الوفـــــاء بالعهــــــد

وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد ، فقال جل جلاله : ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً ” سورة الإسراءالآية 34 .. وقال تعالى : ” وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ” سورة النحل الآية 91 

والوفاء بالعهد يحتاج الى عنصريين اذا اكتملا فى النفس سهل عليها ان تنجز ما التزمت به 
فقد اخذ الله على أدم عهدا مؤكدا ألا يقرب الشجرة المحرمة لكن ادم ما لبث أن نسى وضعف ثم نكث فى عهده .. قال عز وجل : ” وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ” ..

فضعف الذاكرة وضعف العزيمة عائقان كثيفان عن الوفاء الواجب .. والانسان لانشغالة الدائم والمستمر فى امور الحياة تطمس كل المعالم الواضحة والهامة في ذاكرته وحياته .. لذا يجب ان نتذكر دواما : ” وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ” .. فاذا تذكرنا هذا الميثاق وصحب هذا التذكير عزم يذلل الاهواء ويهون الصعاب لا بد سنحقق الوفاء ..

أنواع الوفاء : 
************

**الوفاء له أنواع كثيرة منها :

الوفاء مع الله سبحانه : 
يقول الله عز وجل : ” ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ” سورة يـس الآيات 60-61 

**الوفاء بالعقود والعهود :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” المسلمون عند شروطهم ” رواه البخاري في صحيحه

**الوفاء بالكيل والميزان :
فالله شبحانه وتعالى قال : ” أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” سورة هود الآية 85 

**الوفاء بالنذر : 
على أن يكون النذر في خير ، أما إن كان في غير ذلك فلا وفاء فيه. 
يقول الله تعالى : ” يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا ” سورة الإنسان الآية 7 

قيمة الوفاء بالعهد : 
******************

الكثير من المسلمين اليوم يحدِّثون وهم كاذبون ! و يَعِدون وهم خائنون ! و يعطون الوعود والعهود ثم يغدرون ! فأين الوفاء بالعهد ؟! لقد ضاع هذا الخُلق بينا ا إلا مَن رَحِم الله .. 
ذلك أنهم لايعلمون أن الوفاء بالعهد شرفٌ يحمله الإنسان وأنه آصرة من أواصر التعاون في المجتمع .. فهو أصل الصدق والثقة المتبادلة وعنوان الاستقامة .. وهو من الآداب الإسلامية التي يأمرنا ديننا بالإلتزام بها ، كخلق كريم وسلوك نبيل 

فالوفاء بالعهد شعبة من شعب الإيمان ، ومن أهم الواجبات ، فمن أبرم عقداً وجب أن يحترمه ، ومن أعطى عهداً وجب أن يلتزمه ، لأنه أساس كرامة الإنسان في الدنيا ، وسعادته في الأخرة

الوفاء بالعهد صفة لازمة لمن اتصف بها :
***********************************

فهو من صفات : 
1- * الله جل عز وجل .. فهو أحق أن يُتصف به .. قال تعالى : ” وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا .. ” سورة سورة النور 

2- * أهل الإصلاح والإيمان .. قال تعالى : ” والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ” سورة البقرة 

3- * أولي الألباب .. قال تعالى : ” إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق “سورة الرعد 

4- * الأنبياء والمرسلين .. قال تعالى : ” وإبراهيم الذي وفّى ” سورة النجم ” 
” واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ” سورة مريم 

العهود التي بين الله وبين عباده

1. ” ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ” 

2. ” وإِذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين ” 

3. ” وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ” سورة الأعراف 

4. ” وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ” سورة آل عمران 

5. يقول بن عباس رضي الله عنه : ” كل ما أحل الله وما حرم وما فرض في القرآن ؛ فهو عهد “
6. ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه من الله ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ” سورة التوبة 

7. ” تكفل الله لمن جاهد في سبيله ، لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله ، وتصديق كلماته ، بأن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه ، مع ما نال من أجر وغنيمة ” رواه مسلم 

العهود التي بين الناس :
*********************

1. * الإتزام بكل ما عاهدنا به من قول أو كتابة تجاه الآخر : ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ” 

2. * عدم نقضها ” وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ” 

3. * عقد الزواج من العهد ” إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ” رواه البخاري 

4. * تربية الأبناء تربية إسلامية حسنة : ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ..” 

5. * مراعاة الجار وحسن معاشرته : ” والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال ” الذي لا يأمن جاره بوائقه ” رواه البخاري 

6. * إيفاء أخيك المسلم حقه : ” حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه ” رواه مسلم 

7. * أداء الدين لمستحقيه : ” من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ” رواه البخاري 

8. * أداء أُجرةُ الأجراء وحقوقُ العمالِ الضعفاء ” قال الله عز وجل في حديث قدسي : ” ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ” رواه البخاري 

9. * ” أربع مَنْ كُنَّ فيه فَهُوَ مُنَافِقٌ خالص ، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وَإذَا ائتُمِنَ خَانَ ، وإذا خاصم فجر ” رواه أبو داود 

10. * ” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله مات أبي وأمي فهل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ، الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما ” [ رواه أبو داود ] 

آراء وشروحات : 
*************

قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: “والموفون بعهدهم إذا عاهدوا” .. ” أي فيما بينهم وبين اللّه تعالى وفيما بينهم وبين الناس.”

و قال بن كثير رحمه الله :” وقوله: ” والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ” كقوله : ” الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ” وعكس هذه الصفة النفاق كما صح في الحديث ” آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا ائتمن خان” وفي الحديث الاَخر: “وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر,وإذا خاصم فجر “

وفي قوله تعالى : ” وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ” سورة النحل الآيات 91-92 

قال السعدي رحمه الله:” هذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه ، من العبادات والنذور ، والأيمان التي عقدها ، إذا كان بها برا . ويشتمل أيضا ، ما تعاقد عليه هو وغيره ، كالعهود بين المتعاقدين ، وكالوعد الذي يعده العبد لغيره ، ويؤكده على نفسه ، فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة ، ولهذا نهى الله عن نقضها فقال : ” ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ” بعقدها على اسم الله تعالى : ” وقد جعلتم الله عليكم ” أيها المتعاقدون ” كفيلا “. فلا يحل لكم أن لا تحكموا ما جعلتم الله عليكم كفيلا ، فيكون في ذلك ترك تعظيم الله ، واستهانة به ، وقد رضي الآخر منك باليمين ، والتوكيد الذي جعلت الله فيه كفيلا . فكما ائتمنك وأحسن ظنه فيك ، فلتف له بما قلته وأكدته . ” إن الله يعلم ما تفعلون ” فيجازي كل عامل بعمله ، على حسب نيته ومقصده .

قال عوف بن نعمان :
“في الحاهلية الجهلاء : أن يموت الرجل عطشاً خير له من أن يكون مخلافا لموعد” 
كتاب أداب الإملاء و الإستملاء ص 41 
وليس بعد هذا القول قول آخر .. فأهل الجاهلية كانت لهم أخلاق وقيم لانجدها فينا نحن الذين تشبعنا بالإسلام ومبادئه 

يقول الشاعر : 
إذا قلــت في شـــيء نَــعمْ فــأتِمَّه فإن نَعَمْ دَين على الحر واجبُ
و إلا فقلْ لا واسترح و أرح بها لئــلا يقول الناسُ إنـــك كاذبُ

أسأل الله لي ولكم أن نكون أنا وأنتم ممن إذا عاهدوا وفوا وإذا حدثوا صدقوا وإذا اؤتمنوا أدوا الأمانات إلى أهلها ..