المصادر الإسلامية وحماية الإنسان وحرية الفكر

الإثنين،6جمادى الثانية1435 الموافق7نيسان/أبريل 2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا“.

أ. د. عبدالحليم عويس

المصادر الإسلامية وحماية الإنسان وحرية الفكر

من المعروف أن القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للإسلام والشريعة الإسلامية والأحكام الفقهية المنبثقة عنهما.

والإسلام يكرِّمُ كلَّ الناس بصفتهم الإنسانية، وبصرف النظر عن أصلهم وألوانهم وأديانهم، يقول الله – تعالى – في القرآن الكريم: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، ويقول الله في القرآن الكريم أيضًا: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4].

 

ويقرر الإسلام في شريعته العدلَ لكل الناس، بصرف النظر عن أجناسهم وأديانهم ومدى قربهم من مفهوم الإنسانية أو بُعْدهم عنه، يقول الله – تعالى – في القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8]، ويقول الله – تعالى -: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: 58].

 

وإذا كان الإسلام قد قرَّر كرامة الإنسان وأفضليتَه بصفته الإنسانية المطلقة المجردة، كما أنه قرَّر العدل بين كل الناس بصفتهم الإنسانية، بعيدًا عن النظر إلى أديانهم وأجناسهم، فإنه قد قرَّر أيضًا حرية الإنسان الدينية بصفة عامة، وحرية أصحاب الشرائع السابقة المقرونة باحترام أديانهم وتقديرها بصفة خاصة؛ حيث إن جوهر الشرائع الصحيحة النازلة من السماء واحد، لا يمكن أن يتناقض أو تتصادم مبادئه الكليَّة، يقول الله – تعالى – في القرآن للرسول – عليه السلام – مؤكدًا هذه الحقيقة ومعترفًا بالشرائع السماوية الصحيحة السابقة، ومطالبًا كل الشرائع – (الإسلام والمسيحية واليهودية) – بالاحتكام إلى الحق والعدل، يقول الله في القرآن للرسول – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين: ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت: 43]، ويقول: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [المائدة: 48]، ويقول: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: 13]؛ فالإسلام مكمل للشرائع السابقة، وخاتم لها، ومطهرها مما أصابها من أهواء الناس!

اقرأ أيضا  بيعة الخليفة في عهد الخلافة الراشدة

 

وبالإضافة إلى هذه النظرة الكريمة السمحة إلى الأديان السابقة، يؤكد الإسلام بصراحة حريةَ العقيدة لكل الناس، فيقول الله في القرآن: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256]، ويقول القرآن أيضًا: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29]، ويقول: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس: 99]، ويقول: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام: 107].

 

ولقد أخذ الإسلام بمبدأ الحرية الدينية قبل أن تعرفه دول الأرض جميعًا، وتقوم هذه الحرية الدينية في الإسلام على ثلاثة مبادئ، هي:

1- الحرية في اختيار الدين.

2- الحرية في المناقشات الدينية.

3- الإيمان الصحيح، ويكون مبنيًّا على إقناع واقتناع.

 

وبالنسبة للمبدأ الأول، وهو الحرية في (اختيار الدين) الذي يعتنقه الإنسان، فلا يرغم الإسلام ذميًّا على ترك دينه واعتناق الدين الإسلامي!

 

فقد سار المسلمون على هذا المبدأ في حروبهم، فكانوا يتركون أهل البلاد المفتوحة وما يدينون به، بشرط الولاء للحكومة الجديدة.

اقرأ أيضا  صلة الرحم

 

وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في كتابه إلى أهل بيت المقدس بعد فتحِه: “هذا ما أعطى أميرُ المؤمنين إلى أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أمانًا لأنفسهم ولكنائسهم ولصلبانهم…لا يُكْرَهون على دينهم ولا يُضَام أحد“.

 

ومن آثار الحرية الدينية ما رسمه الإسلام من حسن معاملة الذميِّين؛ إذ يقول الله – تعالى – في كتابه العزيز: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: 8- 9].

 

وبالنسبة للمبدأ الثاني – وهو حرية المناقشات الدينية – فقد أتيحت هذه المناقشات للمسلمين ولغير المسلمين، حتى إن الخلفاء أنفسَهم كانوا يشتركون في تلك المناقشات، ويقول الله في القرآن الكريم: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46]، ويقول لأهل الديانات غير الإسلامية: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 111]، ويقول – سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64].

 

وبالنسبة للمبدأ الثالث، وهو الإقناع والاقتناع قبل اعتناق الدين الإسلامي، بحيث لا يُرْغَم ذميٌّ على ترْك دينه؛ لأنه لا جَدْوَى من الإيمان بغير اقتناع، فالمسلم إذا كان ضعيفَ الإيمان مُخَلْخَل العقيدة، لا يمكن الاعتماد عليه أو الاعتداد به، فكيف بإرغام غير المسلم؟! إنه لا يجوز بمنطق الإسلام!

 

ولذلك يحث الإسلام على التفكير العقلي الجادِّ في مخلوقات الله، والإيمان إيمانًا صحيحًا سليمًا، فقد رأى بعض الفقهاء أن إيمان المقلِّد غير صحيح، ويقول الإمام محمد عبده في ذلك: “إن التقليد بغير عقل ولا هداية هو شأن الكافرين، وإن المرء لا يكون مؤمنًا إلا إذا عَقَل دينه وعَرَفه بنفسه حتى اقتنع به“.

اقرأ أيضا  لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم

 

وفي العصور الإسلامية القوية ألَّف كثير من اليهود والنصارى كتبًا في مهاجمة الإسلام والمسلمين؛ مثل (ابن النغريلةاليهودي في الأندلس، وتحدَّوا مشاعر الأكثرية الإسلامية في تلك العصور، وكانت السلطة الإسلامية تحميهم من غَيْرة المسلمين، أو من إيذائهم، وقد قامتْ مناقشات دينية كثيرة بين طوائف من أهل الذمة والمسلمين، ولم يُرغِم المسلمون يهوديًّا أو نصرانيًّا على اعتناق الإسلام، حتى ولو انتهت هذه المناقشات بهزيمة غير المسلم!

 

ومن الأكاذيب ربطُ بعضهم بين الفتوحاتِ الإسلامية وانتشار الإسلام، فوقائع التاريخ تكذِّب ذلك؛ بدليل أن الإسلام لم ينتشر في هذه البلاد إلا بعد عدة قرون، وبدليل قاطع آخر، هو أنه انتشر في بلاد لم يفتحها بسيوفهم المسلمون، بل انتشر نتيجةَ التجارة والمخالطة والمعاشرة، كما أنه ينتشر اليوم في بعض البلاد المتقدِّمة، مع أن الدول الإسلامية محسوبة من الدول الضعيفة المتخلِّفة!

 

وربما يرى بعضهم أن موقف الإسلام من الرِّدَّة يخالف حرية العقيدة؛ فالحقيقة أن هذا الموقف ينبع من تقدير الإسلام للدين من أنه عقيدة ونظام، ودين ودولة، فالمرتدُّ المتبجِّح بردَّته والمُعلِن لها يتحدَّى البناء الاجتماعي للدولة الإسلامية، ويعمل على تقويض دعائمها، ولو أنه عاقلٌ مرتدًّا دون هذا الإعلان والتبجح والتمرد على سلطان الدولة، لما ناله أذى؛ فالتجسُّس على شؤون الناس ممنوع في الإسلام!

المصدر: الألوكة

 

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.