عقيدتنا: الإيمان بالله وتوحيده وتنزيهه عن الشرك

السبت،27جمادى الأولى1435ه الموافق29 آذار/مارس 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.

سيد مبارك

المختصر المفيد في بيان دين أمة التوحيد

عقيدتنا الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده وتَنزيهُه عن الشِّرك

إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونَستغفِره ونَستهديه، ونعوذ بالله مِن شُرور أنفسِنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد، فإن أصدَق الحديث كلام الله، وخير الهدْي هديُ محمد، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضَلالة، وكل ضلالة في النار.

 

ثم أما بعد، فما أحوجَنا في القرن الواحد والعشرين للعَودة إلى تعاليم القُرآن والسنَّة الذَين ارتوَى منهما الصَّحابة ومَن والاهم مِن التابعين وتابعي التابعين؛ فصاروا -بحقٍّ- خيرَ قرون الإسلام، ومصابيح هُدى أضاءت للناس، وأخرجتهم من ظلمات الجهل والشرك والتشكيك، إلى نور العِلم وعَظمة التوحيد واليقين بالله تعالى.

 

ولكن -للأسف الشديد- في عصرنا هذا ضلَّ الكثير من المسلمين عن تعاليم الكتاب وهدْي النبي -صلى الله عليه وسلم- واتَّبعوا الهوى الذي صدَّهم عن الحق، وابتدَعوا في الدين عبادات وتشريعات ما أنزل الله بها مِن سلطان، فضلُّوا وأضلوا غيرهم، ومِن ثمَّ كانت هذه الدراسة الوجيزة وعُنوانهاالمختصر المفيد في بيان دين أمة التوحيد” تأتيكم في ثلاثة عشر رسالة.

 

وقد اكتفيتُ بذكر أهم خصائص أمَّة التوحيد، وهُناك المزيد الذي تركتُه؛ منعًا للإطالة، وذلك بلا تطويل مملٍّ أو تقصير مُخلٍّ؛ لتكون الرسالة قوية يَسعد بها العلماء والدعاة لشموليَّتها وفائدتها، ويستفيد منها العامة من المسلمين لبساطتها وصحَّتها.

 

والله مِن وراء القصد وهو يَهدي السبيل، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

عقيدتنا الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده وتَنزيهُه عن الشِّرك

اقرأ أيضا  الأزهر: تعداد المسلمين في إقليم قطلونية الإسباني وصل لنصف مليون

المقصود بالإيمان هو الإيمان بالله -تعالى- وملائكته وكتُبِه ورسله واليوم الآخِر والقدَرِ خيره وشرِّه؛ لقوله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285]، ولحديث أبي هُريرة قال: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بارِزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل فقال: “ما الإيمان؟”، قال: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكُتبِه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث..)) الحديث؛ البخاري في التفسير.

 

ومِن عقيدتنا: توحيد الله تعالى بأنواعه الثلاثة؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

 

تنبيهات هامة:

1- الإيمان -كما هو معلوم عند أهل التوحيد قول باللسان، وعمل بالأركان، وتَصديق بالجَنان، وهذا أمر مُجمَع عليه عند علماء أهل السنَّة والجَماعة سلَفًا وخلَفًا.

 

وفي كِتاب “لمعة الاعتقاد” يقول المُصنِّف -رحمه الله[1] :

الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، وعقْد بالجَنان، يَزيد بالطاعَة ويَنقُص بالعِصيان؛ قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5]، فجعل عِبادة الله، وإخلاص القلب، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة كلَّه مِن الدِّين”. اهـ

 

قلتوالإيمان في شموليَّته ومَضمونِه الواسع – كما جاء في الآية الكريمة والحديث الصَّحيح – يَشمل – بجانب الإيمان بالله – الإيمانَ بالملائكة والرسل أجمعين، والكتب السماوية، والبعث والحِساب، والقدر خيرِه وشرِّه.

 

2- التوحيد مِن الإيمان وداخِلٌ فيه؛ قال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- ردًّا على سؤال: الإيمان والتوحيد والعقيدة أسماء لمُسمَّيات، هل تختلف في مَدلولاتها؟

فقال: نعم، تَختلِف بعض الاختلاف، ولكنها تَرجِع إلى شيء واحد، التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، والإيمان هو الإيمان بأنه مُستحِقٌّ للعِبادة، والإيمان بكل ما أخبر به سُبحانه، فهو أشمل مِن كلمة التوحيد التي هي مصدَر وحَّد يُوحِّد، يعني: أفرد الله بالعبادة وخصَّه بها؛ لإيمانه بأنه -سبحانه- هو المُستحِق لها؛ لأنه الخَلاق، لأنه الرزاق، ولأنه الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله، ولأنه مُدبِّر الأمور والمُتصرِّف فيها، فهو المُستحِق للعبادة، فالتوحيد هو إفراده بالعبادة ونفْيُها عمَّا سِواه، والإيمان أوسع مِن ذلك يدخل فيه توحيده والإخلاص له، ويَدخل فيه تصديقه في كلِّ ما أخبر به[2].

 

3- التوحيد ثلاثة أنواع استنبطَها العُلماء من القرآن الكريم والسنَّة الصَّحيحة، وهي:

اقرأ أيضا  إدانة دولية لاستخدام "الكيماوي" بسوريا

1- توحيد الربوبيةأي لا ربَّ سواه، وإفراده -سبحانه وتعالى-بالخلق، والملك، والتدبير؛ قال تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [فاطر: 3].

 

2- توحيده الألوهيةأي لا إله سِواه، وأن تُوجَّه إليه كلُّ صور العبادة ولا تُوجَّه إلى أحد سواه، وإدراك أن مَن يُشرِك به ويَموت على ذلك مَصيرُه الخُلود في النار؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: 36].

 

توحيد الأسماء والصفات: أي إفراد الله -سبحانه وتعالى-بما سمَّى ووصَف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- مثل صفة النزول مِن السماء، والضَّحِك، والفرح، والعجب، واليد، والعين، والرجل… إلخ، وذلك بإثبات ما أثبَته -سبحانه وتعالى-لنفسِه وما أثبتَه له رسوله -صلى الله عليه وسلم- مِن غَير تحريفٍ، ولا تَعطيل، ومِن غير تكييف، ولا تمثيل؛ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]؛ قال الألباني -رحمه الله-: “إن نفْي الشريك عن الله -تعالى- لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك:

الأول: الشرك في الربوبية؛ وذلك بأن يَعتقد أن مع الله خالقًا آخَر -سبحانه وتعالى-كما هو اعتقاد المَجوس القائلين بأن للشرِّ خالقًا غير الله – سبحانه – وهذا النوع في هذه الأمة قليل، والحمد لله.

 

الثاني: الشرك في الألوهية أو العبودية؛ وهو أن يعبد مع الله غيره مِن الأنبياء والصالحين؛ كالاستغاثة بهم، وندائهم عند الشدائد، ونحو ذلك، وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير.

 

الثالث: الشرك في الصفات؛ وذلك بأن يَصف بعض خلقِه -تعالى- ببعض الصِّفات الخاصَّة به -عز وجل- كعِلم الغَيب – مثلاً – وهذا النوع مُنتشِر في كثير مِن الصوفية ومَن تأثَّر بهم؛ مثل قول بعضهم في مدحه النبي -صلى الله عليه وسلم-:

فإن مِن جودِك الدنيا وضرَّتَها 

ومِن علومك عِلمُ اللَّوحِ والقلمِ 

 

ثم قال: هذه الأنواع الثلاثة مِن الشرك مَن نفاها عن الله في توحيده إياه؛ فوحَّده في ذاته، وفي عبادته، وفي صفاته، فهو الموحِّد الذي تشمله كل الفضائل الخاصَّة بالمُوحِّدين، ومَن أخلَّ بشيء منه، فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65].[3]

اقرأ أيضا  حماس: لا تهدئة دون القدس والأقصى (مقابلة)

 

4- يُخالف الإيمان والتوحيد كلَّ قول أو فعل فيه لجوء لغير الله والاستعانة به لجلْب نفْع أو دفع ضرٍّ؛ كالحَلِف بغير الله -تعالى- ودعاء غيره مِن وليٍّ أو طاغوت، أو سُجود لصليب أو للشمس أو للقمر، وما أشبه ذلك؛ قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 256 – 257].

 

5- مَن خُتم له على غير دين التوحيد والإيمان بالله -تعالى فهو مِن أهل النار؛ قال السعدي: “مَن مات على غير الإيمان والتوحيد، فهو مخلَّد في نار جهنم أبدًا، وإنَّ أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصَل لهم مُكفِّر لذنوبهم ولا شفاعة، فإنهم وإن دخَلوا النار لا يُخلَّدون فيها، ولا يبقى في النار أحد في قلبه مِثقال حبَّة خردل مِن إيمان إلا خرَج منها.

 

وأن الإيمان يَشمل عقائد القلوب وأعمالها، وأعمال الجوارِح وأقوال اللسان، فمَن قام بها على الوجه الأكمل، فهو المؤمن حقًّا، الذي استحقَّ الثواب وسَلِم مِن العقاب، ومَن انتقَص منها شيئًا، نقَص مِن إيمانه بقدر ذلك؛ ولذلك كان الإيمان يَزيد بالطاعة وفعْل الخير، ويَنقُص بالمعصية والشرِّ“.[4]

 


[1] – “لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد” (1: 129) تأليف: أبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي.

[2] – انظر: مجموع فتاوى العلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – (المتوفى: 1420هـ) الجزء 6: 217، المصدر: موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.

[3] – انظر: تعليق الألباني وشرحَه على العقيدة الطحاوية، وفيه تصرف يسير.

[4] – “القول السديد شرح كتاب التوحيد” للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى: 1376هـ).

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.