كتاب أهدي إلي : هذا هو الإسلام فأين المسلمون ؟!

الأحد،5جمادى الثانية1435 الموافق6نيسان/أبريل 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.

د. غنية عبدالرحمن النحلاوي

المؤلف: الأستاذ الدكتور “إبراهيم حقي 

أولاً: “قصة هذا الكتاب“:

يحدثنا مؤلِّف الكتاب (وهو أستاذٌ في جامعة دمشق، ومؤسس وأول رئيس لقسم التوليد وأمراض النساء فيها[1] تحت هذا العنوان عمَّا دفَعه لوضع ذلك المؤلَّف، فكانت أربعة دوافعَ:

الأولتصنيف الدول الإسلامية (أي البلاد التي تقطُنُها أكثرية مسلمة) على أنها دولُ العالم الثالث، وتنطع بعض مفكِّري تلك الدول بعد البحث العلمي غيرِ المجرد إلى قرارهم التاريخي، وهو أن الدِّين الإسلاميَّ هو سبب المشكلة، وهو عائق التقدم، (كما يقول المؤلف).

 

والدافع الثاني: النقلة العجيبة لكثيرٍ من المشركين بعد البعثة.. وكيف كان شِركهم ينقلب إيمانًا قويًّا لدى سَماع شيءٍ من القرآن الكريم, وهو ما كان يستغربُه المؤلِّف عندما يقرأ التاريخ الإسلامي, يقول:

كنت لا أدري الحكمةَ في الآية الكريمة:

﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة: 6].. إلى أنْ هداني اللهُ إلى الجواب من خلال دراسة القرآن..”.

 

وملخَّص الجواب الذي وجده هو أن يقينَ أولئك بأن القرآن هو كلامُ الله تعالى بعد أن يسمعوه جعَلهم يتحوَّلون من الشِّرك إلى الإيمان عن قناعة ورضًا دون ضغطٍ أو إكراه؛ “لأنهم كانوا ﴿ لَا يَعْلَمُونَ [التوبة: 6]، ومن البديهي أن يؤمِنوا بعدما علِموا” – ص 8.

 

والدافع الثالث: إلصاق تهمة الإرهاب بالدِّين الإسلاميِّ في الآونة الأخيرة من أعدائه، ومباركتها من بعض أهله

 

كلُّ ذلك وهم غافِلون عن الحقيقة، وهي أن الدِّينَ الإسلامي هو دينُ الحق والسلام، لا دين الحرب والارهاب”، كما يقول المؤلف.

 

والدافع الرابع: هو أن مصدر التُّهَم السابقة “هو الجهل، ونقص الاطِّلاع، إذا استبعدنا التعصُّبَ وسوءَ النية”، وإصدار الأحكام بناءً على تصرفات فئات ثلاثة محسوبة على الإسلام، وهي:

1- المنافقون ولو صلَّوا ولو صاموا.

2- المستهترون المنحلُّون.

3- المغالون.

 

ثم يوضح المؤلفُ أهميةَ محو الجهل بالإسلام، والتفريق بين مبادئ الدِّين وتصرُّفات أتباعه، يقول بلُغَة الخبيرِ الذي عايش الحضارة الغربية عن قُرب، واختلط بأهلها من خلال دراسته واختصاصه وعمله:

ولقد رأينا بأمِّ أعيننا وما نزال نرى مثالبَ كلِّ الأنظمة الوضعيَّة..”.

 

.. “ذلك أنها كلَّها من وضعِ بشرٍ لم يؤتَوْا من العِلم إلا قليلاً، في حين أن الدِّينَ الإسلاميَّ من وضعِ خالق هؤلاء البشر“!

 

ويشير المؤلِّف إلى أن كلَّ ما سبق دفَعه لنشر تلك الأفكار، لعل القارئ – كما يقول – “سواء كان مسلمًا غيرَ مطلع، أو غيرَ مسلم يحبُّ الاطلاع، يجدُ في نفسه بعد قراءتها ما وجدتُه في نفسي بعد معرفتها..، فنَفِيء جميعًا إلى رُشدنا، وننبِذ جانبًا الأفكارَ المستوردة..” إلا ما صلَح منها.

 

ونعود إلى مصادرنا التي لا تنضب” ص 10.

 

ثانيًا: أبواب وفصول الكتاب:

القسم الأول:

هذا هو الإسلام:

كما هو متوقع, استغرق النِّصف الأول من العنوان: “هذا هو الإسلام” معظمَ الكتاب؛ حيث قسمه المؤلف إلى أبواب، تدرج خلالها:

من المسلم الفرد..

إلى الأسرة..

ثم إلى المجتمع المسلم.

 

وتحت كل باب فصولٌ يمكنُ أن تلتقي في مضامينها مع الأبواب الأخرى؛ (إذ الفرد والأسرة والمجتمع مكوِّنات للأمة، شديدة التداخل, والتقسيم هو للتبسيط والتنظيم)، وسنستعرض أهمَّ العناوين مع وقفات قصيرة عند بعضها:

في باب “الفرد المسلم” نجد فصولاً أربعة، هي:

1- العلم.

2- الصحة والقوة، (وتضمن: أربعة عناوين: الوقاية والعلاج, النظافة, الخمر, الزِّنا واللواط).

3- العمل الصالح.

4- التعامل.

 

في حديثه عن الإسلام والعلم, ساق المؤلِّف الآياتِ والأحاديثَ التي تبيِّن الارتباطَ الوثيق بينهما.

 

وقد يسأل المرءُ: أي العلوم هو المقصود؟ العلم الشرعي أم العلوم الدنيوية العامة؟!

لقد أشار المؤلِّف إلى هذه النقطة الخلافية, ورجَّح رأيَ العلماء القائل بأن المقصودَ بالعلم في القرآن الكريم كلاً من العلوم الدِّينية, والدنيوية، بما فيها الفَلك، والفيزياء، والكيمياء، والتاريخ، والجغرافية.

 

وفي الفصل الثالث بيَّن أن دستور الدِّين الإسلاميِّ يقوم على عِمادين: الإيمان والعمل الصالح، مشيرًا إلى اقترانهما في معظمِ آي الذِّكر الحكيم؛ (البينة 7 – الأنبياء 105 – البقرة 83..).

 

• وأخيرًا وضح المؤلِّف في فصلالتعامل اهتمام الإسلامِ بتنظيم علاقات الأفراد ببعضهم حتى في أدقِّ الأمور وأبسطِها؛ كتبادل التحيَّة، وإزجاء السلام, واستعرض بعضَ ضوابط ذلك التعامل؛ كالقناعة، والصِّدق، والحياء، والاعتراف بالجميل.. (وعناوين أخرى).

 

وعندما نفتح باب: “الأسرة في الإسلامنجد فصولاً هامة، يثير بعضُها جدلاً عامًّا اليوم، وهي:

1- اختيار الشريك.

2- حياة الزوجين.

3- الوالدان.

4- الأولاد.

5- تعدُّد الزوجات.

6- الطلاق.

 

وسأشير إلى نقاط مهمة من بعض هذه الفصول:

• فعن حياة الزوجين، افتتح المؤلِّف الفصلَ الثاني بقوله:

تقوم الأسرةُ الإسلامية على نظام التعاونِ بين الزوجين باقتسام العملِ بينهما، على أساس قوامة الرجل، ولا يعني هذا فوقيَّةَ الرَّجل، ولا دونيَّة المرأة“…

اقرأ أيضا  أوتشا : احتياطيات الوقود في مستشفيات غزة تكفي 24 ساعة فقط

 

ثم تحدَّث عن رِياح هبَّت من الغرب المتمدن (وهو أستاذ طبِّ النِّساء وفنِّ التوليد الذي تعامَل عن قُرب مع ذلك الغرب المتمدن) نادى المنادون عبرهابحقوقِ المرأة ومساواتها بالرجُل وحريتها وعملها..

 

ليتناول بعد ذلك كلَّ مفرَدة من تلك المفرَدات بالمناقشةِ الموضوعية المدعمة بآراءِ الخُبَراء الغربيِّين أنفسهم التي تُثبِت زيفَ تلك الدَّعاوَى، وفشَلَ تطبيقاتها العمَلية:

ففنَّد دعوى “المساواة ببراهين عامَّة وعِلمية في آن تميز عن كثير ممن سبقه للحديث في هذا الشأن

 

إلى أن قال: إن “المساواة بين الجنسين شيءٌ لا يوجدُ إلا في خيال بعض المكابِرين“.

 

وتحت عنوان: “الحريةردَّ على الخطأ السائد بأن الإسلامَ منَح الرجل حريات لم يمنَحْها للمرأة، يقول: “فالحرام حرام في الدِّين على الجِنسين، والحلال حلال للجِنسين” ص 82.

 

ثم خلَص بعد نقاش مركَّز تحت عنوان: “العمل – إلى الحقيقةِ الطِّبِّية والعِلمية التي يتم نسيانُها أو تناسيها، وهي:

أن تنشئةَ الأولاد هو العمل الأهمُّ الذي يجب أن تقومَ به المرأة”..، وكلُّ ما عدا ذلك يأتي بالدرجة الثانية.

 

وفي الفصل الخامس تحدَّث بإيجاز عن تعدُّد الزوجات، فتحفَّظ على إطلاقِه بدون قيود, لكنه أشار إلى أن ربَّ العزة أباحه غيرَ مقيَّد حين استدرك بقوله:

ولكنَّ اللهَ الذي خلَق البشر أعلمُ بطباعِهم، وأدرى باحتياجاتهم..”، “فأباح التعدُّد، وترَك الأمر مطلَقًا، فلم يحدِّد حالاتِ الإباحة..”؛ (ص 102).

 

وبعد أن ذكَر بعض القيود، عاد فأكَّد ضرورة التعدد، وكأنه بذلك يتخلَّى عن تحفُّظِه…، تلك الضرورة التي اعترَف بها غيرُ المسلمين، وتمنَّوْها لمجتمعاتِهم التي تعاني من التعدُّدِ غيرِ الشرعي وويلاتِه المثبتة علميًّا؛ كالسَّرطان والإيدز، (ناهيك عن تمزُّق الأسرة، وضياع الأنساب، وتدنيس الطفولة، وهو ما كان المؤلِّف تحدَّث عن بعضه في بحث: “الزِّنا والخمر”، وهي مِن نقاط التَّلاقي والتداخُل بين العناوين كما أشرت).

 

المادي.. والروحي:

وفي خاتمة هذا الباب الخاصِّ بالأسرة المسلمة نجدُ إشاراتٍ لطيفة وهامة لتميُّز الإسلام، بالتركيز على الأسس الرُّوحية والنَّواحي العاطفية والإنسانية، سواءٌ في العلاقةِ بين الزوجين، أو في تربية الأولاد، (مع عدم إغفال النَّواحي المادية)..، وبذلك جعَل الإسلامُ العلاقةَ بين أفراد الأسرة متينةً، لا تحكُمُها الأهواء المادية فتدمِّرها متغيِّراتُ الغِنى والفقر، والبذل والمنع، والصحَّة والمرض..

 

فمثلاً جعَل الإسلامبر الأولاد لوالديهما على أسس أخلاقية وروحية، فلم يذكِّر الأولادَ بما أنفق عليهم الوالدان، وإنما ذكَّرهم بالتعب الذي بذلاه – لا سيما الوالدة بالحمل والإرضاع – ولم يقُلْ لهم: أنفقوا على والديكم حين عجزهما، وإنما قال لهم: ﴿ لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: 23]” (ص 110).

 

وهذه الإشارة الرُّوحيَّة العاطفية من المؤلِّف شديدة الأهمية؛ لأننا نغفُلُ عنها، ويقصد تغييبها عمدًا، لا بل وتسفيهها أحيانًا – على أنها مثاليات وهمية – وذلك من قِبَل بعض المتكلِّمين بيننا بمشاكل التربية والمجتمع، بتنظير غربيٍّ مع أصباغ إسلامية، يأخذ منها المتكلِّم ما يناسب فكرتَه، ويدَعُ ما لا يناسبها! ليتمَّ بالمحصلة تكريسُ وتغليب العنصر المادي في تربية الأولاد، وفي التعامل مع المراهقين، باعتبار ذلك “أمرًا واقعًا ولا بد لنا من تقبُّله”، والتعامل معهم على أساسه! حتى لا نخسَرَهم، كما يقال!

 

إلى آخر ما هنالك من تبريرات..

فهذا التَّسفيه للجانب الإنساني والرُّوحي يمرَّر بحذر، ويتم خلاله إدراج نصوص دينية منتقاة بدقة، وبعضها مفصولٌ عن محيطه من الثوابت..، بحيث تقنع المتلقي العادي، وترجحِّ الجانب المادي! مع الإيهام بعدم إهمالِ العامل الرُّوحيِّ ظاهريًّا!

 

وانظُرْ أخي القارئ، هم يجعَلونه يبدو مجرد تقديم وتأخير في الترتيب، بينما هي مسألة وقت ريثما يتم إسقاط الناحية الروحية التي حرص على إبقائها في المؤخرة، ليشبَّ جيل لا يتعرفها، ولن يستغرب غيابها! مع الأسف! وتضمحل مشاعره، ولا يقدِّم العونَ والمعروف لأي إنسان، حتى أهله، إلا ببدَلٍ ماديٍّ.

 

ونُطِل عبر مدخل الباب الثالث الذي عنوانه: “المجتمع الإسلامي“:

لتستوقفنا معجزةُ الإسلام في جعلِ المجتمع أسرةً كبيرة لو طُبِّق بحق.

 

ثم نجد التفاصيل عبر ستة فصول، هي:

1- صلة الرَّحِم.

2- الجار.

3- الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكَر.

4- العدل.

5- المال والإنفاق.

6- الإسلام والإرهاب.

 

وسأقف مع القارئ عند بعض ما تضمنته تلك الفصولُ، دون أن أتقيَّد بترتيبها:

• والوقفة الأولى لنا مع أهمية صلة الرحم؛ حيث جعَلها الله تعالى – كما يقول المؤلِّف – أحد الأركان الأساسية في الإيمان بعد عبادة الله وبِرِّ الوالدين في خطابه لبني إسرائيل؛ (البقرة 83).

 

ومن مستلزماتها: البِر والإنفاق، ولكن هذا البِر والإنفاق المرتبط بصلة الرحم هو حقٌّ، وليس تفضلاً، بالنص القرآني؛ قال تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ [الروم: 38].

 

ويبيِّن المؤلِّف أن هذا الحقَّ هو معنويٌّ روحيٌّ، وهو ماديٌّ، “حتى لو أساء هؤلاء لِمَن أحسن إليهم”، مذكِّرًا إيَّانا بقصة الإفك وموقف الصِّدِّيق من مِسْطَحٍ، ومعاتبة القرآن الكريم له (ص 116).

 

وأن الأولوية في الإنفاق هي للأقارب، وفضلها يتفوَّق حتى على الإنفاق في سبيل الله؛ مستدلاًّ بالحديث الشريف: ((دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقتَه في رقبة، ودينار تصدَّقْتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلِك؛ أعظَمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِك))؛ (مسلم والترمذي وأحمد).

اقرأ أيضا  سنة صيام ستة أيام من شوال

 

والمؤسِف أن الموسِرَ يغلِبُ أن يتحرى الأباعدَ الغرباء ليبعث نفقتَه إليهم، متجاهلاً قريبَه المعدِم!

 

• ويعود المؤلِّف فيؤكِّد على هذه النقطة في فصل: “المال والإنفاق”، وهو الفصل الخامس من باب: “المجتمع الإسلامي“.

 

• سبحان الله، فهذا مع ما ورد في خاتمة الباب الثاني الخاص بالأسرة المسلمة، (وأشرنا إليه: ص2 – 3)، يجعَلُنا نتأمَّل ذلك التوازن المعجِز:

صحيح أن الإسلام قدَّم الأسسَ الرُّوحية، والمودة والرحمة، على المادية في الروابط الأسرية والمجتمعية، إلا أنَّه أدخَل العنصر الماديَّ في تفصيلات تلك العلائق، وكأنه أحدُ عناصرِ المِلاط بين لَبِنات البناء الاجتماعي.. تتجلى أهميتُه ضمن ظروف بيئية ومناخية محددة لهذا البناء وحسب، فنجدُه يدخل في صِلة الرَّحِم، في برِّ الوالدين، في صلة الجار والصَّديق، هو شيء هام، ولكن ليس كل شيء، وجوده حق، وهو يُمتِّن البناءَ في بعض مناحيه المؤثر، ولكن ضعفه أو نقص المنفقين بسبب الفقر أو قلة ذات اليد يجبُ ألا يخرب البناءَ، كما هو حال الحضارة المادية البَحْتة المتحكِّمة بالنظام العالَمي اليوم.

 

وفي فصل “الجار يقول المؤلِّف مبيِّنًا التناقض بين الإسلام والحدَاثة المادية:

الإسلام يسعى لبَذْر رُوح المحبَّة والإيثار بين الناس، والمدنية الحديثة علَّمَتْهم عدمَ التدخُّل في شؤون الناس لبذر رُوح الفردية والأَثَرة”! ومن جميلِ ما قاله:

ويبقى الإنسانُ حين الملمَّات أنفعَ مِن أي جهاز اخترعته المدنية؛ كالهاتف، وسيارة الإسعاف، وشرطة النَّجدة، والمطافئ؛ لأن الإنسان (سواء الجار أو غيره) هو الذي سيستدعي أو يحرِّكُ كلَّ هذه الأجهزة” ص 121.

 

• وفي الفصل الثالث من هذا الباب الخاص بالمجتمع يبيِّن المؤلِّف (مستدلاًّ بالقرآن الكريم والسنَّة النبوية): أهمية عمل المعروف والانتهاء عن المنكر، ودعوة الآخرين لذلك؛ “لأن الإنسانَ لا يعيش وحدَه في هذه الدنيا، إنما يعيش مع الناس” ص 124.

 

• وفي الفصل الأخير من “المجتمع الإسلامي” فنَّد المؤلِّف تهمةَ الإرهاب، واستشهد في ذلك بكلام مستشرق يهودي هو “كولدزهير”، وهو يعزو انتشار هذه الفِرية لعدةِ عواملَ، منها: الجهل بالإسلام والمسلمين، (ناهيك عن التَّجهيل.. والتجاهل).

 

وبهذا نخرج إلىالقسم الثاني من الكتاب:

أين المسلمون؟!

بعد كلِّ ما سبق ندرك أن المؤلِّف قصَد بسؤاله ذاك: المسلمين الذين يترجمون الإسلامَ الحقيقي واقعًا حضاريًّا حيًّا ينقِذ البشرية من شِقوتها، وقد بدأ بحثَه بوقفة تاريخية سريعة، أهم محطاتها:

1- الفِتَن الداخلية التي فرَّقت المسلمين في مرحلة مبكِّرة منالدعوة.

 

2- الغزو الخارجي الصليبي.

 

3- هدم الدولة العثمانية آخر معاقل الإسلام بعد تشويه سمعتِها، ثم تقسيمها واحتلالها من المنتصرين في الحرب العالمية الأولى.

 

4- الهجمة الحالية الشرسة التي تصوِّر الإسلامَ على أنه “مصدرُ الخطر الأكبر على العالم المتمدن” ص160.

 

وفي الفصل الأول تحت عنوانحاضر المسلمين” بحث المؤلِّف أسبابَ التشتت والتقزُّم، ونقاط الضعف بين المسلمين: كأفراد، ثم كمجتمعات، ثم مِن خلال علاقتهم مع الشعوب غير الإسلامية التي أكثرُها يناصِبُهم العداء، كما يقول: “لجهل بالإسلام، أو لغاياتٍ استعمارية، أو تعصُّب أعمى دون فهم” ص166، وذكَر أن الصِّهيونية تغذِّي ذلك بوسائلَ، من أهمها: الإعلام، الذي لا يخفى دوره في “حرف الحقائق وبثِّ الأكاذيب”، بينما نحن غافلون أو متغافلون، أو منبهرون بالعدوِّ القويِّ، لدرجة التقليد الأعمى، وأخذ القشور، وعدم استغلال الثروات كورقةِ عِلم وتعليم وعمل ضاغط، بل يغلب إتلافُها في المتع واللَّعِب واللَّهو، أو التِّجارات التي تُقوِّي أعداءنا (ص167).

 

وفي الفصل الثاني يحاول المؤلِّف دفعَ اليأس، وبثَّ الأمل، مذكرًا بما مر بنا تاريخيًّا من مِحَن شديدة تغلَّبْنا عليها، كما أن بذورَ الفساد والنَّخر والتآكُل منتشرةٌ في أنسجة جسم الحضارة المادية المتربصة بنا، (من مخدِّرات، وجرائم وأمراض جنسية ونفسية، إلخ، وكأنهم: ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ [الحشر: 2])، وبالمقابل هنالك مؤشرات على تنامي الوعي في شعوب تلك الحضارة، وظهور معتدلين يتحرَّوْن حقيقةَ الإسلام وبراءتَه مما يُنسَب له، وهنالك صحوة إسلامية محلية وعالَمية – بحمدِ الله تعالى.

 

ثم يبيِّن لنا المؤلِّف كيف نحيل الآمال السابقة إلى أسس عملية للنهوض، تحت عنوانالعودة إلى معرفة الدِّين الصحيح، ومن أهم أبواب هذه العودة التوجُّه إلى الناشئة بتلك المعرفة، سيما وأنه كان تحدَّث عن الواقع المؤلم لهذه الفئة، وهي أمل الأمة، (مثال ص163، تحدَّث عن: انعدامِ التوجيه الصحيح للجيل الصاعد انعدامًا تامًّا، سواء في الأسرة أو المدرسة، إن لم يكن هناك أحيانًا توجيه سيئ، أو توجيه مشين، فتعصِف به الأهواءُ والتيَّارات الفكرية”؛ لذلك هو متيقن أن العودةَ لتلك المعرفة هي واجب، وليست ترَفًا فكريًّا أو إضافة جانبية، يقول: “الواجب إذًا أن يتعلَّمَ المسلم مبادئَ دينه تعلمًا كافيًا، ولا يكون ذلك إلا بالتعليم منذ الصغر، وباستمرار في كلِّ مراحل التعليم، قد يعجب بعضُهم من هذه الفكرة، ويرون أنها غريبة غير منطقية، وأنا أعجبُ من عجبهم..”، ثم يبين لنا سرَّ تعجُّبه، ثم يعود فيؤكد: “إن الدروس الدِّينية يجب أن تغطيَ كلَّ مراحل التعليم منذ المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، ولكن بمستويات مختلفة”، مبيِّنًا انعكاس ذلك على الجامعي عندما يمارس اختصاصه: “إن الطبيبَ المسلم لا يغشُّ مرضاه فيجري لهم عملياتٍ جراحية غير ضرورية، والمهندس المسلم لا ينقص من الحديد والإسمنت فتنهار السدود، أو تسقط الجسور..”، “والمحامي المسلم لا يُدافِع عن المجرم، والقاضي المسلِم لا يرتشي أو ينحاز أو يبرئ مجرمًا، ويجرِّم بريئًا….” ص 172.

اقرأ أيضا  قلق أممي من تزايد الضحايا المدنيين باشتباكات غربي ميانمار

 

وأورد المزيد من الأمثلة التي لا تقلُّ أهمية، ثم بيَّن تحت عنوان “كيف الوصول إلى هذا؟” أنَّ الوسائل عديدةٌ ومتاحة، وأحسنُها التطبيق الرسمي من واضعي مناهج التعليم، فإن لم يتيسر ذلك أمكن القيامُ به “بالعمل الشعبي وحتى الفردي”؛ فالإسلام انتشَر لأقاصي الأرض عبر العلاقات التِّجارية والتعليم الفردي، وليس الحكومي، كما أن “الحركة الصِّهْيونية التي تسيِّر العالم اليوم نشأت ونمت دون حكومة، وإنما هي التي أنشأت الحكومةَ بعد عمل دؤوب” ص174.

 

ولقد ختم المؤلِّف هذا الفصل بسبعة مبادئ مركَّزة، من المفيد للقارئ الاطلاع عليها، وإعمال فِكره بها، وعكسها على واقعه، وكيف يبني خطواته وَفْقها قبل أن ينقُلَه المؤلِّف (الطبيب) إلى المزيد عن خطة العلاج.

 

الفصل الثالث: العمل والخطة:

وهي تسير وَفْقَ نفس عناوين تشخيص المرض في الفصل السابق) الفرد، فالمجتمع المسلم، فالمجتمعات الأخرى):

البدء بالفرد: وضمَّنه المؤلِّف أمورًا، منها:

• أهمية محاسبة النفس (يوميًّا)، وهو أمر طيِّب إن كان بقصد الإصلاح، وليس لمجرَّدِ إراحة الضمير.

 

• الجهاد، كلٌّ من الثَّغْر الذي أنيط به، وبالمتاح من الوسائل، وأورد أمثلة هامة، منها: الدعوة إلى الإسلام، أو الأخذ بيد ضالٍّ للهدى (ص177)، أو الرد على المفترين على تاريخنا، والداعين للانسلاخ منه، بدعوى أن فيه الكثيرَ من العيوب والمخازي، وأشار هنا إلى تشويهين كبيرين:

1- في تاريخ هارون الرشيد.

 

2- في تاريخ السلطان عبدالحميد الذي قال عنه: “وما زِلْنا نعيش الكذبةَ الكبيرة، ونردِّدُها بغباء بتشويه سُمعة السلطان عبدالحميد..”، أو المساهمة في إيقاف تغلغل أعداء الإسلام؛ فكريًّا واقتصاديًّا، من خلال الممارسة اليومية لكل فرد، (تشجيع المنتج الوطني مثلاً) (ص179).

 

المجتمعات الإسلامية:

يبدأ المؤلِّف بتذكيرنا بأن المسلمين هم إخوةٌ مهما بعُدت الشُّقَّة، وتباينت الأوطان، وصحيح أن التخلِّي عن هذه الأخوة واليأس من تحققها هو الداءُ، إلا أن وجودها هو الدواءُ لمعظم مشاكلنا الناجمة عن التشتُّت الفكري، وكثرة التيارات الفكرية المتباينة في الشعوب المسلمة، كما سبق للمؤلف ذِكره (ص163)، وخلص إلى أنه: “إذا لم يكن للأمَّةِ مفاهيمُ واحدة توحِّد أفرادها، وتحكُمُ سلوكهم، فمن المستحيل أن تجتمع كلُّها ويكون لها وزن بين الأمم”)؛ لذلك هو يدعو للتعارف الذي يتجاوز نطاق القربى (المتينة بداهة، كما مر في الفصول السابقة)، إلى الحيِّ والمجتمع والأمَّة، مشيرًا إلى أن الإسلامَ شرَع صلاة الجماعة والجمعة والحج لتحقيق ذلك، ومشجعًا على استغلال كل ما يتاح اليوم للتواصل بما فيه الإنترنت، ولعل القارئ هنا يقول بمرارة: نحن نبتر الموجود من صلات، فكيف نبني من جديد؟! ولكن المؤلِّف لا يرى ذلك، إنه يرى بحُرقة المهتمِّ بشأن أمَّته أن “السعي لتحقيق هذا المجتمع المسلم أصبح قضيةَ حياة أو موت لكل المسلمين..”، عبارة فيها ما فيها، ولكنك لن تلبَثَ أن ترددها مع المؤلِّف بعد التدبُّر والتأمُّل، لا سيما إذا قرأتَ خاتمة الكتاب.

 

خاتمة الكتاب:

هذه الخاتمة هي حوار جرى عام 1942، يقول المؤلِّف: إنه أعاد نقله لنا دون زيادة حرف واحد، وإن زميله الذي رواه له ما زال حيًّا يُرزَق، “أما الزميل العراقي اليهودي – وهو الطرف الثاني بالحوار – فلا أعلَمُ ما أحدث به الزمان..”.

 

إنه حوار بين طالبين في كلية الطب، جرى في منزل أحدهما في حيِّ اليهود بدمشق، حوار يجعلك – أخي القارئ – تحبِس نفسك، تُعيد قراءةَ صفحات من الكتاب من جديد، يجعَلُك – وكلمات منه ترن بأذنيك – تُعِيد النظر في نفسك

 

وما قدَّمتَه لأمتك..

 

وما يمكن..

 

وما يجب… و..

 

وبهذه الوقفة مع خاتمة الكتاب، أختم وقفاتي مع الكتاب: “هذا هو الإسلام، فأين المسلمون؟!” للأستاذ د. إبراهيم حقي [ط الأولى 1424هـ – 2003م / توزيع دار الفكر بدمشق].

 


[1] أ.د إبراهيم حقي، تعريف موجز:

أستاذ وعميد كلية الطب السابق، وأول رئيس لقسم التوليد وأمراض النساء بجامعة دمشق، شغل منصب رئيس الرابطة العربية لجمعيات اختصاص التوليد وأمراض النساء، ونقيب أطباء دمشق، أحد مؤسسي المجلس العربي للاختصاصات الطبية (البورد العربي)، عضو الجمعية الفرنسية للخصوبة.

المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.