مقالة : بين الديمقراطية وتطبيق الشريعة
السبت،2 ربيع الاول 1435ه الموافق 4 كانون الثاني /يناير2014م وكالة معراج للأنباء “مينا”.
بسام ناصر
ثمة نسق فكري شائع، يتعاطى مع القضايا المطروحة بمنطق الثنائيات المتضادة، فحينما يجري الحديث عن الديمقراطية يسارع أصحاب ذلك المنطق إلى إهدارها وإسقاطها وتجريمها، لأنها لن تكون – وفق رؤيتهم – سبيلا لإنجاز مطلبهم الأسمى المتمثل في تطبيق الشريعة، بل هي في بنيتها المعرفية والفلسفية – باعتبارها حكم الشعب للشعب – تتصادم مع ما يسعون إلى تحقيقه ويرومون إنجازه.
التصور الذي ينطلق منه أرباب ذلك المنطق، يتمثل في المقابلة بين خيارين، أولهما: الديمقراطية، وثانيهما: تطبيق الشريعة، فيتم الانحياز على الفور للخيار الثاني، لكن الواقع يقول أن المقابلة المتاحة تكون بين الديمقراطية والانظمة الديكتاتورية الاستبدادية، وليس مطروحا – كما هو واقع الحال – خيار تطبيق الشريعة، حتى تصح المقابلة بينه وبين الديمقراطية أصلا، فإذا كانت الخيارات المطروحة تتراوح بين الخيارين المذكورين، فإن الانحياز حينها يكون للديمقراطية (على ما فيها من نقائص ومثالب).
الدعوة إلى التخلي عن الديمقراطية، والسعي للحكم من خلال التطبيق الكامل للشريعة، لا تأخذ بعين الاعتبار حجم المعوقات والاعتراضات والموانع (داخليا وخارجيا) التي تعترض سبيل تطبيق الشريعة، والتي تشكل خطرا يتهدد ذلك الخيار في كل وقت، فإذا كان نموذج الرئيس محمد مرسي في السلطة، المحسوب على الاعتدال الإسلامي، والذي لم يصرح فيه بتطبيق الشريعة تم إجهاضه وإسقاطه، فهل سيسمح – في ظل الهجمة الشرسة على الإسلاميين كما تشهدها مصر بعد الانقلاب – لأصحاب مشروع تطبيق الشريعة بالوصول إلى الحكم أساسا؟.
لا يحسن بأرباب ذلك المنطق، أن يدعوا إلى نبذ الديمقراطية والتخلي عنها، لأن البديل عنها لن يكون تطبيق الشريعة أبدا، بل البديل عنها هو النظام القمعي الاستبدادي، الذي يخنق الحريات، ويكمم الأفواه، ويحاصر العلماء والمشايخ، ويقيد نشاطاتهم، ويضيق عليهم الخناق، لإدخالهم إلى بيت الطاعة الرسمي عنوة وقسرا، وسيندم حينها العلماء والدعاة على تفريطهم في المحافظة على مكتسبات الثورة وحمايتها، مع أنه لا تخفى عليهم الفوارق الهائلة بين نظام ديمقراطي، يتيح مساحة واسعة من الحريات، وبين نظام ديكتاتوري استبدادي، تُهدر فيه الحريات، ويعتدى فيه على كرامة الآدميين.
من المؤسف والمؤلم حقا، ما تجده في صفوف بعض اتجاهات الإسلاميين، من عدم التفريق بين الديمقراطية والديكتاتورية، فتتم مصادرة المنطق الفطري الذي يفرق بين المختلفات، كما يسوي بين المتماثلات، فلو خُير العلماء والمشايخ والدعاة بين العيش في ظل نظامين، أحدهما ديمقراطي (كما في بريطانيا مثلا) والآخر ديكتاتوري(اختر ما تشاء من الدول العربية)، فأي النظامين يختارون؟ فمن لم يفرق بين الحرية والاستعباد يُشك في أن يكون إنسانا سوي التفكير، بل هو إلى الحالة المرضية التي تستدعي علاجا أدنى وأقرب.
لقد قُدر للشعب المصري أن يعيش سنة كاملة، في ظل نظام (على كل أخطائه وقصوره) انتعشت فيه الحريات، وشعر الإنسان المصري بآدميته، وغابت فيه ممارسات القمع والملاحقة والاعتقالات والتعذيب، وانطلقت فيه نشاطات العلماء والدعاة والمفكرين، ورأينا كيف سارعوا إلى تشكيل هيئات ومؤسسات تعمل بحرية تامة، وباستقلالية كاملة، كانت تعلن عن رأيها ومواقفها من الأحداث الجارية، دون أي خوف أو وجل من الملاحقة الأمنية الصارمة، الأمر الذي لم يكونوا يحلمون به في عهد النظام السابق.
ليتمهل الإسلاميون في طرح مشروع تطبيق الشريعة، حتى تسترد البلاد عافيتها، وتعود للشعوب حقوقها المهدورة، وتنعم بالعيش في ظل حياة حرة وكريمة، ذلك أن تطبيق الشريعة يتطلب محلا قابلا لإنزاله عليه، ويحتاج إلى من يدافعون عنه، ويحرسونه أمام الهجمات العاتية، ويبذلون في سبيل حمايته وصانته الغالي والنفيس، ويستعذبون من أجل إنجاحه التضحيات المكلفة والباهظة.
لماذا لا يتعامل الإسلاميون مع الخيار الديمقراطي باعتباره مرحلة انتقالية، تتحرر فيها الشعوب من سطوة الأنظمة الاستبدادية، ويجتهد مفكروها وعلماؤها في اجتراح نموذج تشيع فيها تقاليد وأعراف ديمقراطية راسخة، فتغدو مع الممارسة بلادهم كتلك البلاد (أمريكا وأوروبا) التي تمارس شعوبها حقوقها الطبيعية في اختيار من يحكمها، مع تجريده من صفات الحاكم الفرد المطلق، وإخضاع ممارسته السياسية للمراقبة والمحاسبة، وتقييد يديه من التصرف في مقدرات الدولة وثرواتها كما يشاء، فهو موظف عام له حقوق ثابته، وعليه واجبات مؤكدة.
في ظل التطبيق الصحيح للديمقراطية، بكل مبادئها وقيمها، فإن دعاة تطبيق الشريعة، سينعمون بهامش واسع من الحريات، تمكنهم من الحركة الفاعلة والمنتجة، وتهيئ لهم السبل للقيام بأعمال الدعوة ونشاطاتها، لإشاعة مفاهيم الإسلام الصحيحة وترسيخها في المجتمع، التي سيتولد من رحمها تحول مطلب تطبيق الشريعة إلى خيار شعبي واسع، تسعى إليه بجد واجتهاد، مع استعدادها لحمايته والدفاع عنه مهما بلغت التضحيات، وعظمت التكاليف.
المصدر :السبيل