البنوك الإسلامية بالمغرب.. ميلاد متعثر في رحم جدل لا ينتهي
الإثنين،29جمادى الأولى1435 الموافق31آذار/مارس 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.
كتب – أحمد طلب
يتجه حزب العدالة و التنمية الإسلامي إلي الإنتهاء من وضع الصيغة النهائية لمشروع قانون يسمح بإقامة بنوك إسلامية في المغرب، ومن شأن مشروع القانون أن يضع الخطوط العريضة للعروض البنكية “استنادا إلى الشريعة الإسلامية”.
وتتضارب مواقف المغاربة تجاه ما يعرف بالبنوك الإسلامية، فهناك من يعتبرها فرصة للاستفادة من خدمات بنكية تراعي الضوابط الدينية، وهناك من يصنفها بأنها لا تختلف عن البنوك التقليدية.
وقامت منذ سنوات دعوات إلى إنشاء بنوك إسلامية في بلد يقاطع فيه كثيرون الخدمات والمنتجات البنكية لأسباب دينية، حيث يحرم الدين الإسلامي “الربا” أو العمل بمبدأ الفوائد في المعاملات المالية، وهو ما تعتمده البنوك التقليدية الحالية.
وُأطلقت حملة عبر الفيسبوك للمطالبة بإقامة بنك إسلامي ضمن ما يسمى بـ”الحملة الوطنية للمطالبة بالبنك الإسلامي في المغرب”. هذا الحماس المتزايد لمنتجات (عروض) بنكية “بديلة” تواجهه تخوفات بعد أخذ ورد دام لسنوات، فهل ستشكل هذه البنوك الإسلامية منافسًا للبنوك التقليدية؟
قانون خاص بالتمويل الإسلامي
سيتم بمقتضى القانون المزمع إطلاق فروع إسلامية لبنوك مغربية، البنوك أبدت استعدادها لتبني النظام الجديد الذي تنادي به جمعيات وفئات من المجتمع المغربي منذ مدة طويلة، فقد أعلن بنكان من أكبر بنوك المغرب، وهما البنك المغربي للتجارة الخارجية والبنك الشعبي المركزي، عن استعدادهما لإطلاق وحدتين بنكيتين إسلاميتين.
وقال وزير الميزانية في الحكومة المغربية إنه انطلاقًا من وعي المغرب بما يمكن أن تقدمه المعاملات المالية الإسلامية “سواء فيما يتعلق بتعبئة الإدخار الوطني أو خلق فرص جديدة لتمويل اقتصاد البلاد، عملت الحكومة المغربية على إيجاد إطار قانوني يؤطر هذه التمويلات في إطار الإصلاح الشامل لقانون البنوك”.
والخطوة حظيت باهتمام الرأي العام المغربي بين مرحب بها، وبين من يتنبأ لها بالفشل بسبب تجارب سابقة.
آراء حول القانون
أما السبب الاقتصادي الذي يستوجب إقامة بنوك إسلامية، حسب عمر الكتاني، فهو كون هذه الأخيرة “انتشرت بسرعة ونجحت”، لأن هناك حاجة لتنويع طرق التمويل، وأن يكون في التمويل تقاسم للمخاطر، وهو نوع من التضامن داخل المجتمع.
ويحدد مشروع القانون الذي يعتزم حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحاكم تقديمه بأن لا تكون القروض مصدرا للربح من طرف البنوك الإسلامية، بمعنى أن الفوائد ستكون ملغاة، كما أن رؤوس الأموال في هذا القانون لن تكون وسائل للتجارة، وتساعد فقط في القيام بأعمال تجارية.
ويحظر مشروع القانون أي نوع من التعاملات التي لا تقوم على الأصول التي يملكها البنك مسبقا. وتخضع المؤسسات البنكية حسب مشروع القانون لقواعد الشريعة الإسلامية.
ويضيف الكتاني أن هذا الشرط يخل بمبدأ المنافسة التي كانت ستحققها هذه البنوك لو تم طرحها في السوق كمؤسسات منافسة للموجودة وليس خاضعة للبنوك التجارية التقليدية، التي لا تساهم في التنمية الاقتصادية للبلد، حسب اعتقاده.
وهو ما يرد عليه الخبير المغربي محمد كرين، المسئول في إحدى المؤسسات المصرفية في المغرب، بالقول إنه من حق كل بلد حماية اقتصاده وضمان سيادته وهو يضع قوانينه.
ويضيف بالقول: “من حق المغرب الاحتراز فيما يتعلق بمنتجات جديدة واتخاذ كل التدابير اللازمة لذلك في المرحلة الأولى إلى أن تنضج التجربة، وبعد ذلك يمكن تطوير الأمور أكثر”.
عمر الكتاني يشاطر هذا القول معتبرًا أن رغبة المغرب في استقطاب استثمارات خارجية خصوصًا من دول الخليج بالإضافة إلى مطالب فئة من المغاربة بتوفير هذا النوع من الخدمات كانا وراء التفكير في إطلاقها “دول الخليج لديها فائض مالي يقدر بـ400 مليار دولار لم تستطع توظيفه في الدول التي شهدت أحداث الربيع العربي ولا في بورصات أوربا وأمريكا بسبب الأزمة المالية، لذا كان المغرب أحد الأسواق المالية الواعدة بالنسبة لهذه الدول”.
أما كرين فيعارض هذا الطرح قائلًا: “هذا كلام يرد عليه بسهولة، فهذه البنوك ليس الهدف منها تحويل زبائن البنوك التقليدية إليها، بل توسيع دائرة التبنيك بحيث تستقطب البنوك الموجودة حاليًا زبائن جدد كانوا يقاطعونها لأسباب شخصية، وذلك من خلال هذه الفروع الإسلامية”.
ويضيف الخبير المغربي أنه لا يجب تحميل الموضوع أكثر مما يحتمل، فهو في النهاية موضوع مالي تقني يجب قراءته بعيدًا عن المواقف الإيديولوجية والقراءات الظرفية.
تأخر ظهور البنوك الإسلامية
يعتبر المغرب آخر الدول التي تبنت مفهوم البنوك الإسلامية لأسباب سياسية بالأساس ثم اقتصادية، وتعتبر مصادقة الحكومة على تبني البنك الإسلامي مجرد تطبيق لقرار جرى اتخاذه من طرف الدولة المغربية برئاسة القصر.
ويتجلى السبب الرئيسي الذي حال دون ظهور بنوك إسلامية في المغرب، رغم العمل بها في العالم الإسلامي منذ سنة 1973 بتوصية من وزراء المالية في العالم الإسلامي في اجتماع جدة، هو اعتبار نهج هذا النوع من المصارف بمثابة تناقض في وقت يشكل الاتحاد الأوروبي الشريك الرئيسي للمغرب اقتصاديا.
وتعاظمت قوة هذه الأطروحة مع وصول الملك محمد السادس وظهور تيار علماني في محيطه اعتبر كل ما يحمل اسم إسلامي ويقوم على تصور إسلامي سياسيا هو بمثابة تخلف ودعم للفكر الأصولي ومعاكس للحداثة.
وتفاجأ المغرب بتبني بعض الدول العريقة في الاقتصاد الليبرالي للبنوك الإسلامية أو منتجات مالية إسلامية وخاصة في بريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وبعد سنوات من التردد يتم الرهان على البنوك الإسلامية.
وفي الوقت ذاته، يوجد عامل اقتصادي أساسي وهو قرار الكثير من المغاربة عدم الاقتراب من البنوك في شكلها الحالي، لكن البنوك الإسلامية أو المنتوجات المالية ذات طابع الإسلامي ستحفزهم على الاستثمار. علاوة على تفضيل مستثمرين خليجيين البنوك الإسلامية لتوظيف أموالهم في المغرب.
ومن شأن الرهان على البنوك الإسلامية التي ستحمل اسم “البنوك التشاركية” أو منتوجات مالية تشاركية تقدمها البنوك الحالية تنشيط الدورة الاقتصادية والرفع من الاستثمار مما قد يحقق نقطة الى نقطة ونصف النمو الاقتصادي ويجعل النمو السنوي لا ينخفض عن عتبة 4%.
الفوائد
من أهم الفوائد التى ستعود على الاقتصاد المغربي من إنشاء البنوك الأسلامية
1- ستتيح هذه الخطوة خيارا جديدا وأكثر رحابة للأفراد والمستثمرين للإيداع والاقتراض، فضلا عن تمويل المشاريع.
2- سترفع بدون شك من تدفق رؤوس الأموال الخارجية، وبالذات تلك التي لديها تحفظات في التعامل مع البنوك التقليدية أو التجارية، ومن ذلك إمكانية فتح فروع لبنوك خليجية كبيرة ظلت تنتظر لسنوات طوال، وهذا الأمر سيسهم في ضخ العملة الصعبة عند تأسيس الكيانات الجديدة.
3- ستزيد بدون شك من نسبة الاستبناك وأحجام الإيداع والادخار، ومن ثم إتاحة.
سيولة إضافية في الأسواق، وهو ما سينشط قطاعات اقتصادية واسعة، وعلى وجه التحديد القطاع العقاري والسكني.
4- يفترض أن تدفع هذه الخطوة إلى رفع مستوى المنافسة بين البنوك أيا كان شكلها، وهو ما سينعكس إيجابا على معدلات الفائدة أو الأرباح ونوعية الخدمات بشكل عام.
5- كما يفترض فيها أن تحدث طفرة في مجال عمل البنوك، من اعتبارها بنوكا تستند في عملها إلى وظيفة الإيداع والاقتراض إلى وظائف جديدة تتعلق بتمويل المشاريع الكبرى للقطاع الخاص والقطاع العام والدولة أيضاً على قاعدة تشاركية، وبالمعنى الواسع ستدفع البنوك نحو العمل على الانخراط بشكل فعلي في التنمية الحقيقة للبلاد.
6- تكريس ثقافة مالية تقوم على التشارك في الأرباح والخسارات، ومن ثم رفع مستويات المخاطرة والمجازفة التي تعد من بين أهم أساسيات تطوير نشاط القطاع الخاص.
7- و كخطوة متقدمة فإن إدراج أسهم هذه البنوك التشاركية في بورصة الدار البيضاء سيحمل شريحة واسعة من الشعب على اقتحام سوق المال بعد خصام دام طويلا. كما أن هذه الخطوة ستنعش البورصة، وربما عادت بها إلى حظيرة الأسواق الناشئة من جديد.
8- إن هذه الخطوة ستربط النظام المالي المغربي بأسواق مالية ضخمة، إذ يكفي أن نشير إلى أن هذا النوع من البنوك يستند إلى حجم أصول أو موجودات تقارب 1.5 تريليون دولار حاليا ، وهي في طريقها إلى كسر حاجز الـ6 تريليون دولار بحلول العام 2020 على مستوى العالم، كما أن نسبة أرباحها تقارب 16 إلى 20%، متفوقة على البنوك التقليدية الأخرى.
وما بين الفوائد والتحفظات، والجدل الذي لا يبدو نهاية قريبة له في الأفق، يترقب الشعب المغربي ميلاد الصورة البنكية الجديدة المصبوغة بالأطر الشرعية الإسلامية، ويبقى سؤال الفقير دوما ما الذي سيعود عليه؟
المصدر:الأمة