الإيمان الذي يدخل الجنة
السبت11 صفر 1435 الموافق 14 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أ. طاهر العتباني
7- حديث أبي أيوبَ الأنصاري – رضي الله عنه -: أنَّ رجلاً قال: يا رسولَ الله، أخبرني بعمل يُدخلني الجنةَ، فقال القوم: ما له؟! ما له؟! فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَرَبٌ ما لَه؟)) فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تَعبدُ الله لا تُشرِكُ به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، ذَرْها))؛ أخرجه البخاري في: 78- كتاب الأدب: 10- باب فضل صلة الرحم.
8- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ أعرابيًّا أتى النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: دُلَّني على عمل إذا عملتُه دخلتُ الجنة، قال: ((تَعبدُ الله لا تُشرِك به شيئًا، وتُقيم الصلاةَ المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان))، قال: والذي نفسي بيده لا أَزيد على هذا، فلمَّا ولَّى قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سَرَّه أن ينظرَ إلى رجل من أهل الجنَّة، فلينظر إلى هذا الرجل))؛ أخرجه البخاري في 24 – كتاب الزكاة: 1- باب وجوب الزكاة.
نتناول في هذين الحديثين ما يلي:
أولاً: سبب دخول الجنة.
ثانيًا: معنى العبادة وأنواعها.
ثالثًا: الشرك وأنواعه.
رابعًا: صلة الرحم.
أولاً: سبب دخول الجنة:
ذُكِر في الحديثَين أنَّ سببَ دخول الجنة هو الإيمان أولاً، وهو الاعتقاد السليم، متمثِّلاً في إخلاص العبودية لله – تعالى – وعدم الشَّرْك به، وثانيًا: القيام بأعمال العبادة التي فُرِضت على أمَّة محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومِن هذه العبادة: الصلاة – فهي عمودُه – والزكاة، والصيام، وصِلَة الرحم.
وقد يقول قائل: وهل يَدخلُ الناسُ الجنةَ بأعمالهم، مع أنَّ الأحاديث وردتْ أنَّه لا يدخل الجنة أحدٌ بعمله؟ فقد وَرَد عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سَدِّدوا وقاربوا، واعلموا أنَّه لا يُدخِل الجنةَ أحدًا عملُه))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((نَعمْ، ولا أنا، إلاَّ أن يتغمدني الله برحمته))؛ رواه مسلم.
فالجمع بين الحديثَين بأن يُقالَ: إنَّ الأعمال الصالحة سببٌ لحلول رحمة الله على العبد، ودخوله الجنة، ولكنَّه لا يستحقُّ أحدٌ هذه الرحمة إلاَّ بالأعمال التي أَمَر الله بها، وأدَّاها على وجهِها؛ قال – تعالى -: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156 – 157].
بين الحقُّ – جلَّ وعلا – أنَّه كَتَب رحمتَه لِمَن يتصفون بصفات؛ منها:
• التقوى.
• إيتاء الزكاة.
• الإيمان بآيات الله.
• اتباع الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثانيًا: معنى العبادة وأنواعها:
العبادة في اللُّغة: الخضوع والطاعة، والذُّل والاستكانة.
وفي الشَّرْع: اسم جامع لكلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، ويُعرِّفها بعضُ أهل العلم من المعاصرين: “مفهوم العبادة الأساسي أن يُذعِن المرء لعلو أحدٍ وغلبته، ثم ينزل له عن حريته واستقلاله، ويترك إزاءَه كلَّ مقاومة وعصيان، وينقاد له انقيادًا“[1]،
وهي في حقيقتها: خضوع وحب، فكمالُ الخضوع مع كمال الحبِّ هو العبادة.
فللعبادة المشروعة إذًا أمران، لا بدَّ منهما:
الأمر الأول: هو الالْتزام بما شَرَعه الله، ودعا إليه رسلُه، أمرًا ونهيًا، وتحليلاً وتحريمًا، وهذا هو الذي يُمثِّل عنصرَ الطاعة والخضوع لله – جلَّ وعلا.
الأمر الثاني: أن يصدرَ هذا الالْتزام عن قَلْب مُحبٍّ، يعرف لله الفضلَ والإحسان، ويعرف لله ما أسبغَه على خَلْقه من النِّعم ظاهرة وباطنة، وخَلَقه في أحسن صورة، وفضَّله على كثير ممَّن خلق، ورَزَقه من الطيبات، فالخضوع والحبُّ هما جناحَا العبودية، ولا عبودية بدونهما معًا.
والعبادة لا تقف عندَ حدود الشعائر التعبديَّة، بل إنَّ الصلاة والصيام والزكاة والحج، وصِدْق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصِلة الأرحام، والوفاء بالعهد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والدعاء والذِّكر وقراءة القرآن، والالْتزام بأحكام الإسلام في المعاملات مِن بَيْع وشراء، وخِطبة وزواج وطلاق، وهبة ورهن وإعارة، وغير ذلك من أنواع المعاملات يَدخُل في العبادة بمعناها الواسع الذي جاء به الإسلامُ، إذا الْتزم الإنسانُ حدودَ الحلال والحرام.
أمَّا العبادة بمعناها الخاص، فتُطلق على الصلاة والصيام والزكاة والحج، والذِّكْر والدعاء، وما يلحق بها، وهو اصطلاح الفقهاء للتمييز بين نَوعين من العبادة، نوعٌ مداره على التوقيف، ونوع آخر هو المعاملات، ومدارها على الْتزام الأحكام الشرعية فيما ورَدَ بشأنه حُكم، وما لم يَرِدْ بشأنه حُكم فهو على أصل الحِل.
ومِن هنا، فمَن انقاد لمنهج الله وشَرْعه، فهو عابدٌ لله – تعالى – ومَن اتَّبع غيرَ منهج الله – تعالى – فقد أشرَكَ في عبادته، ينطبق ذلك على الأعمال كلِّها.
والعبادة مُوزَّعة على القلْب واللِّسان والجوارح، فللقلْب عبودية، وللسان عبودية، وللجوارح عبودية.
يقول ابن القيم: “ورَحَى العبودية تدور على خَمسَ عشرة قاعدة، مَن كمَّلها كمَّل مراتب العبودية، وبيانها: أنَّ العبودية منقسمة على القلْب واللِّسان والجوارح، وعلى كلٍّ منها عبودية تخصُّه.
والأحكام للعبودية خمسة: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح، وهي لكلِّ واحد من القلْب واللِّسان والجوارح“[2]، ثم فصَّل ابن القيم عبوديةَ كلٍّ من القلب واللسان والجوارح تفصيلاً ذَكَر فيه عبوديةَ كلٍّ بحسب الأحكام الشرعية الخمسة، فليرجع إليه مَن شاء.
ثالثًا: الشرك وأنواعه:
وممَّا يناقض العبوديةَ الوقوعُ في الشِّرْك بالله – جلَّ وعلا – ولذا قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تَعبدُ الله لا تشرك به شيئًا)).
والشرك: أن يجعل المرءُ لله – تعالى – شريكًا فيما هو مِن خالص حقِّه – سبحانه وتعالى.
والشِّرْك هو الذنب الذي لا يغفره الله – تعالى – يوم القيامة إذا مات المرءُ مشركًا مع الله – تعالى – غيرَه؛ قال – جلَّ وعلا -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
وقال – تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 116].
فالشرك إثمٌ عظيم، وضلال بعيد، كما أخبر الحقُّ – جلَّ وعلا – ولذلك يُحرِّم اللهُ الجنةَ على من مات مشركًا؛ قال – تعالى -: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
وينقسم الشرك إلى أنواع:
شرك أكبر، وشرك أصغر.
أ- الشرك الأكبر، وهو أنواع؛ منها:
1- شرك الدعاء: وهو دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله؛ قال – تعالى -: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
ويدخل في شرك الدعاء دُعاءُ الموتَى، والاستعانةُ بالمقبورين، وطلب الحوائج منهم، وطلب تفريج الكربات عندَهم، ويرى بعضُ العلماء أنَّه من الشرك الأكبر الخفي، حيث يخفَى على الواقعين فيه؛ لأنَّهم يظنون أنَّ العبادة إنَّما تنحصر في الرُّكوع والسجود، والصلاة والصيام، ونحوها، ويقولون: إنَّهم لا يعتقدون أنَّ هؤلاء الأمواتَ أربابٌ أو آلهة، وهذا سببه الجهلُ، وقِلَّة العِلم.
2- شرك النية والإرادة: وهو أن يُريدَ الحياة الدنيا بعمله، ولا يلتفت إلى الدار الآخرة؛ قال – تعالى -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 – 16].
3-شرك المحبَّة: بأن يُحبَّ غيرَ الله كحبِّه لله، ويُقدِّم محابَّ الخَلْق على محابِّ الله – تعالى – من عبادته والاستعانة به؛ قال – تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه} [البقرة: 165].
4- شرك الطاعة: بأن يُطيعَ غيرَ الله في معصية الله – تعالى – وهو ما أخذه الله على أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا من دون الله، حين أحَلُّوا لهم الحرامَ، وحرَّموا عليهم الحلال فاتبعوهم؛ قال – تعالى -: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
5- شرك الحاكمية: باتِّخاذ غيرِ الله مشرِّعًا، وهو قد يدخل في شِرْك الطاعة؛ وذلك لأنَّ النظم والشرائع إنَّما تُستمدُّ من الله – تعالى – فمَن وضع قانونًا أو شرعًا يُضاهي به شريعةَ الله وتستبدله بها، فقدْ أشرك مع الله؛ قال – تعالى -: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
وقال مخاطبًا نبيَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 49].
ب- الشرك الأصغر:
وأمَّا الشرك الأصغر، فهو عند الله من كبائر الذنوب؛ بل أعظــــمُ عندَ الله – تعالى – من سائر الكبائر، ومنه:
1- الحلف بغير الله – تعالى -: كأن يقسمَ بالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أو بالكعبة، أو بشخص من الأشخاص، أو بعظيم من العظماء، أو بالوطن، أو بالآباء والأجداد؛ قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حَلَف بغير الله فقدْ أشرك))؛ رواه الترمذي.
والحالف بغير الله – تعالى – لا وفاءَ عليه، ولا كفَّارة؛ لأنَّ الشِّرْك لا حُرمةَ له، قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حلف، وقال في حلفه: واللاَّت والعُزَّى، فليقل: لا إله إلاَّ الله))؛ رواه البخاري.
2- لُبس الحَلْقة أو الخَيْط: للاستشفاء بذلك من الأمراض، دون الأخْذ بأسباب العلاج من التداوي المشروع؛ عن عمران بن حُصينٍ: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أبْصرَ على عضد رجل حلقةً، فقال: ((ويحكَ، ما هذه؟! قال: من الواهنة، قال: ((إنَّها لا تَزيدك إلاَّ وهنًا، انبذها عنك، فإنَّك لو متَّ وهي عليك، ما أفلحتَ أبدًا))؛ رواه أحمد.
3- تعليق التمائم: وقد كان أهلُ الجاهلية يُعلِّقون التمائم، زاعمين أنَّها تدفع عنهم أعينَ الجن، فأبْطَلَها الإسلام، وعلَّمهم ألاَّ دافعَ ولا مانع إلاَّ الله – تعالى.
روى الإمام أحمد عن قبة بن عامر عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تَعلَّق تميمةً، فلا أتمَّ الله له، ومَن تعلَّق ودعةً، فلا وَدَعَ الله له))؛ رواه أحمد، وفي رواية: ((مَن تَعلَّق تميمةً، فقد أشرك)).
والتمائم – سواء كانت من القرآن أم غيره – ممنوعةٌ؛ حيث لم يَرِد عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه علَّق تمائمَ من القرآن، أو أمر بها.
4- الرُّقَى: وهي مما يُنافي الإسلامَ والتوحيد؛ كما في الحديث: ((إنَّ الرُّقى والتمائم والتِّولةَ شرك))؛ رواه أحمد وأبو داود.
وأمَّا الرُّقى الشرعيَّة فلا بأس بها؛ روى مسلم عن عوف بن مالك، قال: كنَّا نَرقِي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: ((اعرِضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرُّقى ما لم تكن شِركًا))؛ رواه مسلم.
والرُّقَى تكون جائزةً بثلاثة شروط:
1- أن تكونَ بكلام الله – تعالى – أو بأسمائه وصفاته.
2- أن تكون باللِّسان العربيِّ، وممَّا يُفهَم معناه.
3- أن يعتقدَ أنَّها لا تُؤثِّرَ بذاتها، بل بتقدير الله – تعالى.
5- السِّحْر: وهو شرك؛ لأن فيه استعانةً بغير الله – تعالى – من الجِنِّ والشياطين؛ قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن عَقَد عقدةً، ثم نفث فيها، فقد سَحَر، ومَن سَحَر فقد أشرك))؛ رواه النسائي والطبراني.
والسِّحر عندَ كثير من العلماء من الكفر، وحدُّ الكافر في الإسلام القَتْلُ، ومَن صدَّق الساحرَ، وتعاون معه، وعمل بسحره – واقعٌ في نفس الشِّرْك والكفر الذي وقع فيه الساحر نفسُه.
6- التنجيم: وهو من السِّحر، والمراد به ما يزعم أهلُه أنهم يعرفون به ما يُخبِّئه المستقبل من أمور عامَّة وخاصَّة عن طريق النظر في النجوم؛ روى أبو داود بإسناد صحيح: ((مَن اقتبس شُعبةً من النجوم، فقد اقتبس شُعبةً مِن السِّحْر))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وهو يختلف عن عِلم الفلك الذي له قواعدُه وأصوله وعلومه وآلاتُه، كما يختلف عن تنبؤات علماء الأرصاد، التي تقوم على الملاحظة الدقيقة والقياسات المضبوطة، التي تُمكِّن العلماء من معرفة حالة الجو إجمالاً.
ومن السِّحْر ما شاع من قديم بين السحرة، وهو كتابة بحروف وكلمات، وتعليق بعضِ الأشياء بدعوى تحبيب المرأة إلى زوجِها، والرجل إلى زوجته.
7- الكهانة والعرافة: فالكاهن هو الذي يُخبِر عن المغيبات في المستقبل، أو عن المغيبات في الضمائر والأحوال، والعرَّاف مثلُه، وهو مَن يَدَّعي معرفةَ الغيب.
والكاهن قد يَستعين بالجنِّ، وقد يستخدم الخطَّ في الرمل وغيره؛ روى أبو داود عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كَفَر بما أُنزِل على محمد))؛ رواه أبو داود، وروى مسلم عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((مَن أتى عرَّافًا فسأله عن شيءٍ فصدَّقه، لم تُقبَلْ له صلاةٌ أربعين يومًا))؛ رواه مسلم.
8- النَّذْر والذَّبْح لغير الله: ومِن الشِّرْك تقديمُ القرابين، وذبح الذبائح والنذور لغير الله – تعالى – وقد كان أهلُ الجاهلية يُقدِّمون القرابين والذبائح والنذورَ لأصنامهم، فنَهَى الإسلام عن ذلك، وجعل النذورَ والذبائح والقرابين كلها لله تعالى؛ قال – تعالى -: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270].
والنذر إذا كان حرامًا فلا يجب الوفاءُ به، روى أبو داود، عن ثابت بن الضحَّاك: أنَّ رجلاً نَذَر أن يَنحرَ إبلاً ببوانة، فسأله النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ((هل كان فيها وَثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبد؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل كان فيها عِيدٌ من أعيادهم؟)) قالوا: لا، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أوفِ بنذرك، فإنَّه لا وفاءَ لنذر في معصيةِ الله، ولا فيما لا يملك ابنُ آدم))؛ رواه أبو داود.
وعن علي – رضي الله عنه – قال: حدَّثني رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأربع كلمات: ((لَعَن اللهُ مَن ذَبَح لغير الله، لَعَن الله مَن لَعَن والديه، لَعَن اللهُ مَن آوى مُحدِثًا، لعن الله من غيَّر منارَ الأرض))؛ رواه مسلم.
وأمَّا القرابين لغير الله فهي مُحرَّمة أيضًا، روى الإمام أحمد عن طارق بن شهاب: أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((دَخَل الجنةَ رَجلٌ في ذباب، ودخل النارَ رَجلٌ في ذباب))، قالوا: كيف ذلك يا رسولَ الله؟ قال: ((مَرَّ رجلان على قوْم لهم صنمٌ لا يجوزه أحدٌ حتى يُقرِّب إليه شيئًا، فقالوا لأحدهما: قَرِّب قال: ليس عندي شيءٌ أقرِّب، قالوا له: قرِّب ولو ذبابًا، فقرَّب ذبابًا، فخلَّوْا سبيلَه فدخل النار، وقالوا للآخَرِ: قرِّب، فقال: ما كنتُ لأقرِّبَ لأحدٍ شيئًا دون الله – عزَّ وجلَّ – فضربوا عنقَه، فدخل الجنة))؛ رواه أحمد.
9- الطِّيَرة: ومِن الشِّرك الطيرة، وهي التشاؤم، سواء كان مِن صَوْت، أو من هيئة، أو من حال، أو من غير ذلك؛ روى الإمام أحمد: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((مَن رَدَّتْه الطِّيرةُ عن حاجته فقد أشْرَك))، فقالوا: فمَا كفَّارة ذلك؟ قال: ((أن تقول: اللهمَّ لا خَيرَ إلاَّ خيرك، ولا طَيرَ إلاَّ طيرك، ولا إِلهَ غيرك))؛ رواه أحمد.
وروى أبو داود والترمذي عن ابن مسعود مرفوعًا: “الطِّيَرةُ شِرْك، وما منَّا إلاَّ.. ولكن يُذهِبه الله بالتوكُّل”؛ رواه أبو داود والترمذي، ومعنى: وما منَّا إلاَّ؛ أي: ما مِن أحد إلاَّ وَقَر في قلبه شيء من هذا بمقتضى الضَّعْف البَشري، ولكن مزية المؤمن أنَّ الله يُذهِب عنه تلك الخواطرَ التي تخطر في قلبه، كأثرٍ من آثار الضَّعْف البشري بالتوكُّل على الله، والمضي لِمَا يريد.
10- الغلوُّ في تعظيمِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: من المنافذ إلى الشِّرك الغلوُّ في تعظيم النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولذا نَهَى النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الغلوِّ في تعظيمه ومدحِه فقال: ((لا تُطروني كما أَطْرَتِ النصارى ابنَ مريم، إنَّما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله))؛ متفق عليه.
ولَمَّا قال له رجل: ما شاء الله وشِئتَ، قال: ((أجعلتَني لله نِدًّا؟! قلْ: ما شاء الله وحدَه))؛ رواه النسائي.
11- الغلوُّ في الصالحين: يدخل الغلوُّ في الصالحين في هذا الباب من أبواب الشِّرْك، فإذا كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو أعظمُ البَشر يُحذِّرنا من الغلوِّ في تعظيمه ومدحه، فما بالُنا بغيره ممن هو أدنى منزلةً منه؟!
وأوَّل شِرْك وَقَع في الأرض هو شركُ قوم نوح – عليه السلام – وكان سببُه الغلوَّ في الصالحين؛ روى البخاري عن ابن عبَّاس – في الكلام عن وَدٍّ وسُواعٍ ويغوثَ ويعوقَ ونَسْرٍ – قال: “هذه أسماء رجال صالحين مِن قوم نوح، فلمَّا هلكوا أَوْحى الشيطانُ إلى قومهم أنِ انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا ولم تُعبَد، حتى إذا هَلَك أولئك ونُسِيَ العِلمُ، عُبِدتْ”؛ رواه البخاري.
12- تعظيم القبور واتخاذها مساجدَ، والصلاة إليها، وإضاءَتُها وإيقاد السُّرج عليها، والبناء عليها والكتابة عليها، وتعليتها ورفعها، واتخاذها عِيدًا: كلُّ ذلك منافذُ إلى الشِّرْك، بل الشرك الأكبر؛ وقد ورد عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – جملةُ أحاديثَ في هذا الباب؛ منها:
• عن عائشةَ وابن عباس قالاَ: لَمَّا نُزِل برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أي: في حالة الاحتضار – طَفِق يطرح خميصةً له على وجهه، فإذا اغتَمَّ كشَفَها، فقال وهو كذلك: ((لَعْنةُ الله على اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ))، يحذر ممَّا فعلوا؛ متفق عليه.
• وفي الحديث الصحيح: ((لا تجلسوا على القبورِ، ولا تُصلُّوا إليها))؛ رواه مسلم.
• وعن جابر قال: ((نَهى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن يُجصَّص القَبرُ، وأن يُقعدَ عليه، وأن يُبنَى عليه”؛ رواه مسلم.
• وعن علي: “أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بَعثَه، وأمره ألاَّ يَدعَ قبرًا مُشرِفًا إلاَّ سوَّاه”؛ رواه مسلم.
• وعن أبي هريرة مرفوعًا: ((لا تجعلوا بيوتَكم قبورًا، ولا تجعلوا قَبري عِيدًا، وصَلُّوا عليَّ، فإنَّ صلاتَكم تبلغُني حيث كنتم))؛ رواه أبو داود.
13- التبرُّك بالأشجار والأحجار: وذلك أنَّ أصنام العرب الكُبرى كانتْ من الأحجار والصُّخور، وكانوا يتبرَّكون بها؛ ولذا حَذَّر النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – من التبرُّك بمثل هذه الأشياء؛ فعن أبي واقدٍ الليثي، قال: خرجْنا مع النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى حُنين، ونحن حديثو عهْد بكفر، وللمشركين سِدْرَة – شجرة – يَعكفونَ عندها، ويَنوطون بها أسلحتَهم، يقال لها: ذات أنواط، فمرَرْنا بسِدْرة، فقلنا: يا رسولَ الله، اجعلْ لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الله أكبر، إنَّها السُّنن، قلتُم كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، قال: إنَّكم قوم تجهلون، لتَركبُنَّ سننَ مَن كان قبلكم))؛ رواه الترمذي وصحَّحه.
فقد نَهى النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن مِثل هذا العمل؛ لأنَّه من الشِّرْك الأصغر، ومنفذ إلى الشِّرْك الأكبر، وقد قطع أميرُ المؤمنين الفاروق عمرُ الشجرةَ التي كانت عندها بيعةُ الرِّضوان في الحديبية؛ وذلك لَمَّا رأى نفرًا من المسلمين يُعظِّمونها ويتبرَّكون بها.
14- الشِّرْك الذي يقع في الألفاظ والأسماء: كذلك يَسدُّ الإسلامُ المنافذَ إلى الشِّرك، حتى مما قد يمرُّ على لسان الإنسان من الكلام والألفاظ التي تُوهِم الشِّرك مثل: “ما شاء الله وشِئتَ”؛ فعن حذيفةَ عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((لا تقولوا: ما شاء الله وشاءَ فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان))؛ رواه أبو داود بسند صحيح.
ومن ذلك التسمِّي بأسماء الله – تعالى – أو بما لا يَنبغي إلاَّ لله، عن أبي شُريح أنَّه كان يُكنى أبا الحَكم، فقال له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله هو الحَكَم، وإليه الحُكْم))؛ رواه أبو داود، ثم كناه النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بولدِه شُرَيح أكبرِ أولاده.
ومن ذلك التسمِّي بملك الأملاك؛ لحديث أبي هريرة عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إنَّ أخنعَ اسم عندَ الله – تعالى – رجلٌ تسمَّى ملكَ الأملاك، لا مالكَ إلاَّ الله))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومن ذلك من يتسمَّى باسمٍ مُعبَّد لغير الله، كمَن يتسمَّى عبدَ الكعبة، أو عبدَ النبي، أو عبد المسيح.
ومن ذلك سبُّ الدَّهْر عندَ الشدائد والمِحَن؛ لأنَّ الله هو مُقلِّبُه؛ ولذا رُوي في الحديث الصحيح: ((قال الله – تعالى -: يُؤذِيني ابنُ آدم، يسبُّ الدهرَ، وأنا الدهر أُقلِّب اللَّيلَ والنهار))؛ رواه البخاري ومسلم.
وهكذا يتبيَّن أنَّ الشرك بالله – تعالى – يتناقض تمامًا مع العبودية الحقَّة لله – تبارك وتعالى – ولذا حذَّر منه الإسلام، وحَمَل عليه القرآن، وحذَّر النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – من الوقوع في أدنى شيء منه.
رابعًا: صلة الرحم:
ذَكَر النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ صلة الرحم من الأعمال التي تُدخِل صاحبَها الجنة، وصلةُ الرحم من الأمور التي اعتنَى بها الإسلام، وشدَّد عليها القرآن، وأوصتْ بها السنة المطهَّرة.
قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
فذَكَر الحقُّ – جلَّ وعلا – الأرحامَ – وهي منصوبةٌ على الاختصاص – أي: وأخصُّ الأرحامَ بالوصية.
والقول الآخر في تفسير الآية: واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، فتَهلِكوا بسبب قطعكم لها، ويقول – جلَّ وعلا -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]، فقَطْع الأرحام جاء مقرونًا في الآية بالإفساد في الأرْض للدلالة على شناعته عندَ الله – تعالى – كما جاء نتيجةً لهذا الإفساد، وللتولِّي عن الحقِّ وتركه قولاً أو عملاً.
وكذلك بيَّنت السُّنَّة عِظمَ حقِّ الرحم؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله – تعالى – خَلَق الخَلْق، حتى إذا فرغَ منهم، قامتِ الرَّحم فقالت: هذا مقامُ العائذ بك مِن القطيعة؟ قال: نعم، أَمَا تَرْضَينَ أن أَصِلَ مَن وصلك، وأقطعَ مَن قَطعَك، قالت: بَلى))؛ رواه الشيخان.
وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح: ((إنَّ مِن أَرْبَى الرِّبا الاستطالةَ بغير حق، وإنَّ هذه الرَّحِم شجنةٌ من الرحمن، فمَن قَطعَها حَرَّم الله عليه الجَنَّة))؛ رواه أحمد بإسناد صحيح.
والشِّجْنة – بكسر الشين وضمها – القَرابة المشتبكة اشتباكَ العُروق.
روى البزَّار: ((الرَّحِمُ حَجَنة متسكة بالعَرْش، تَكلَّم بلسان ذَلْق: اللهمَّ صِلْ مَن وصلني، واقطع مَن قطعني، فيقول الله – تعالى -: أنا الرحمن، أنا الرحيم، فإنِّي شققتُ الرحم مِنَ اسمي، فمَن وصَلَها وصلتُه، ومَن بَتَكَها بتَكْتُه))؛ رواه البزار بإسناد حسن.
والحَجَنة – بفتح الحاء والجيم – صنارة المغزل التي يُعلَّق بها الخيط، ثم يفتل الغزل، والرَّحِم يُراد بها الأقارب، وكلُّ مَن بينه وبين الإنسان نَسَبٌ، وخصوصًا من جهة الأم.
وصِلة الرَّحِم سبب من أسباب سَعَة الرِّزْق وبسطته، ومِن أسباب حُسْن الذِّكْر والأحدوثة بعدَ الموت؛ روى البخاري عن أبي هريرة: ((مَن سرَّه أن يُبسطَ في رِزْقه، وأن يُنسأَ له في أثره، فلْيَصلْ رَحِمَه))؛ رواه البخاري.
وتوعَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – قاطِعَ الرحم بعدم دخول الجنَّة؛ فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَدخلُ الجنةَ قاطعٌ))؛ أي: قاطع رحم؛ رواه الشيخان.
وليس مَن يَصِل الرحم هو من يَردُّ على الصِّلة بمثلها، فذلك من المعروف بين الناس، إنَّما واصل الرَّحِم هو مَن يصل رحمه، حتى وإن كانوا له من القاطعين؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((ليس الواصلُ بالمكافئ، ولكن الواصل مَن إذا قُطِعت رَحِمُه وَصَلَها))؛ رواه البخاري، ويروي أبو هريرة أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله: إنَّ لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعونني، وأُحسِن إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحْلُم عنهم ويجهلون عليَّ، قال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تسفهم الملَّ، ولن يزالَ معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك))؛ رواه مسلم.
وفي مجال المعاملات يجعل الإسلامُ الأرحامَ أَوْلَى بالبرِّ والصِّلة والصدقة؛قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((الصدقةُ على المسكين صدقةٌ، وعلى الرَّحِم ثِنتان: صَدقةٌ، وصِلة))؛ أخرجه النسائي.
ــــــــــــــــــ
[1] “المصطلحات الأربعة في القرآن”؛ أبو الأعلى المودودي، (ص:97).
[2] “تهذيب مدارج السالكين”؛ عبدالمنعم صالح العلي العزي، (ص:71).
المصدر:الألوكة