وقد خاب من حمل ظلما

الثلاثاء،12 ربيع الاول 1435ه الموافق 14 كانون الثاني /يناير2014م وكالة معراج للأنباء “مينا”.

خميس النقيب

الخيبة الكبرى، والخسارة العظمى للظالم عندما يقف بين يدي خالقه ورازقه! يوم تَعْنُو له الوجوه، وتَذِل له الأنفس، وتخضع له القلوب، وتَخشع له الأصوات، فلا تسمع الا همسًا، نعم: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه: 111]، قال ابن عباس: خضعت وذلَّت واستسلمت الخلائق لجبَّارها الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، وهو قيِّم على كل شيء، يُدبِّره ويحفظه؛ فهو الكامل في نفسه، الذي كلُّ شيء فقير إليه، لا قِوام له إلا به، وقوله: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾، قد: حرف يفيد التحقيق؛ أي: يوم القيامة، فإن الله سيؤدي كلَّ حق إلى صاحبه، حتى يُقتصَّ للشاة الجماء من الشاة القرناء، وفي الحديث: يقول الله عز وجل: ((وعزتي وجلالي، لا يُجاوِزني اليوم ظُلمُ ظالم))، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه: 112]، لما ذكر الظالمين ووعيدهم ثنَّى بالمتقين وحُكْمهم، وهو أنهم لا يُظلَمون ولا يُهضَمون؛ أي: لا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم؛ قاله ابن عباس، فالظلم: الزيادة، بأن يُحمَل عليه ذنب غيره، والهضم: النقص.

 

الخُسران سيَلحَق بالظالم يوم القيامة: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ [الشورى: 45].

اقرأ أيضا  أسرار قرآنية: فن الاستحضار

 

لقد حرَّم الله الظُّلمَ فقال: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران: 182]، وقال في الحديث القدسي: ((إني حرَّمت الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا))، والظلم أصبح ظاهرة انتشرت في البلاد والعباد، إلا من رحِم ربي.

 

إنها ظاهرة الظلمالظلم في البيوت، الظلم في الهيئات، الظلم في المؤسسات، الظلم في الأعمال، الظلم في القلوب، الظلم في النفوس، الظلم في الرؤوس، والظلم والفساد قرينانِ، قد تَفسُد الهيئات، وقد تَفسُد المؤسسات، وقد تفسد القلوب، وقد تفسد النفوس، وقد تفسد الرؤوس، وقد تفسد القلوب؛ وذلك نتيجة الظلم بأنواعه، الظلم الذي حرَّمه الله سبحانه وتعالى على نفسه، وحرَّمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرَّمتُ الظُّلْم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تظَالَموا))؛ رواه مسلم.

 

وعن جابر أن رسول الله قال: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحَّ؛ فإن الشح أهلك مَن كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلُّوا محارمَهم))؛ رواه مسلم.

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا دعوةَ المظلوم؛ فإنها تُحمَل على الغَمام، يقول الله: وعزَّتي وجلالي، لأنصُرَنَّك ولو بعد حين))؛ قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: رواه الطبراني ولا بأس بإسناده في المتابعات.

اقرأ أيضا  تفسير سورة القمر عدد آياتها 55 وهي مكية

 

إن الإنسان يظلم غيره من عباد الله ومخلوقاته؛ وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظُلْمهم بالضرب والشتم والتعدي والقتل والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالبًا بالضعيف الذي لا يَقدِر على الانتصار.

 

قصة ذكَرها أحدُ العلماء في كلمة له في أحد المساجد بمكة، قال: كان رجل يعمل عند كفيله، فلم يُعطه راتبَ الشهر الأول والثاني والثالث، وهو يتردَّد إليه ويُلِحُّ، وأنه في حاجة إلى النقود، وله والدان وزوجة وأبناء في بلده، وأنهم في حاجة ماسة، فلم يستجِب له وكأن في أذنيه وقْرًا، والعياذ بالله، فقال له المظلوم: حسبي الله، بيني وبينك، واللهِ سأدعو عليك، فقال له: اذهَبْ وادعُ عليَّ عند الكعبة، انظر هذه الجرأة! وشتَمه وطرَده، وفعلاً استجاب لرغبته، ودعا عليه عند الكعبة بتحرِّي أوقات الإجابة، على حسَب طلبه: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 227]، ومرَّت الأيام، فإذا بالكفيل مرِض مرضًا شديدًا لا يستطيع تحريكَ جسده، وانصب عليه الألم صبًّا حتى وُضِع في أحد المستشفيات فترة من الزمن، فعلِم المظلوم بما حصل له، وذهب يعُوده مع الناس، فلما رآه قال: أدعوتَ عليَّ؟ قال له: نعم، وفي المكان الذي طلبتَه مني، فنادى على ابنه وقال: أعطه جميعَ حقوقه، وطلب منه السماح، وأن يدعو له بالشفاء.

اقرأ أيضا  تفسير سورة الواقعة عدد آياتها 96 وهي مكية

 

وعندما يُحشَر الناس إلى رب الناس يُرفَع الظلم من الأرض ويُحاسَب كلُّ ظالم على ظلمه؛ ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17].

 

عن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس ادَّعتْ على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكَم، فقال سعيد: ما كنت لآخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعتُ من رسول الله، قال: وما سمعتَ من رسول الله؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طُوِّقه من سبع أرضين))، فقال له مروان: لا أسألك بيَّنة بعد هذا، فقال: “اللهم إن كانت كاذبة، فأعمِ بصرها، واقتُلْها في أرضها، قال فما ماتت حتى ذهَب بصرُها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت فكانت قبرها”؛ البداية والنهاية لابن كثير.

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.