الأخلاق الإسلامية

السبت11 صفر 1435 الموافق 14 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

أ. د. مصطفى حلمي 

يعنينا قبل دراسة تفاصيل موضوع الأخلاق الإسلامية أن نحصى الركائز الأساسية التي تقام عليها هذه الأخلاق فتفردها بسمات خاصة، سواء بالمقارنة باليهودية والمسيحية أو بما تضيفه من فضائل جديدة وما تنطوي عليه من ألوان الإلزام المتعددة، مع تقديم الأسوة الحسنة في شخص الرسول صلوات الله عليه، حيث نقد بسلوكه وأخلاقه ما تضمنه القرآن الحكيم من تعاليم فكان – بحق وصدق على خلق عظيم.

وهذا ما سنعرضه تباعًا فيما يأتي من كلام:

وسيعتمد كلامنا على مؤلفات حكماء الإسلام وعلمائه الذين لم يلقوا بعد العناية التي يستحقونها بالنظر إلى مساهماتهم في المجالات الأخلاقية – وما أكثرها.

وربما ساعد على ذلك أننا كنا نعتمد إلى وقت قريب على المصادر الغربية في بحوثنا ومؤلفاتنا مما يعد نقضًا معينًا لابد من تداركه[1].

 

وقد استعرض أستاذنا الدكتور السيد بدوي كتب الأخلاق التي كتبها كتاب الغرب فوجد فيها ثغرة كبيرة، فهؤلاء الكتاب في تأريخهم للمذاهب الأخلاقية قد عرضوا لهذا المذاهب في العصور اليونانية القديمة، ثم الديانتين اليهودية والمسيحية وقفزوا منها فجأة إلى المذاهب الأخلاقية في العصور الحديثة في أوربا أي منذ عصر النهضة إلى وقتنا الحاضر، بدون أن يعرجوا في قليل أو كثير على ما يتصل بالقانون الأخلاقي في الإسلام.

اقرأ أيضا  منتقى الدرر من كتاب الأخلاق والسير

 

ومع ذلك فإن ما جاء به القرآن في مجال الأخلاق ذو قيمة عامة لا بالنسبة للحياة العملية للمسلمين أنفسهم فحسب بل بالنسبة لأبناء البشر جميعًا، ومعرفة القانون الأخلاقي كما جاء به القرآن يكمل النقص في تاريخ المذاهب الأخلاقية ويفتح آفاقًا جديدة في دراسة المشكلة الأخلاقية ذاتها وفي حل كثير من المسائل والصعوبات التي تثيرها.

 

ويرى الدكتور السيد بدوي أنه إذا كان بعض الكتاب قد تعرض في كتاباته عن النظم الإسلامية بوجه عام لسرد بعض القواعد الأخلاقية التي تستلخص من القرآن ومن التشريع الإسلامي، فقد كان يعاد هذه المسائل في عجالة دون أن يكون فيما يسرده ما يشفي غليل الباحث الذي يريد أن يتعمق الدراسة العلمية. ولم يتعرض أحد لبحث الجانب النظري من المسألة ولم يحاول استخلاص المبادئ العامة التي تستمد من القرآن. وكل ما فعله هؤلاء – الكتاب أو المستشرقون – هو جمع بعض الآيات القرآنية التي تحتوي على قواعد للسلوك الأخلاقي وترجمتها.

 

وأخيرًا تصدى لهذا العمل الكبير ما يقرب من خمسة عشر عامًا عالم جليل من علماء الأزهر وهو الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز في رسالته القيمة التي نال بها درجة الدكتوراه من السربون وعنوانهاأخلاق القرآن“.

 

ويرى الدكتور السيد بدوي أن المذاهب الأخلاقية لدى فلاسفة الغرب لم تبرز من الحقيقة الأخلاقية – وهي حقيقة مركبة متشابكة – إلا بعض وجوهها. والمتتبع لتاريخ الفلسفة يلاحظ العيب نفسه في المذاهب الكبرى التي تتعرض لنظرية المعرفة، فهناك المذهب المثالي والمذهب الواقعي والمذهب العقلي والمذهب التجريبي وكلها يتعارض بعضها مع بعض لا لسبب إلا لأنها ادعت لنفسها إمكان تفسير المعرفة الإنسانية بالرجوع إلى مبدأ وحيد.

اقرأ أيضا  الإسلام يدعو إلى التقدم

 

ويقول أيضًا “وما حدث بالنسبة للفلسفة النظرية حدث كذلك بالنسبة للأخلاق فأراد فلاسفة الأخلاق كل بدوره أن يبني قواعد الأخلاق على مبدأ وحيد فهو أحيانًا مبدأ السعادة وأحيانًا مبدأ اللذة وأحيانًا مبدأ العقل الخ. والحقيقة أنه لا يكفي في توجيه إرادتنا أن نرجع إلى قاعدة عامة أو أن نحلل بدقة الموقف الخاص الذي نجد أنفسنا فيه بل إننا نحتاج إلى الجمع بين هذين الشرطين أي إلى التوفيق بين مثال أعلى يأتينا من مصدر علوي وبين الحقيقة الواقعية التي نعيش في وسطها[2].

 

ولا شك أن أي باحث في الأخلاق الإسلامية لابد له من الاستناد إلى كتب ومقالات الدكتور محمد عبد الله دراز – رحمه الله تعالى – لأن هذا العالم الجليل قد استكمل وسائل البحث التي أهلته للخوض في ميدان علم الأخلاق بتكوينه الإسلامي الأصيل أولًا، ثم إتقانه للغة الفرنسية واستيعابه للثقافة الفلسفية الغربية القديمة والحديثة ثانيًا، فحصل على درجة الدكتوراه من فرنسا على رسالته بعنوان دستور الأخلاق في القرآن- دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن[3].

اقرأ أيضا  حديث ديني في العدل

 

وقد وفق وبرع في الإحاطة بالقانون الأخلاقي في القرآن الكريم بمنهج جديد لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم[4].


[1] وقد بدأ علماؤنا فعلا بتدارك هذا النقص، نذكر منهم على قدر علمنا الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله والشيخ نديم الجسر والدكتور مقداد يالجن وزملاءنا الأفاضل الدكتور عبد اللطيف العبد والدكتور عبد المقصود عبد الغني والدكتور أبو اليزيد العجمي وغيرهم.

[2] الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع الدكتور السيد بدوي ص 66- 67.

[3] اعتمدنا كثيرًا على كتبه وأهمها الكتاب الفريد في بابه (دستور الأخلاق في القرآن دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن) ترجمة الدكتور عبد الصبور شاهين ومراجعة الدكتور السيد محمد بدوي دار البحوث العلمية- الكويت ومؤسسة الرسالة بيروت 1393هـ- 1973م.

[4] تقع الترجمة العربية في 778 صفحة.

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.