معالجة قرآنية في تحقيق النصر
الإثنين،1جمادى الأولى1435ه الموافق 3 آذار/ مارس2014م وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إن من أعظم وسائل المنهج الرباني لإحراز النجاح في قضاياه, التي كان يريد أن يحققها, وأن يجعلها واقعاً يُعاش، هو بيان ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم في الماضي في هذه القضية التي يعالجها, ثم بيان حاضرهم فيها، ثم بيان الواقع المأمول لمستقبلهم ومستقبلها، ومن ثم يدفعهم للعمل الصالح الكبير والكثير, حتى تُسد الفجوة بين الواقع والمأمول، وكل هذا سطره لنا القرآن الكريم.
فحينما أراد الله تعالى أن ينصر الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة أحد, بين لهم ما كانوا عليه من ضعف وقلة عدد, في الماضي القريب, فقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ), بل بين لهم كيف كانوا من قبل في ضلال مبين, قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ).
ثم بين لهم, سبحانه, واقع حاضرهم, وما عند بعضهم, رضوان الله عليهم, من تصورات, حول هذه القضية التي يعالجها, لم ترقى بعد لما يريده الله منهم, قال تعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ), وقال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).
ثم بين لهم ماذا يريد منهم في مستقبل الزمان, قال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ), فهو ثواب الدنيا, من النصر والتمكين, وهو حسن ثواب الآخرة.
ثم حشد سبحانه بعد ذلك الآيات التي تحض على العمل الصالح الكثير والكبير, المطلوب للوصول إلى النصر والتمكين المأمول, قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
بقي أن نقول, هذه الآيات, التي استشهدنا بها, كلها في سورة واحدة, سورة آل عمران, وتتكلم عن غزوة بعينها, غزوة أحد, أي أننا لم نجمع هذه الآيات من سور مختلفة من القرآن, لندرك كيف هي المعالجة القرآنية الربانية لتحقيق قضاياه – والتي قد يسميها البعض – التخطيط الاستراتيجي – ولا مشاحة في الاصطلاح, لكن تبقى الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها أبداً, وهي قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم), في منهج مطرد, سواء كانت القضية التي يعالجها هي الجهاد في سبيل الله, أو الآداب والأخلاق التي يراد تحقيقها في الأسرة والمجتمع, أو قضايا المال والاقتصاد والإنفاق,أو غيرها من قضايا الإسلام الكبيرة, تبدأ المعالجة ببيان ما كانوا عليه في الماضي، في القضية التي هي مكان المعالجة, وما وصلوا إليه في الحاضر، ثم بيان الواقع المأمول لمستقبلهم فيها، ومن ثم يدفعهم للعمل الصالح الكبير والكثير, حتى تُسد الفجوة بين الواقع والمأمول لهذه القضية …
ولعلنا في مقال آخر نعرض لهذا المنهج القرآني المطرد في معالجة قضية أخرى من قضاياه الكبيرة العظيمة.
موقع “عودة ودعوة”