من أركان العقيدة .. الإيمان بالرسل
السبت،11جمادى الثانية1435هالموافق12نيسان/أبريل2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا“.
علي محمد مقبول الأهدل
تعريف الإيمان بالرسل والفرق بين الرسول والنبي:
الإيمان بالرسل هو: التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعاً مرسلون صادقون، قد بلغوا جميع ما أرسلهم الله به، منهم من أعلمنا الله باسمه، ومنهم من استأثر الله بعلمه[1].
والرسول في اللغة: المرسل، والإرسال هو التوجيه، فإذا بعثت شخصاً في مهمة فهو رسولك، ورسالة الرسول ما أمر بتبليغه عن الله، ودعوته الناس إلى ما أوحي إليه[2].
أما النبي لغة: فهو مشتق من النبأ وهو الخبر، قال تعالى: ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ [النبأ: 1، 2]، وإنما سمي النبي نبياً؛ لأنه مُخْبَر، ومُخْبِر، أي: أن الله أخبره وأوحى إليه، ومُخْبِر؛ أي: يخبر عن الله تعالى وحيه وأمره، وقيل: النبوة مشتقة من النبوة، وهي ما ارتفع من الأرض[3].
أما الرسول والنبي في الاصطلاح فالمشهور: أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، أما النبي هو من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ.
وعلى ذلك فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.
وقيل: إن الرسول من أرسل إلى قوم كفار؛ كنوح وهود، وموسى، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين كأنبياء بني إسرائيل مثل: زكريا ويحيى.
وعلى هذا فالنبي والرسول كل منهما مرسل؛ يدل لهذا قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحج: 52].
ولعل الراجح هو: أن الرسول من أوحي إليه بشرع جديد، والنبي: هو المبعوث لتقرير شرع من قبله[4].
وجوب الإيمان بالرسل؛ والواجب علينا نحو الرسل:
الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان؛ فلا يعتبر الإنسان مسلماً ولا مؤمناً حتى يؤمن بأن الله قد أرسل للبشر رسلاً من أنفسهم يبلغونهم الحق المنزل إليهم من ربهم، ويبشرونهم وينذرونهم، ويبينون لهم حقيقة الدين؛ كذلك الإنسان لا يكون مسلماً ولا مؤمناً حتى يؤمن بالرسل جميعاً، لا يفرق بين أحد منهم، وأنهم جميعاً جاءوا بالحق من عند الله، والأدلة على ذلك:
1- ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
2- ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].
3- ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136].
• ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا *أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 150 – 152].
وفي حديث جبريل المشهور: “هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم” قال: “ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله“[5].
ويتبين لنا من النصوص السابقة -وأمثالها كثير في القرآن والسنة- أن الإيمان بالرسل ركن أساس من أركان الإيمان، لا يتم إسلام المرء إلا به، وأنه يستوي عند الله من أنكر الرسل جميعاً، ومن أنكر واحداً منهم بعينه، فالمنكرون كلهم عند الله كفار، إنما المؤمن هو الذي يؤمن بالرسالات جميعاً وبالرسل جميعاً دون تفريق.
وإذا سألنا أنفسنا: لماذا أوجب الله الإيمان بالرسل، وجعله ركناً من أركان الإيمان، ولم يكتف – سبحانه – وتعالى من البشر بوجوب الإيمان به وحده، مع أن الإيمان بالله هو أساس كل شيء، وعبادته هي غاية كل شيء؟ فالإجابة على هذا السؤال واضحة، فكيف يعرف الإنسان ربه المعرفة الحقة إلا عن طريق الرسل؟ وكيف يعبده العبادة الحقة إلا بإرشادهم؟
انظر إلى ضلالات البشرية في جاهلياتها المختلفة؟
مرة تصورته في قرص الشمس كما فعلت الجاهلية الفرعونية، ومرة تصورته في النار الملتهبة كما فعلت الجاهلية الفارسية، ومرة تصورته على هيئة بشر ذي خصائص فائقة كما فعلت الجاهلية اليونانية والرومانية.
ولا يقل عن ذلك ضلالاً ما تصورته الجاهليات المختلفة من وجود أرباب صغيرة مع رب الأرباب، تقوم ببعض اختصاصه – سبحانه – فإله للمطر، وإله للبرق وإله للرعد، وإله للريح..
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]. والسبب هي أن هذه الجاهليات استرشدت بخيالها وأهوائها وعلمها القاصر، ولم تأخذ الحق من طريقه الصحيح المعتمد من عند الله، وهو طريق الرسل الموحى إليهم بالحق[6].
إذن هنا تكمن أهمية الإيمان بالرسل؛ وأنه يستحيل للبشرية – كما يثبت لك الواقع التاريخي – أن تهتدي إلى الحق في شأن الألوهية وفي شأن العبودية إلا عن طريق ذلك المصدر الموثق وهم الرسل المرسلون من عند الله[7].
أما الواجب علينا نحو الرسل فهو الآتي:
1- يجب علينا تصديق رسل الله جميعاً، بعد الإيمان بهم وبرسالتهم وأن لا نفرق بينهم، فمن فرق بين رسل الله، فآمن ببعضهم وكفر بالآخرين، أو صدق بعضهم وكذب بعضاً، كان من الكافرين، بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 151].
2- كما يجب علينا أن نؤمن أن كل رسول أرسله الله أدى أمانته، وبلغ رسالته على الوجه الأكمل، وبينها بياناً واضحاً كافياً.
3- كما يجب علينا طاعتهم وعدم مخالفتهم؛ لأن ذلك من طاعة الله: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80] ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64].
4- كما يجب علينا أن نعتقد بأنهم أكمل خلقاً وعلماً وعملاً وفضلاً وصدقاً، وأن الله ميزهم بفضائل لا تتوفر لغيرهم، وأنه عصمهم، ونزههم عن الكذب والخيانة والكتمان.
5- كما يجب علينا أن نؤمن بأن رسل الله جميعاً كانوا رجالاً من البشر فلم يكونوا من الملائكة، ولم يبعث الله أنثى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 109].
6- كما يجب علينا أن نؤمن أن الله – لم يخصهم بطبائع أخرى غير الطبائع البشرية، وإنما اختارهم سبحانه من الرجال، الذين يأكلون ويشربون، ويمشون في الأسواق، وينامون ويجلسون ويضحكون ولهم أزواج وذرية، ويتعرضون للأذى وتمتد إليهم أيدي الظلمة، وينالهم الاضطهاد، وأنهم يموتون، وقد يقتلون بغير حق، وأنهم يتألمون، ويصيبهم المرض، وسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص مراتبهم العالية بين الخلق، ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].. ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].. ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38].
7- كما يجب علينا أن نؤمن أنهم لا يملكون شيئاً من خصائص الألوهية، فلا يتصرفون في الكون، ولا يملكون النفع أو الضر، ولا يؤثرون في إرادة الله، ولا يعلمون الغيب إلا أن يطلعهم الله عليه: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
8- كما يجب علينا أن نؤمن بأن الله أيدهم بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات؛ الدالة على صدقهم فيما جاءوا به..
9- كما يجب أن نؤمن أن أفضلهم على الإطلاق هو نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ وأنهم يتفاضلون في المنازل عند الله: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة: 253] [8].
مهمة الرسل ووظائفهم:
1- إن المهمة الأولى والوظيفة الكبرى هي هداية البشرية إلى معرفة الخالق وتوحيده؛ لأن الفطرة البشرية بذاتها تعرف وجود الخالق وتتجه إليه بالعبادة، ولكنها كثيراً ما تضل، فتتصور الخالق على غير حقيقته, وتشرك معه آلهة أخرى، ومن ثم يرسل الله الرسل ليعرفوا البشر بحقيقة خالقهم، وينفوا عن عقولهم ونفوسهم التصورات الباطلة عن الله ـ وما يترتب عليها من انحرافات في الفكر والسلوك، وليعالجوا بصفة خاصة قضية الشرك، وهي أشد ما يتعرض له البشر من انحراف في تصورهم للخالق وسلوكهم نحوه، يقول الرسل جميعاً لأقوامهم: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 59]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]
2- المهمة والوظيفة الثانية: هي تعريف الناس بالمنهج الحق الذي تستقيم به حياتهم في الدنيا، وينالون به رضوان الله في الآخرة، وذلك بتبليغ ما أوحى الله به إليهم، وشرحه وبيانه، وتعريف الناس بطريقة تطبيقه وتدريبهم على ذلك، كما يفعل المعلم مع تلاميذه حتى يطمئنوا أن أتباعهم قد وعوا ما أنزل الله وعياً صحيحاً، وطبقوه التطبيق الصحيح.
ولا تقتصر مهمة الرسل على التعريف والتعليم؛ على ما لهذا الأمر من أهمية بالغة في حياة الناس؛ بل تمتد إلى التربية. فليس دون الله معلومات تلقى ثم تحفظ. إنما هو سلوك عملي بمقتضى التعليم الرباني، والسلوك العملي لا يكتسب فجأة، ولا يكتسب بغير جهد يبذله المربي والمتلقي على حد سواء..
ووسيلة الرسل في تربية أتباعهم وتقويم نفوسهم تقوم على الآتي:
أ– تبدأ من ذات أنفسهم -أي الرسل- بأن يكونوا هم أنفسهم القدوة الكاملة في كل ما يدعون الناس إلى اتباعه. سئلت عائشة ل عن خلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: “كان خلقه القرآن“[9]، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
ب– التربية تحتاج إلى الصبر والحلم وسعة الصدر: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
ج– تحتاج تربية الناس إلى التذكير الدائم: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55]
د- تحتاج إلى معايشة الناس ومصاحبتهم وملازمتهم لا العزلة والانقطاع عنهم، حتى تقدم التوجيهات والتعليمات في المناسبات، وتتم الملاحظة والمتابعة المطلوبة التي لا بد منها؛ حتى يستقيم الناس على الحق المطلوب، وتكون هناك فرصة لبذر العادات الصالحات في نفوسهم.. وهذا ما شاهدناه في سيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.
وتحتاج التربية – أيضاً – إلى معرفة بطبائع النفوس ومداخلها لتقديم التوجيه المناسب لها بالطريقة التي تقومها ولا تنفرها: “حدثوا الناس بما يعرفون“[10]، “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة“[11] [12]..
3- ومن مهام الرسل ووظائفهم كذلك: تعريف الناس بالحقائق الحقيقية التي تستحق الاعتبار، وتستحق أن يحرص الناس ويسعوا إلى تحصيلها.
إن الناس بطبيعتهم منجذبون إلى متاع الأرض: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، وهم يحتاجون دائماً إلى من يرفعهم من ثقلة الأرض هذه، ويبصرهم بالقيم العليا التي ينبغي أن يتجهوا إليها من صدق، وإخلاص، وأمانة، وتضحية، وكرم، وشجاعة، وإيثار، وعدل، مما يليق بالإنسان الذي كرمه الله وفضله على سائر مخلوقاته[13].
حاجة البشر إلى الرسل:
الرسالة ضرورية للعباد، لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره، وحياته؛ فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟
والدنيا مظلمة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، ولا سبيل إلى السعادة والفلاح في الدارين إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من طريقهم.
لقد سمى الله رسالته روحاً، والروح إذا عدم فقدت الحياة: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].
وإن ما تعانيه الدول – التي يسمونها دولاً متقدمة ومتحضرة – من أنواع الاضطراب والهموم والشقاء والتفكك؛ إنما هو بسبب الإعراض عن الرسل والرسالة[14].
خصائص الرسالة المحمدية:
تختص الرسالة المحمدية عن الرسالات السابقة بجملة من الخصائص، نذكر منها:
1- الرسالة المحمدية خاتمة للرسالات السابقة، قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
2- الرسالة المحمدية ناسخة للرسالات السابقة، فلا يقبل الله من أحد ديناً إلا باتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – ولا يصل إلى نعيم الجنة إلا من طريقه، فهو – صلى الله عليه وسلم – أكرم الرسل، وأمته خير الأمم، وشريعته أكمل الشرائع، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار“[15].
3- الرسالة المحمدية عامة إلى الثقلين: الجن والإنس، قال تعالى: ﴿ يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 31]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28]، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون“[16].
4- معجزة الرسالات السابقة ومعجزة الإسلام:
لكل رسول يرسله الله إلى الناس آية يأتي بها مصدقة لدعواه ومؤيدة له، وهي المعجزة، والمعجزة تكون دائماً فوق قدرة البشر وخارقة لما تعودوه؛ وقد كانت المعجزات للرسالات السابقة كلها حسية مشاهدة تخاطب الحس البشري وتقهره، وهي لا تتعدى فترة زمنية بحيث تنتهي بانتهاء النبي الذي جاء بها، فمثلاً معجزة صالح هي الناقة، ومعجزة موسى العصا واليد البيضاء، ومعجزة عيسى إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بدون علاج..
أما معجزة الإسلام ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – فهي معجزة تحدى الله بها البشر؛ هي معجزة تخاطب العقل البشري في كل مكان وزمان؛ فهي معجزة ودعوة في آن واحد لا تنفك إحداهما عن الأخرى وتلك هي القرآن الكريم، قال – صلى الله عليه وسلم -: “ما من نبي إلا وأعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة“[17]، ولذلك فإن القرآن الكريم أعظم المعجزات التي أيد الله بها رسوله؛ لأنه معجزة دائمة باقية تتحدى البشر على الطلاق بما فيها من إعجاز اللفظ والمعنى[18].
أثر الإيمان بالرسل:
1- معرفة رحمة الله بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يهدونهم إلى عبادة ربهم، وكيف يعبدونه.
2- شكر الله على هذه النعمة العظيمة.
3- محبة الرسل والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله، قاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده.
4- اتباع الرسالة التي جاءت بها الرسل من عند الله، والعمل بها، فيتحقق للمؤمنين في حياتهم الخير والهداية والسعادة في الدارين، قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124] [19].
[1] ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص:255)، الرسل والرسالات، د. عمر الأشقر (ص:14)، مقرر التوحيد، د. عبدالعزيز العبد اللطيف، (ص:77).
[2] انظر: لسان العرب، مادة (رسل) (5/211).
[3] لسان العرب، مادة (نبأ) (14/10).
[4] راجع: الرسل والرسالات، د. عمر الأشقر (ص:14) وما بعدها.
[5] الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب (1) تعريف الإيمان (1/37) حديث رقم (1).
[6] ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص:225)، وما بعدها.
[7] المصدر السابق (ص:227).
[8] بتصرف من كتاب الإيمان، د. محمد نعيم ياسين، (ص:63) وما بعدها.
[9] رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب (18) جامع.. حديث رقم (139) (1/512).
[10] أخرجه البخاري في كتاب العلم با ب (49) من خص بالعلم. (1/41).
[11] أخرجه البخاري في كتاب العلم باب (12) من جعل لأهل العلم.. (1/25)، ومسلم في كتاب المنافقين باب 19 الاقتصاد في الموعظة (3/172) حديث (82).
[12] راجع: ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص:246- 254).
[13] ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص:250).
[14] مقرر التوحيد، د. عبد العزيز العبد اللطيف، (ص:76).
[15] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب (70) وجوب الإيمان.. (1/134)، حديث رقم (240).
[16] أخرجه مسلم (1/371)، الترمذي (4/123)، أحمد (2/411).
[17] أخرجه البخاري، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل، (4/1905، 6/2654)، مسلم، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا.. (1/134).
[18] انظر: عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية، د. أحمد الغامدي، (ص:72). وما بعدها، ومقرر التوحيد، د. عبدالعزيز العبد اللطيف، (ص:85).
[19] شرح ثلاثة الأصول، ابن عثيمين، (ص:99)، مقرر التوحيد، د. عبد العزيز العبد اللطيف، (ص:87).
المصدر:الألوكة