حرية العقيدة والعلاقة مع غير المسلمين

الإثنين،6جمادى الثانية1435 الموافق7نيسان/أبريل 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.

د. محمود الحاج قاسم محمد

من حقوق الإنسان في الإسلام
حرية العقيدة والعلاقة مع غير المسلمين
مقدمة:

لقد قام شرذمة (بتمويل صهيوني وإخراج قبطي متطرف) في الأيام الماضية بإنتاج وعرض فلم في الولايات المتحدة يسئ للإسلام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. الأمر الذي يستوجب على كل مسلم غيور أن ينتصر لدينه ونبيه ويستنكر هذا العمل المشين. هذا المقال هو رد على أولئك الأوباش، وتبيان لحقيقة (حرية العقيدة والعلاقة مع غير المسلمين) لمن يود أن يعرف حقيقة الإسلام والمبادئ السامية التي نادى بها رسولنا الذي بعثه الله رحمة للعالمين.

بعد هذه المقدمة نقول
من طبائع بني البشر في الغالب اتخاذهم عقائد يلتزمون بها، وهذا حق من حقوق الأفراد، يعتنقون الدين الذي يريدونه ويؤدون مراسيم شعائر تلك الأديان.


وفي الوقت الذي يحث الإسلام أتباعه على الدفاع عن دينهم الحنيف والعمل على نشره بالجهاد وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك، لم يحمل أحداً بالقوة على اعتناقه، فقد أمر سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بعدم جواز الإكراه في الدين، وعندما فتح المسلمون مصر والشام وفارس والأندلس لم يفرضوا الإسلام بالقوة، بل تركوا أهل الأديان الأخرى أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية، معتبراً حرية الناس في عقائدهم مكفولة مقدسة في ظل الإسلام وتحت رايته، ويمكن تلمس ذلك من خلال النصوص القرآنية ووصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء وبنود المعاهدات والاتفاقات مع غير المسلمين.


أ- النصوص القرآنية:
1- 
لم يستجب الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى دعوة طفيل بن عمرو الدوسي حين رغب أن يرسل معه قوة محاربة لحمل قومه على الإسلام بالقوة وقال: ((عد إلى قومك فادعهم وأرفق بهم)).


وجاءه عليه الصلاة والسلام صحابي من أهل المدينة يسأله أن يحمل ولديه على الإسلام بالقوة. فنزل قول الله تعالى﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ﴾ أي ظهر في هذا الدين الرشد والعلاج والهدى فلا داعي للإكراه.


2- 
وقال تعالى مخاطباً رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ [الغاشية: 22، 23].

 

وقال سبحانه أيضاً: ﴿ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29].


وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس: 99].


3- 
وبدلاً من الإكراه أمر سبحانه وتعالى أن يدعو المسلمون غير المسلمين لاعتناق الإسلام بالعقل والاستدلال والمنطق والحكمة والموعظة الحسنة فقال جل جلاله﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ  [النحل: 125].


انظر إلى التلطف الكريم في الإعلان عن حرية الرأي وفي طريقة الجدل فيه. إنه سبحانه لم يقل صراحة لرسله الكريم – صلى الله عليه وسلم -، إنك أنت على حق مع أنه – صلى الله عليه وسلم –  على حق. ولم يقل – تعالى – صراحة أنهم على باطل مع أنهم كانوا حقاً على باطل، ولكنه تأنى لإيراد هذا المعنى بالصورة الحسنة، التي لا تغضب المجادل، الذي أعطاه الحرية الكاملة في الإعلان عن رأيه، فقال – سبحانه -: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ  [النحل: 125] (الدكتور جميل سعيد: الإسلام وحرية الرأي (مقال) مجلة المجمع العلمي العراقي، جزء 1، مجلد  26، 1985، ص 102).


4- 
وتلطف سبحانه في مجادلة أهل الكتاب فقال: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46].


وفي آية أخرى يقول عز وجل للمسلمين: ﴿ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].


وقال سبحانه أيضاً:﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ [آل عمران: 64].


بهذه الروح من الحرية والتسامح، دعا الإسلام إلى الإعلان عن حرية الرأي، وإلى الأخذ بالتلطف فيه بالقول والفعل.


5- 
ومن وصايا القرآن الكريم أن الدفاع في الحروب يجب أن يكون بقدر العدوان … وقد نص على هذا قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194]. لأن الحرب للضرورة والضرورات تقدر بقدرها.


((
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير قال: كانت المرأة من الأنصار إذا كانت نزرة أو مقلاة، تنذر لئن ولدت ولداً لتجعلنه في اليهود تلتمس بذلك طول بقاءه، فجاء الإسلام وفيهم منهم. فلما أجليت بنو النضير، قال الأنصار يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا فيهم، فسكت عنهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فنزلت الآية: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ   [البقرة: 25]. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((قد خير أصحابكم، فإن اختاروكم فإنهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم فأجلوهم معهم)) (الشيخ عبد الحميد السائح: حقوق الإنسان (مقال) مجلة الوعي الإسلامي، السنة1، العدد 4، أغسطس 1965،  ص 25).


6- 
وهنا لابد من الإشارة إلى أن القرآن لم يحرم استخدام أهل الكتاب في الأعمال التي يصلحون لها، وأن الإسلام ينظر إلى من عاهدهم من اليهود والنصارى على أنهم قد أصبحوا من الناحية السياسية أو الجنسية مسلمين، فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وإن بقوا من الناحية الشخصية على عقائدهم وعباداتهم وأحوالهم الخاصة. ولا يرى حرجاً من أن يشتغل مسلم عند أهل الكتاب، أو يشتغل أهل الكتاب عند مسلم. وبذلك فهو يقيم نظمه الاجتماعية على أساس الاختلاط والمشاركة.


وإن كان كثيراً من اليهود والنصارى لا يقدرون هذا النبل وربما استغلوا هذه السماحة في الإساءة إلى الدين الذي وسعتهم دائرته المرنة.


ولو تصفحنا تاريخ غير المسلمين الذين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية نجدهم كانوا مساوين للمسلمين يتقلدون مناصب الدولة كالمسلمين متمتعين بكامل حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، الأمر الذي أدى إلى بروز العديد من الشعراء والأدباء والأطباء والفلاسفة من اليهود والنصارى والصابئة لا يتسع المجال لسردهم.


ب- وصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم –  ومعاهداته:
إذا كانت الحروب استثناءً في الإسلام فإنها لم تترك في هذه الحالة الاستثنائية مطلقة بل مقيدة بالوصايا والمبادئ التي أوصى بها الرسول – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه من ذلك:
1- 
أخرج أبو داؤد عن رجل من جهنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم، فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك. فإنه لا يصلح لكم)).


2- 
وعن العرباض بن سارية قال: ((نزلنا مع رسول الله قلعة خيبر، ومعه من معه من المسلمين، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً متكبراً. فأقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((يا محمد لكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا.


فغضب رسول الله – لما حدث – وقال: يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد، إن الجنة لا تحل إلاّ لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا، ثم صلى بهم، ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئاً إلاّ في القرآن. ألا وإني لقد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء، إنها لمثل القرآن أو أكثر. وأن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلاّ بإذن، ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم، إذا أعطوا الذي عليهم)) (محمد الغزالي: التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، دار الكتب الحديثة، مطبعة حسان – القاهرة، بدون تاريخ ص 52).


3- 
ومن وصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم – للمحاربين المجاهدين: ((لا تغدروا ولا تقتلوا وليداً وستجدون رجالاً في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغيراً ولا كبيراً فانياً ولا تحرقن نخلاً ولا تقلص شجراً ولا تهدم بيتاً)).


4- 
وهذا عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأهل نجران وقد كانوا نصارى: ((…. ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله …. على أموالهم، وأنفسهم، وملتهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعتهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير … ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته … وليس عليهم دية … ولا دم جاهلية … ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين، ولا مظلومين)) (أحمد عبد الرحيم السائح: الإنسانية في ظل الإسلام (مقال) مجلة الرسالة الإسلامية، العددان 121 – 122، 1979، ص 71، نـقلاً عن محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية، ص 8).


((
وكتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى عمر بن حزم (رسوله إلى بني الحارث باليمن) أوصاه فيه بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون …. وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله …. وأن يخبر الناس بالذي لهم، والذي عليهم، ويلين للناس في الحق، ويشتد عليهم في الظلم. وأنه من كره الظلم، ونهى عنه، فقال:﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18]…. وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاماً خالصاً من نفسه، ودان بدين الإسلام، فإنه من المؤمنين، له مثل مالهم، وعليه مثل ما عليهم … ومن كان على نصرانيته أو يهوديته، فإنه لا يرد عنها)) (ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، دار إحياء التراث العربي – بيروت، بدون تاريخ، جزء 4، ص 241 – 242).


5- 
وكان يوحنا بن رؤبة …. صاحب أيلة، أحد الأمراء المقيمين على الحدود …. وقد وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، إليه رسالة فأقبل يوحنا، وعلى صدره صليب من ذهب وقدم الهدايا، والطاعة، وصالح الرسول – صلى الله عليه وسلم – … كما صالحه أهل الجرباء وأذرع (قرى على حدود الشام) …. وكتب لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، كتاب أمن جاء فيه
((
بسم الله الرحمن الرحيم، هذه آمنة من الله ومحمد النبي في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن وأهل البحر …فمن أحدث منهم حدثاً، فإنه لا يحول ماله دون نفسه … وأنه طيب لمحمد، أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماءً يردونه ولا طريقاً يريدونه من براً وبحراً)) (السائح: أحمد عبد الرحيم (مصدر سابق).


6- 
وروي عن ميمون بن مهران … قال: ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء … من عاهدته، فوف بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله … ومن كانت بينك وبينه رحم، فليصلها، مسلماً كان أو كافراً …. ومن ائتمنك على أمانة فأدها، مسلماً كان أو كافراً)) (المصدر السابق).


7- 
ولقد ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، المثل الأعلى في الوفاء بالعهود … ومن ذلك … بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، يكتب الكتاب في صلح الحديبية هو وسهيل بن عمرو … إذ جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو … وهو يرسف في الحديد قد أفلت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.


وقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فلما رأوا ما رأوا من الصلح، والرجوع، وما تحمل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نفسه، دخل على الناس من ذلك أمر عظيم … حتى كادوا يهلكون. فلما رأى سهيل أبا جندب قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بتلابيبه … ثم قال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك، قبل أن يأتيك هذا


قال: صدقت. فجعله ينتره بتلبيه، ويجره ليرده إلى قريش … وجعل أبو جندب يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أ أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يا أبا جندب اصبر، واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً. إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك … وأعطونا عهد الله وإنّا لا نغدر بهم)) (ابن هشام: السيرة النبوية – ج 3، ص 783).


8- ((
وكان من هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، كلما بعث بعثاً أو أرسل سرية … أن يوضح لهم الهدف ويبين لهم الخطوات.


ومن ذلك ((تألفوا الناس، وتأنوا بهم، ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت من مدر، ولا وبر، إلاّ أن تأتوني بهم مسلمين، أحب إلي من أن تأتوني بأبنائهم، نسائهم وتقتلوا رجالهم)) (المصدر السابق نفسه).


كل ذلك مراعاة للإنسانية وحرصاً على الوصول بها إلى الكمال وبذلك يثبت الإسلام، حرصه الشديد على هداية الناس أكثر من الحرص على تحقيق نصر حربي، تنقل فيه الغنائم والأسلاب.


ويعلنها مدوية بأنه دين مسامحة مع المسالمين، ولن يحارب إلاّ من أجل الحق، ونصرته وتكريم الإنسانية، وحريتها …. سبيله الدعوة بالحكمة، والموعظة الحسنة، ويتسع لكي يعيش في كنفه الأصدقاء ويستمتع بعدله كل الناس ما وفوا بالعهد، وكانوا مسالمين.


ج- وصايا ومعاهدات الخلفاء الراشدين:
1- 
من وصايا الخليفة الأول أبو بكر الصديق – رضى الله عنه -: 
لا تخونوا أو تغدروا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً وشيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً.


2- 
ومن وصايا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضى الله عنه -: 
إني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم ولو ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل بالقوة (الزلمي: (مصدر سابق)، ص 45).


3- ((
واستمتاع الذميين بحريتهم الدينية وضمانهم لمصالحهم العامة كان ملحوظاً في المعاهدات التي أبرمت بينهم وبين المسلمين في إبان الفتوحات الكبرى وإليك نص المعاهدة التي أمضاها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- مع رسل (سفرنيوس) أسقف بيت المقدس كنموذج لموقفه مع المسيحيين، إذ قال كما روى الطبري:
((
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل (إيلياء) من الأمان.


أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من غيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.


وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما أعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم. ومن كان بها من أهل الأرض مما شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله. وأنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد وذمة رسوله، وذمة الخلفاء وذمة أمير المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية)).


وختم عمر الكتاب بتوقيعه وشهد عليه خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.


ومسلك عمر ليس إلاّ استجابة لقول الله تبارك وتعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  [المائدة: 8].


فالعدالة – ولو مع الأعداء المبغضين – خلق فرغ الإسلام من توفيره في سياسة الجماعات والأفراد ولو كانوا خصوماً فكيف إذا كانت السياسة تجاه معاهدين مسالمين)) (الغزالي: (مصدر سابق)، ص 49 – 50، 53).


4- 
ومن وصايا الخليفة الرابع علي بن أبي طالب -رضى الله عنه-: ((إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدنى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة من سفك الدماء بغير حقها فلا تقو سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله))(الزلمي: (مصدر سابق)، ص 45).


ومن أقواله كرّم الله وجهه في أهل الذمة ((من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا)).


ومما سجله الفقهاء حول أهل الذمة:
• 
على المحتسب أن يمنع المسلمين من التعرض لهم بسب أو أذى ويؤدب من يفعل ذلك بهم.


• 
إذا وقع الذميون رعية الدولة الإسلامية في أسر قوم من أهل الحرب، ارتبطوا بأمان مع دولة المسلمين، كان على دولة المسلمين نقض العهد لاستنقاذ الذميين.


• 
ويجب كف الأذى عنه وتحريم غيبته كالمسلم.


وقد أفتى الإمام الليث بن سعد، في شأن الذميين إذا وقعوا أسرى في أيدي العدو، بقوله:

((أرى أن يفدوهم من بيت المال (في الدولة الإسلامية) ويقرون على ذمتهم)).


ومن التطبيقات التي مارست فيها الدولة الإسلامية المسؤولية الكاملة عن حماية أهل الذمة ما حدث حين أراد أمير التتار قطلوشاه إطلاق سراح الأسرى المسلمين دون الذميين الأمر الذي رفضه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال للأمير التتري، لابد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذي هم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة فأطلقهم، وأصر المسلمون على هذا الموقف حتى أطلق سراح الجميع)) (فهمي هويدي: أهل الذمة، قراءة في النصوص (مقال) – مجلة العربي، العدد 270، مايو 1981، ص 40).


وقبل أن ننهي الحديث عن حرية العقيدة ربما يقال ونحن بصدد هذه الدراسة، إذا كان هذا موقف الإسلام من حرية العقيدة، ففيم كانت غزوات الرسول وفتوحات الخلفاء الراشدين، وفيم كانت الجزية وعقوبة المرتد عن الإسلام.


والرد على ذلك أنها لم تكن لتحمل الناس على اعتناق الإسلام بالقوة بدليل المصالحات والمعاهدات وعقود الأمان التي تمت بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وخصوم الدعوة حين رغبوا في هذا وأعلنوا ترك الحرب، وبدليل العهود التي أعطاها الخلفاء الراشدون لغير المسلمين، وإنما كانت هذه الغزوات والفتوحات لتأمين الدعوة من أعدائها الذين يجمعون للقضاء عليها أو يتحينون الفرصة لإضعافها)).


((
أما مسألة الجزية فقد فرضها الإسلام على أهل الكتاب لا لإجبارهم على الإسلام وإنما كان ذلك مقابل حمايتهم والدفاع عنهم وإعفائهم من التجنيد لأن المفروض أن القتال في الإسلام إنما يكون لحماية الدين كلما تعرض للاعتداء ومن غير المعقول أن يأتي غير المسلم يدافع عن دين الإسلام)).

المصدر :الألوكة

اقرأ أيضا  مستقبل انتفاضة القدس
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.