ليس الإيمان بالتبني لبعض الشعائر لكنه في إخلاص الحاكمية والولاء لله القادر

الخميس 16 صفر 1435 الموافق 19 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. يونس الأسطل

في رحاب آية

(ليس الإيمان بالتبني لبعض الشعائر لكنه في إخلاص الحاكمية والولاء لله القادر)

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51]

 

في خِضَمِّ المعركة الإعلامية المشنونة على الحكومة الفلسطينية، وعلى حركة حماس، لا زلنا نسمع معزوفة التهمة، بالتكفير والتخوين، بالإضافة إلى توزيع صكوك الغفران، وامتلاك مفاتيح الجنة، وما إلى ذلك من البهتان الهادف إلى استخفاف العقول، واستثارة الحََنَق في نفوسهم تجاه أبناء الدعوة الإسلامية؛ لعلهم بذلك يَحُولون دون تدفق أولئك الناس إلى صفوف حركة حماس، وهي نوع من الإسقاط النفسي، لكنها محاولة يائسة لن تنطلي على الكثيرين، كما أنها تهيئ نفوس المخدوعين عندما يقفون على الحقيقة أن يصبحوا أولياء حميمين، وأن يمسوا لخادعيهم من اللاعنين.

 

إننا نؤكد ابتداء بأنه ليس من منهج أهل السنة والجماعة أن يكفِّروا الناس، أو يفسِّقوهم، أو يُبَدِّعهم، ما لم يكن أحدهم قد أبدى للناس صفحته، ولم يتحرج من التباهي بالانقلاب على الأعقاب، حتى لا ينخدع به بعض المسلمين، خاصةً وأن أولئك المتشدقين غالباً ما يكونون من المتنفذين، وبشرط أن يكون التحذير مشفوعاً بالدليل القاطع ثبوتاً ودلالة.

 

ولابد أن نذكر بأن كثيراً ممن يَدَّعون أنهم يصلون ويصومون تَحْبَطُ أعمالهم وهم لا يشعرون، فوجوههم يومئذٍ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية، تسقى من عينٍ آنيةٍ – أي شديدة الحرارة – ليس لهم طعام إلا من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع، وهو الشوك اليابس الذي يصبح غُصَّةً، فيأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت.

 

ومن أسباب ذلك كراهية ما أنزل الله، واتباع ما أسخطه سبحانه، وقد جاء في سورة محمدٍ هاتان الآيتان:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9]

 

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 28]

 

وهي نازلة في المنافقين الذي كرهوا فريضة الجهاد، وأسخطوا الله بتركها، كما يطلب منا اليوم أن ننبذ العنف، ونتخلى عن المقاومة؛ تمكيناً للأعداء من أرض الإسراء.

 

وقد أحصى العلماء من وجوه الردة، ونواقض الشهادتين، وخوادش التوحيد، ما لا يمكن حَشْرُهُ في هذا المقال، فمنها القولية، ومنها الفعلية، ومنها الاعتقادية، وحسبي أن أذكر هنا بعض الوجوه الصارخة في الردة المحبطة للعمل، فقد أوحى الله لنبيه والذين من قبله: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65] وأنهم ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88].

اقرأ أيضا  أرمينيا توسع دائرة انتهاكاتها للهدنة الإنسانية في أذربيجان

 

وقد تضمنت آية المقال واحداً من أخطر وجوه الردة التي تتجلى في القول والفعل والاعتقاد؛ إنه الولاء لليهود والنصارى، فقد حرَّمت الآية ذلك على المؤمنين مؤكدةً أن بعضهم أولياء بعض، رغم ما بينهم من البُغْض، وحكمت على من والاهم بأنه قد صار منهم، أيْ أخذ حكمهم من حيث عدم قبول دينهم، وأنهم في الآخرة من الخاسرين.

 

وهنا تتساءلون عن مدلول الولاء للأعداء؟، وعن مظاهره في حياة الموالين؟.

 

إن الولاء يبدأ بالمودة والرضا، وهو عملٌ قلبي لا يَطَّلعُ عليه إلا الله، وقد أخبر سبحانه عن عباده المؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أنهم لا يوادُّون من حادَّ الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم كما في آخر المجادلة (22).

 

غير أن ما وَقَرَ في القلب صَدَّقه العمل، وما أَسَرَّ ابن آدم سريرةً إلا أَلْبَسهُ الله رداءها علانيةً، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فَشَرٌ، لذلك فإننا نعرف الموالين للأعداء في لَحْنِ القول، وفي عِوَج الفعل.

 

ومن لحن القول أنهم إذا لَقُوا الذين آمنوا قالوا آمنا؛ كأن يَدَّعُوا أنهم يصلون ويصومون قبل أن نوجد في هذه الدنيا، وإذا خَلَوْا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، أو كما جاء في سورة محمد أنهم ﴿ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد: 26]؛ لأنهم لا يطيقون القيام بكل ما يطلب منهم، فساداتهم من اليهود والنصارى لن يَرْضَوا عنهم ما لم يتبعوا ملتهم، وذلك بالانحياز الكامل إلى صفوفهم، والقيام بكل ما يُمْلي عليهم بُكرةً وأصيلاً.

 

أما الولاء العملي فهو النصرة والاندماج فيهم، فيصبح مصير الفريقين واحداً، سواء قُوتلوا، أو أُخرجوا من ديارهم، كما فضح الله المنافقين في المدينة بقوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر: 11].

 

وقد نزلت هذه الآية في موقف رأس النفاق من إجلاء يهود بني النضير عن المدينة، حين همُّوا بالرحيل؛ خضوعاً لقرار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قد أَجّلهم للجلاء عَشْراً، ومنْ وجده بعد ذلك ضرب عنقه، فبعث إليهم ابن سلول أنِ اثبتوا في حصونكم؛ فإن معي ألفين من الرجال، سندخل معكم، ونجعل مصيرنا واحداً؛ فإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم، ولن نطيع في خذلانكم أحداً أبداً، ولكنهم لم ينصروهم، ولم يخرجوا معهم، فكان مثلهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر، فلما كفر قال إني بريءٌ منك، ولئن نصروهم ليولن الأدبار، ثم لا ينصرون.

اقرأ أيضا  غزة…"وقفة" و"جدارية" رفضاً للتطبيع

 

وكذلك نزلت آية المقال فيهم يوم قرَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يحصد بني قينقاع؛ لنقضِهم عهدهم، وقتلِهم مسلماً، وكشفِهم عورة امرأة، وقد أمسك ابن سلول – لعنه الله – بثوب رسول الله، وقال: ثلاثمائة دارع، وأربعمائة حاسرٍ، قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداةٍ واحدة، لا والله لا أدعك حتى تحسن في مواليَّ؛ إني امرئٌ أخشى الدوائر، فتركهم عليه الصلاة السلام له؛ على أن ينقشعوا عن المدينة، ولم يكن نفاقُ عبد الله بن أُبيٍّ معلوماً؛ إذْ لم يمضِ على إسلامه غير شهرين، وقد أنزل الله هذه الآية مؤكدةً أن ابن سلول صار يهودياً بالولاء، ووصفه في الآية التالية بالمريض القلب، وتوعده بالحسرة والندم يوم يفتضح أمره، أو يعلو أمرنا ؛ قال تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة: 52]

 

فإذا صار المسلم بالولاء لليهود والنصارى واحداً منهم؛ فإنه حالتئذٍ لا يَمُتُّ لدين الله بصلة ٍ أبداً؛ لقوله سبحانه ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران: 28]

 

أيْ ليس من دينه في شيء، حتى لو صلى وصام وزعم أنه مسلم من زمن سحيق.

 

أما نحن – المؤمنين – فإن ولاءنا لله ولرسوله، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومَنْ يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون، بينما الذين استحوذ عليهم الشيطان فَأَنْساهم ذكر الله؛ أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.

 

إن من أجلى صور الولاء لليهود والنصارى الإلحاحَ في طلب الاعتراف بهم، والإقرار بِشَرْعيَّتهم، وبِشرْعِتهم، وهو ما يوصف زوراً وبهتاناً بالمجتمع الدولي، والشرعية الدولية الذي غرس الاحتلال، وباركه، وأمدَّه بالحبال، في مقابل السماح لنا بتشكيل حكومةٍ يرضون عن كل وزير فيها، يكون من أولوياتها المحافظة على الثوابت الجديدة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حصوله على رغيف الخبز، ولو تمتعوا وأكلوا كما تأكل الأنعام؛ حيث لا كرامة، ولا عزة، ولا سيادة، ولا زلنا ننتظر الإطلالة علينا بمزيد من أشباه هذه الثوابت الماسخة للآدمية، الناسخة للمبادئ الحقيقية.

اقرأ أيضا  الاحتلال يستهدف أراضي المواطنين وسط وجنوب القطاع ومراكب الصيادين شمالاً

 

ولا بد قبل أن تضيق مساحة المقال من الإشارة إلى ألوان أخرى من الردة، ونواقض الشهادتين، ومنها استحباب الحياة الدنيا، والانحراف عن دين الله كراهيةً له وبغضاً؛ قال سبحانه: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ [إبراهيم: 2 – 3]، فقد توعد الذين يؤثرون الحياة الدنيا ويذرون الآخرة بالويل والعذاب الشديد، ولن يكون ذلك لمن تقبل الله فهم من المتقين.

 

لكن أسوأ صور الشرك المعاصر هو العدوان على وحدانية الله في الحاكمية؛ إذِ الله عز وجل هو المتفرد بالأمر والحكم والتشريع، والذين يقبلون من حكامهم أن يَشْرَعوا لهم من الدين ما لم يأذنْ به الله، فيحلوا لهم الحرام، ويحرِّموا عليهم الحلال، يكونون قد اتخذوهم أرباباً من دون الله، وهم بذلك يخلطون الإيمان بالشرك، فتحبط أعمالهم؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، موافقاً لحكمه؛ فإذا كان هذا حالَ منْ يطيع السادة والكبراء، فيضلونهم السبيل، فما بالكم بالذين نَصَّبوا أنفسهم مشرِّعين؟!؛ إنهم عندئذٍ يكونون قد نازعوا الله عز وجل في ربوبيته، وتألهوا في الأرض، فيصبحون جديرين أن يقصمهم ربهم ولا يبالي.

 

ومن هنا فإن التصفيق للديمقراطية بحذافيرها؛ لنجعل الحكم للشعب وحده، ونجعل الأمة مصدراً للسلطات مطلقاً، ونكتفي بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع؛ فهذا هو شرك الحاكمية بعينه، أما دَوْرُ البشر في التشريع فهو في المصالح المرسلة، وفي المسكوت عنه من الفقه، وفي آليات تطبيق أحكام الله عز وجل، ومن هنا فإننا نقبل من الديمقراطية فكرة التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، مع إطلاق سراح الحريات المنضبطة بالأخلاق والقيم، والوقوف عند حدود الله.

 

فهل أضحى واضحاً أن مجرد ادعاء الصلاة والصيام من زمن بعيد، مع التردي في ألوان من الردة، محبطٌ للعمل، ولن يغني عن أصحابه من الله شيئاً؟! والله الهادي إلى سواء السبيل.

المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.