من أفشى السلام وأطاب الكلام ، دخل الجنة بسلام
الجمعة،2رجب 1435الموافق2أيار/ماي2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
الشيخ الحسين أشقرا
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا…
أما بعد:
فإن أصدق الحديث وأحسنه كتاب الله، وأفضل الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم أجِرنا من النار.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أيها المسلمون والمسلمات: إن الإسلام يسمو بالأمة التي رضيته دينا “أفرادا وجماعات” إلى أعلى قمم الرقي، ويحفزها لتدرك هذا الرقي عن طريق الخلق الفاضل، بانتهاج سبيل المحبة والمودة، وحسن السلوك والمعاملة، والخير الأصيل لا يموت مهما زاحمه الشر، والطيب لا يصير خبيثا مهما زاحمه الخبث: ﴿ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25].
وإن أثر الكلمة في حياة الناس أمر ملحوظ سلبًا وإيجابًا، وينقسم الناس بصددها إلى قسمين:
أصحاب الكلمة الطيبة، وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل والصالحون، وأصحاب الكلمة الخبيثة، وفي مقدمتهم إبليس المطرود من رحمة الله وجنوده: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ [إبراهيم: 24].
فكم من شمل ممزق جمعت بينه كلمة طيبة؟ وكم من جماعات فرقتهم كلمة خبيثة؟
وجرح السنان له التآم ولا يلتئم ما جرح اللسان |
وقد توعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – خبيث اللسان بأن يكب في النار، عن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: “لقد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان” ثم قال: “ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل” ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] حتى بلغ: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17] ثم قال: “ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟” قلت: بلى يا رسول الله، قال: “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد” ثم قال: “ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟” قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، فقال: “كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أُمُّك يا معاذ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم“.
إن الكلمة الطيبة ثابتة مثمرة، تنفع صاحبها في حياته الدنيا بالذكر الحسن، وتعود عليه بالدعاء الصالح في آخرته، فهي ثابتة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل، وفي الحديث: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”. والخير كل الخير: أن تحرك لسانك بتحية الإسلام، حين تلقى من تعرف ومن لا تعرف.
والخير كل الخير: أن ترد التحية بأحسن منها أو مثلها.
والخير كل الخير: أن تشغل لسانك بذكر خالقك، وأن تنصح من استنصحك إن كنت قادرًا، وكلمة الخير أن تصلح بين اثنين، وأن ترشد الضال التائه.
والكلمة الطيبة: أن تعلم جاهلًا، وأن تصدق القول، فإن الصدق يهدي الى البر، والبر يهدي إلى الجنة.
والكلمة الطيبة: أن تشير بالرأي الحسن، إذا طلب منك ذلك.
أما الكلمة الخبيثة، فهي: كلمة الباطل؛ كشجرة خبيثة قد يخيل لبعض الناس أحيانًا أنها أضخم من الشجرة الطيبة، ولكن الخبث هو الخبث، والباطل هو الباطل، وجذور شجرة الخبث ليست عميقة، وما هي إلا فترة ثم تجتث من فوق الأرض، ما لها من قرار ولا بقاء.
ومن الكلام الخبيث: أن تشتم غيرك وتسبه، وتلعنه ومن الكلام الخبيث: أن تشغل لسانك في مجالس اللغو بالخنا، وفاحش القول، ومن الكلام الخبيث: أن تفسد العلاقة بين اثنين من المؤمنين.
ومن الكلام الخبيث: أن تفسد العلاقة بين الأزواج والجيران.
ومن الكلام الخبيث: أن تمن على من أحسنت إليه وتؤذيه.
ومن الكلام الخبيث: أن تقول لوالديك: “أُف لكما“.
إن حسن الكلام وطيبه، والبشاشة في وجوه الناس أمر محمود يطلبه منكم نبيكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أخرج البزار في مسنده أن جابر بن سليم قال: “فركبت قعودي ثم أتيت إلى مكة فطلبت رسول الله، فدلوني عليه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك السلام، فقلت: إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء، فعلمني كلمات ينفعني الله بها، فقال: أدن ثلاث مرات، فدنوت، فقال: أعد علي ما قلت؟ فأعدت عليه، فقال: “اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق، وأن تفرغ دلوك في إناء المستسقي، وإن امرؤ سبك بما لا يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه، فإن الله جاعل لك أجرًا وعليه وزرًا، ولا تسبن شيئًا مما خول الله لك” قال جابر: “فوا الذي نفسي بيده ما سببت بعده شاة، ولا بعيرًا“.
فاللهم اجعل الإخلاص دأبنا، والعفو خلقنا، والمعروف عادتَنا، واجمع اللهم شملنا، ويغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: إن الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- يأمر أتباعَه بتقوى القلب، وتقوى اللسان، وتقوى العمل، فيقول: “اتقوا الله بشقّ ثمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة“.
والرد على خبيث اللسان لا يكون إلا بالإعراض: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت |
إذ لا ينبغي الردّ للإساءة بمثلها، وإنما بالإعراض، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين قوم يفترون عليه الكذب، ويموهون على الناس حقائق الوحي، ويؤذونه بالفعل واللسان، ومع ذلك يعرض عنهم ويدعو لهم بالهداية، ويقول: “رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”. لقد حلاه الله وزيّنه بالخلق الكريم، ووصفه بالخلق العظيم.
وقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يخاطب حتى الحيوانَ بكلام طيِّب، فقيل له: لم يا عيسى؟! فقال: “كلٌّ ينفق مما عنده“.
وإن إفشاء السلام، وطيب الكلام، لن يكلّف كثيرًا، إنما هو تعوُّد وممارسة، فلا نقل إلاّ خيرًا؛ لنكون من أهل الخير، وليجمعنا الله مع أهل الخير في دار لا تسمَع فيها إلا همسًا، لا تسمع فيها: ﴿ إِلا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 26] في جنة: ﴿ عَرْضُهَا السمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
وليس من الصعب على المرء: إفشاء السلام، وتطييب الكلام، ليدخل الجنة بسلام.
فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أطيبه وأحسنه.
اللهم ليِّن ألسنتا بذكرك وشكرك، وأصلح قلوبنا بهدايتك، واغفر لنا بحِلمك، وارحمنا بعفوك وفضلك، إنك غفور رحيم.
المصدر:الألوكة