استجيبي يا أمة الله

الأحد،10 ربيع الاول 1435ه الموافق 12 كانون الثاني /يناير2014م وكالة معراج للأنباء “مينا”.

الشيخ علي رمضان علي السيد

الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا رسول الله، اللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى آله وذريته أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسان، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أمَّا بعدُ:

يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا [الأحزاب: 36].

 

قال بعضُ المفسِّرين في تفسير هذه الآيةليس لمؤمنٍ ولا مؤمنة إذا أمرَ الله – عزَّ وجلَّ – ورسولُه – صلَّى الله عليه وسلَّم – بأمرٍ أن يعصياه، وأقول: إنَّ المؤمن والمؤمنة يجب عليهم الانقيادُ لأمر الله – عزَّ وجلَّ – والعملُ به طاعةً وامتثالاً لأمره؛ فهو – سبحانه وتعالى – المعبود بحق.

 

ثم لما كان من تفريط من بعض النِّساء المُسْلِمات، وتقليدهنَّ للكافرات في اللِّباس، وتَرْكِهن للِّباس الشرعي الذي أُمرْن به؛ لتكون لها العِزَّة في الدنيا والآخرة؛ وذلك لأنَّها مطيعة لخالقها، وتحرص على العمل بأمره – سبحانه وتعالى – واجتناب نواهيه – عزَّ وجلَّ – أردتُ أن أبيِّن للأخوات المسلمات كيف يكون اللِّباس والحجاب الشرعيُّ الذي يُرضي ربَّها ويحفظ لها عفَّتَها وحرمتها.

 

ولْتَعلم المسلمةُ أنَّ الله – سبحانه وتعالى – ما أمرها بأمر إلاَّ وفيه مصلحةٌ عظيمة لها ولِمُجتمعها.

 

فأقول مُستعينًا بالله – عزَّ وجلَّ – ومستمِدًّا منه التوفيق والسداد:

يقول الله – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].

 

الآية الكريمة فيها دلالةٌ على ألاَّ تظهر المرأة مِن جسدها أيَّ شيء، بما في ذلك الوجه والكفَّان؛ وذلك من عدَّة وجوه، وهاكِ هذه الوجوه يا أختاه:

1 – إن الله تعالى أمر المؤمنات بحِفْظ فروجهنَّ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلةً إليه، ولا يَرتاب عاقلٌ أنَّ من وسائله تغطيةَ الوجه؛ لأنَّ كشفه سببٌ للنظر إليها، وتأمُّل محاسنها والتلذُّذ بذلك، ومن ثَمَّ للوصول والاتِّصال، وفي الحديث: ((العينان تزنِيَان، وزناهما النَّظَر…))، إلى أن قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والفرج يصدِّق ذلك أو يكذِّبه))؛ متفق عليه.

 

والنظر بَرِيد الزِّنا؛ فإذا كانت تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج، كان مأمورًا بها؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

 

2 – قوله تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31]، فإنَّ الخِمار ما تُخمِّر به المرأة رأسها، وتغطِّيه به كالغدقة؛ فإذا كانت مأمورةً بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورةً بستر وجهها؛ إما لأنَّه من لازم ذلك، أو بالقياس؛ فإنه إذا وجب سَتْر النَّحر والصَّدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة؛ فإنَّ الناس يعرفون جمال المرأة إذا عرفوا أنَّ وجهها جميل، فتبيَّن أنَّ الوجه هو موضع الجمال طلبًا وخيرًا؛ فإذا كان كذلك وغطَّت وجهها وكشفَتْ رأسها وجيبها لا تكون سببًا في الفتنة مثلما لو غطَّت رأسها وجيبها، وكشفت وجهَها، ولا يستطيع أيُّ منصف أن يقول غير ذلك، فهيَّا أختاه استجيبِي لأمر ربِّك.

 

3 – إن الله تعالى نهى عن إبداء الزِّينة مطلقًا، إلاَّ ما ظهر منها، وهي التي لا بُدَّ أن تَظهر، كظاهر الثِّياب؛ ولذلك قال سبحانه: ﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾، ولم يقل: إلاَّ ما أَظهَرْن منها، وكلُّ من يفقه اللُّغة العربية – التي هي لغة القرآن الكريم – يعرف ذلك جيِّدًا.

 

4 – قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾؛ يعني: لا تضرب المرأة برِجْلها، فيُعلَم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلَّى به للرَّجل؛ فإذا كانت المرأة مَنْهيَّة عن الضرب بالأرجل خوفًا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه، فكيف نكشف الوجه؟ فأيُّهما أعظم فتنة؛ أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم امرأةٍ لا يدري ما هي وما جمالها؟ ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء! أيهما أعظم فتنة؟ هذا؟ أو أن ينظر إلى وجهٍ سافر جميل ممتلئ شبابًا ونضارة، وحُسنا وجمالاً، أو تجمُّلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها؟

اقرأ أيضا  تأدب الصغير مع الكبير

 

إنَّ كل إنسان له إِربه في النِّساء لَيَعلم أيُّ الفتنتين أعظم وأحقُّ بالستر والإخفاء، إنَّ الأمر واضح جليٌّ، وما على المسلمة إلاَّ أن تقول: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربَّنا، وإليك المصير، وعليها أن تعلم أنَّ الشيطان يَقْعُد لها صراطَ الله المستقيم.

 

وإليك – يا أُخَيَّة – آيةً من كتاب الله تعالى؛ عسى أن يخشع قلبُكِ لها، ويهديكِ الله تعالى للعمل بها؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب: 59].

 

قال ابن عبَّاس – رضي الله تعالى عنهما -: أمر الله تعالى نساءَ المؤمنين إذا خرجْنَ من بيوتهن في حاجة، أن يغطِّين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويُبْدِين عينًا واحدة، وتفسير الصحابي حجَّة، بل قال بعض العلماء: إنه في حكم المرفوع إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقوله – رضي الله تعالى عنه -: ويبدين عينًا واحدة، إنما رخّص ذلك لأجل الضرورة؛ لترى المرأةُ طريقها.

 

قلتوإذا كانت المرأة لا تستطيع رؤية الطريق إلاَّ بعينيها الاثنين، فلها إظهارهُما، ولكن يُراعَى مع ذلك ألاَّ يظهر من الخَدَّين شيء، واعلمي أيَّتها المسلمة أنَّ الجلباب هو الرِّداء فوق الخمار، قالت أمُّ سلمة (أمُّ المؤمنين) – رضي الله تعالى عنها -: لَمَّا نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأنَّ على رؤوسهن الغربان من السَّكينة، وعليهن أكسية سود يلبَسْنها، وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره أنَّ نساء المؤمنين كنَّ يدنين عليهنَّ الجلابيب من فوق رؤوسهن لا يظهر إلاَّ عيونهن من أجل رؤية الطريق.

 

فانظري يا من تريدين رضا الله عنك كيف كان نساء الأنصار أسرعَ استجابةً لأمر ربِّهن – عزَّ وجلَّ – وعليك باتِّباعهن في العمل بالآية الكريمة؛ لتفوزي وتسعدي – إن شاء الله تعالى – ومما يدلُّ أيضًا على وجوب تستُّر المرأة أنَّ النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – لما أمر بإخراج النِّساء إلى مصلَّى العيد قُلْن: ((يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب))، فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لِتُلْبِسْها أختُها من جلبابها))، ولم يصرِّح لهن بالخروج بدون جلباب، علمًا بأنَّ الخروج إلى مصلَّى العيد أمرٌ مشروع، مأمورٌ به الرِّجال والنساء.

 

ويَظهر من الحديث أنَّهن كنَّ لا يخرجن بدون جلباب؛ فإذا كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لَم يأذن لهنَّ بالخروج بغير جلباب فيما هو مأمورٌ به، فكيف يرخِّص لهن في ترك الجلباب لخروج غير مأمورٍ به، ولا محتاجٍ إليه، بل هو التجوُّل في الأسواق، والاختلاط بالرِّجال، والنظر الذي لا فائدة منه.

 

وأقوللو أن أمَّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – رأَتْ نساء اليوم ماذا تقول وهي التي قالت: ((لو رأى رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – من النِّساء ما رأينا لمنعهنَّ من المساجد كما منعَتْ بنو إسرائيل نساءها))، وهذا الحديث في “الصحيحين“.

 

واعلمي – رحمني الله وإياك – أنَّ الحجاب والتستُّر كان من عادة نساء الصَّحابة الذين هم خير القرون وأكرَمُها على الله – عزَّ وجلَّ – وأعلاها أخلاقًا وآدابًا وأكملها إيمانًا، وأصلَحُها عملاً؛ فهُم القدوة الذين رضي الله عنهم، وعمَّن اتَّبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100].

 

فإذا كانتْ تلك طريقةَ نساء الصحابة، فكيف يليق بنا أن نحيد عن تلك الطريقة التي في اتِّباعها بإحسان رضا الله تعالى عمَّن سلكها واتَّبعها بإحسان؟

 

وهاك أيَّتها المسلمة هذا الدليلَ أيضًا:

عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة))، فقالت أمُّ سلمة: فكيف يصنع النِّساء بذيولهنَّ؟ قال: ((يُرْخينَه شبرًا))، قالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: ((يرخين ذراعًا ولا يَزِدْن عليه)).

 

ففي هذا الحديث دليلٌ على وجوب ستر القدم بالنسبة للمرأة، ولولا ذلك لقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما عليها من حرجٍ إذا ظهرَتْ قدَماها، ولكنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أمر النساء أن يرخين الثوب ذراعًا، وهذا دليلٌ واضح على وجوب ستر القدمين بالنسبة للمرأة، وأنه أمر معلومٌ عند نساء الصَّحابة – رضي الله عنهم جميعًا – والقدم أقلُّ فتنةً من الوجه والكفين بلا ريب؛ فالتنبيه بالأدنى تنبيهٌ على ما فوقه، وما هو أولى منه بالحكم، ومن هذا يعلم أنَّ ستر وجه المرأة وكفَّيها واجب.

اقرأ أيضا  الله يأتي عباده بالمفاجآت

 

فمفهوم الحجاب على أنه تغطية الوجه هو ما فهمه نساءُ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ونساء الصحابة والمؤمنين، وما اختلفوا في فهمه أبدًا، ولم يفهَمْنَ الحجاب على معنى ستر الجسد؛ لأنَّهن كُنَّ يسترن الجسد كسائر نساء العالم المتمدِّن، ونساء النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – القدوة، فهُنَّ غطَّيْن الأوجه منذ فرض الحجاب، وكذلك الصَّحابيات الجليلات، وكل نساء المسلمين اللاتي يُرِدْن رضوان الله ورحمته سبحانه.

 

ولو كان فرض الحجاب لغير الوجه لكان تحصيلَ حاصل.

 

وفلسفةُ بعض المفسِّرين باستثناء الوجه مردودةٌ؛ لأنَّ خير أعضاء المرأة وأجملَها وأفضلها الوجه؛ لما فيه من الأعضاء الجميلة الفاتنة.

 

والوجه أولى بالحجاب، وآكَدُ من غيره من الأعضاء، والفهم السليم للحجاب هو فَهْم أزواج النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ونساء المؤمنين، فغطَّين وجوههن، ولو لم يكن فهمُهن هذا صحيحًا لصحَّحه الرسول الأمين – صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وإليك أيَّتها المرأة المسلمة هذا الدليلَ أيضًا:

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ((كان الرُّكبان يمرَّون بنا ونحن مُحْرِمات مع الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – فإذا حاذَوْنا، سدلَتْ إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها؛ فإذا جاوزونا كشَفْناه))؛ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه – رحمهم الله تعالى – ففي قولها: “فإذا حاذونا – تعني: الرُّكبان – سدلَتْ إحدانا جلبابها على وجهها” دليلٌ على وجوب ستر الوجه بالنسبة للمرأة؛ لأنَّ المشروع لمن في الإحرام كشْفُه، فلولا وجود مانع قويٍّ من كَشْفِه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفًا حتَّى أمام الركبان، وبيان ذلك أنَّ كشف الوجه في الإحرام واجبٌ على النِّساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لا يعارضه إلا ما هو واجب، فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ تَرْكُ الواجب من كشفه حال الإحرام، وقد ثبت في “الصحيحينوغيرهما: أنَّ المرأة المُحْرِمة تنتهي عن النِّقاب والقفازين.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله تعالى -: “وهذا مما يدلُّ على أن النِّقاب والقُفَّازين كانا معروفَيْن في النساء اللاَّتي لم يُحْرِمن، وذلك يقتضي ستر وجوههنَّ وأيديهن“.

 

وأقولإنَّ في حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – الذي بيَّنَت فيه أنَّهن كُنَّ يُغطِّين وجوههن عند محاذاة الرُّكبان لهنَّ فيه دليلاً على فعل ذلك من جميع النساء؛ فهي تقول: “سدلَتْ إحدانا؛ أيْ: كلُّ واحدة منا، ولو لم يكن واجبًا لسدلَتْ من تشاء منهنَّ ولبقيت على كشف وجهها مَن شاءت، ثم إنَّ فِعْلهنَّ لذلك – وفي وجود النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولم ينبِّههن عن التغطية – دليلٌ على وجوب التغطية المرأة وجهها عند الرجال والأجانب، والله أعلم.

 

فكُوني – يا أخت الإسلام – حفيدةَ عائشة، ومقتديةً، ولا تقتدي بالسَّافرات المُميلات المائلات، الخارجات عن طاعة ربِّهن.

 

وهاك أيضًا ما رواه الإمام أحمد في “مسنده، والبيهقيُّ وابن خزيمة وابن حِبَّان في “صحيحيهما” عن أمِّ عطية قالت: لَمَّا قدم رسول الله المدينة، جمعَ نساء الأنصار في بيتِي، ثم أرسل إليهنَّ عمرَ بن الخطاب، فقام على الباب فسلَّم عليهن، فردَدْن السلام، فقال: أنا رسولُ رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إليكنَّ، فقلن: مرحبًا برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وبرسوله، فقال: تُبايِعْنَّ على ألاَّ تشركن بالله شيئًا، ولا تَسْرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتانٍ تفترينه بين أيديكنَّ وأرجلكن، ولا تعصينَه في معروف؟ فَقُلن: نعم، فمدَّ عمر يده من خارج الباب، ومدَدْنَ أيديهنَّ من داخل الباب، ثم قال: اللَّهم فاشهد.

 

ويُلاحَظ من هذا الحديث أنَّ عمر – رضي الله عنه – لم يُصافِح النِّساء، ولكنْ مدَّ يده.

 

ويقول الشيخ الألبانيُّ تعقيبًا على هذا الحديثفثبت من ذلك أنَّه – أيْ: عمر رضي الله عنه – لم يدخل على النِّساء وإنما بايعَهن من وراء الباب.

 

وإليك أيضًا بعض الأدلة الأخرى على وجوب ستر المرأة وجهها:

ما رُوِي عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – قالت: “كنَّا نغطِّي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتَشِط قبل ذلك في الإحرام؛ رواه الحاكم فيالمستدرك“.

 

ما روي في “موطَّأ” الإمام مالك – رحمه الله تعالى – عن فاطمة بنت المنذر، قالت: “كنا نُخَمِّر وجوهنا ونحن مُحْرِمات ونحن مع أسماء، فلا تنكره علينا؛ أخرجه مالكٌ والحاكم.

اقرأ أيضا  حديث: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله...

 

ما رواه أبو داود وغيره عن أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت: لما نزلَتْ هذه الآية: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ﴾ خرج نساء الأنصار كأنَّ على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها، وقد قال الجصَّاص: وفي هذه الآية دليلٌ أو دلالة على أنَّ المرأة الشابة مأمورةٌ بستر وجهها عن الأجانب، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج؛ لئلاَّ يطمع أهل الريب فيها.

 

يقصد بالمرأة الشابَّة؛ أي: ليست من القواعد، ومأمورةٌ هنا معناها الوجوب.

 

هناك من يتمسَّك بحديث أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق – رضي الله تعالى عنهما – الذي روَتْه عائشة قالت: دخلت أسماء بنت أبي بكر على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وعليها ثيابٌ رِقاق، فأعرض عنها، وقال: ((يا أسماء إنَّ المرأة إذا حاضت، فلا يحلُّ لها أن يُرى منها إلاَّ هذا وهذا))، وأشار إلى وجهه وكفيه.

 

ونردُّ على هؤلاء بقولنا:

أولاًالحديث مرسل (منقطع)؛ ففي طريقه خالد بن دريك، وهو لم يسمع من عائشة.

هل يعقل أن تدخل أسماء – وهي مَن هي، وقد تربَّت في بيتٍ دخل الإسلام فيه مع بداية البعثة النبويَّة – أن تدخل على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وعليها ثيابٌ رِقاق، فسبحان الله!

 

ثانيًاأحاديث تغطية الوجه صحيحة، ومتواترة فلا تُترَك؛ للحديث المرسل المنقطع.

 

مما سبق يُعلم وجوب تغطية المرأة وجهها.

 

واعلمي – أيتها الأخت المسلمة – أنَّ لباس المسلمة لا بد أن يكون فضفاضًا – واسعًا – ولا يشفَّ ما تحته، ولا يصف أعضاء المرأة، وأن يكون ساترًا لجميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفَّان والقدمان.

 

أقول لك أيَّتها المسلمة: لو سألتُكِ سؤالاً، وأريد الإجابة عنه بكلِّ صراحة:

إذا كانت المرأة تلبس ثيابًا تغطِّي جميع البدن ما عدا الوجه والكفَّين، ألاَ تكون فتنة؟ ولو كانت الثياب سوداء، ولو كان اللباس ساترًا فضفاضًا، إذا نظر إليها النَّاظر، ألاَ تكون فتنةً له؟ أجيبِي، بارك الله فيك، وهداكِ الحقَّ.

 

أعتقد ستكون الإجابةإنَّ هذه المرأة ستكون فتنةً لمن نظر؛ ما دامت مكشوفة الوجه.

 

ولا تلتفتي إلى وحي الشيطان وأوليائه، الذين يقولون لك: كم من امرأةٍ تغطِّي وجهَها، ولكنها تُداعب الرجال الأجانب، تكذب، وتسرق، وتزني، وكذا، وكذا

 

فهذه أفكار فرديَّة وشخصية، وليست هذه قدوتَك، وإنما قدوتُك النِّساء المسلمات الأُولَيات، اللاَّئي بايَعْن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – على أن لا يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتانٍ يفترينه بين أيديهنَّ وأرجلهن، ولا يعصين في معروف، فهؤلاء هنَّ قدوتك أيَّتها المسلمة المصونة التي أراد الإسلامُ لها العفة.

 

ولا تظنين أنَّ ذلك تضييق عليك أبدًا، بل هو سَتْر لك، وحفاظٌ عليك، وحرص على مصلحتك دنيا وآخرة، وفي النهاية أرجو أن تعلمي أنَّ الله غنيٌّ عن العالَمين، فلو كان النِّساء لم يستجبن لأمره سبحانه، فذلك لا يضرُّ الله شيئًا: ﴿ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [يونس: 108].

 

﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125].

 

والحمد لله ربِّ العالمين؛ فكم من المسلمات قد سترَتْ وجهها إرضاءً لربِّها، وحفاظًا في زمنٍ كثرت فيه الفتن، أسأل الله لهنَّ الثبات على دين الله – سبحانه وتعالى.

 

وأذكِّر نفسي وإياك أيَّتها المسلمة بحديث النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطُوبى للغرباء)).

 

فكوني من هؤلاء النِّساء اللاتي استجَبْن لله ولرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

والحمد لله على نعمه التي لا تُحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، وصلِّ يا رب على نبيِّ الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبدالله، وسلِّم تسليمًا عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.