِّكم – تعالى – مُتَّقين، ولنبيِّكم – صلَّى الله عليه وسلَّم – وارثين، وبأشرف الحظوظ آخذين، ولطريقِ الجنة سالكين، وإنَّما العلم بالتعلُّم، والفقه بالتفقُّه، ومَن يُرد الله به خيرًا، يُفقِّهه في الدِّين، فمَن عَلِم الله فيه خيرًا سمَّعه، ومَن اتَّقى الله – تعالى – كان معه، فإنه – سبحانه – يُسمع مَن يشاء، ويهدي من يشاء، ويُؤتي الحِكمة من يشاء، ومَن يُؤْتَ الحِكمة، فقد أُوتِي خيرًا كثيرًا، وما يذكَّر إلا أولو الألباب.

اقرأ أيضا  مشاهد وآيات..سورة النبأ وتكون " المعصرات

 

أيها المسلمون، إنَّما يُراد من العلم خشية الله – تعالى – فكلُّ علمٍ لا يُورث صاحبَه الخشية، فهو تعبٌ على صاحبه في تحصيله وجَمْعه، وضرره عليه أكثر من نفعه، فاطلبوا من العلم ما يُثمر خشية الله – تعالى – ولن تجدوا ذلك إلاَّ في كتاب ربِّكم – تبارك وتعالى – وسُنة نبيِّكم محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – ألا وإنَّ العلم النافع نورٌ يَقذفه الله في قلب العبد، إذا سلَكَ سبيلَه، ورغب تحصيله، وأخْلص لله قصدَه، وبذَلَ من أجْله غاية جُهدِه، فإذا استقرَّ ذلك النور في القلب، صلَح به القلبُ، وانشرح به الصدر، وزكتْ به النفس؛ فطابت الأقوال، وكرمتِ الأعمال، وحَسُنتْ به السريرة، وجملتْ به السيرة، فأضحى صاحبه وارثًا للنبوَّة، سالكًا طريقَ الجنة، إمامًا يُقتدى به إلى آخر الدهر، فلا يعلم إلاَّ الله ما ينال من الأجر؛ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

 

فاتقوا الله – أيها المؤمنون – وامضوا أعمارَكم في طلب العلم النافع، تحصلوا على جميع المنافع، لا سيَّما وقد يسَّر الله لكم في هذا الزمان سُبلَه، وهيَّأ لكم وسائله، فقد شاعَ العلم في سائر الأقطار، وبلغَ ما بلَغَ الليل والنهار، يسير فوق الرياح، ويُسْمَع في الغدو والرَّواح، يدخل خَفي البيوت، ويَسْرح في الفلوات؛ فقد – والله – قامتْ في هذا الزمان علينا الحُجة، واتَّضحتْ لنا المحجَّة، فاذكروا نعمة الله عليكم، واشكروا جميل إحسانه إليكم، واستعملوا نعمَه في طاعته، ولا تجعلوها وسيلةً لمخالفته ومشاقته، ولا تُعرِضوا عن ذِكْره، ولا تخالفوا عن أمره، بل اتَّبِعوا هُداه، واتَّصفوا بتقواه، وتفقَّهوا في دينه، وأنذروا قومَكم لعلَّهم يَحذرون.

اقرأ أيضا  هذا القول الطيب.. فهل حققه العمل الصالح؟

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

 

بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.