من أعلام الإسلام: أنس بن مالك

الإثنين،5 رجب 1435الموافق5 أيار/ماي2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.

عبدالغني المنشاوي

من أعلام الإسلام

أنس بن مالك

هو أنس بن مالك بن ضمضم بن زيد، ويرتفِع نَسَبه إلى غنيم بن عدي بن النجار، يُحدِّثنا التاريخ بحق أن أنسًا هو الإمام المفتي المقرئ المحدِّث، رَاوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدَني، ولقد جمَع الفخر من أطرافه، واجتاز الشرَف في أبهى مفاتنه إذ كان الخادم المخلِص لرسول الله، ولقَرابة رسول الله، كما كان تلميذه وآخر أصحابه موتًا.

روى عن رسول الله – عليه صلوات الله – العِلم الجمَّ، كما روى عن خلفائه الراشدين وعن معاذ وأبي هريرة وعِدة آخرين، كما روى عنه خَلقٌ عظيم، من بينهم الحسن وابن سيرين وعمر بن عبدالعزيز، وغير هؤلاء كثير من أعلام المسلمين.

 

وقد سرَد صاحب التهذيب نحو مائتي نفْس من الرُّواة عن أنس.

 

وهذا أنس يقول في مَعرِض بيان صِلته برسول الله: قَدِم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكانت أمهاتي يَحْثُثْننَي على خدمة رسول الله – عليه صلوات الله – فصِحب أنس نبيَّه – صلى الله عليه وسلم – أتمَّ الصُّحبة، ولازَمه أكمل الملازمة منذ هاجر وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة.

 

سأل يومًا مولى أنس أنسًا قائلاً له: أشهِدتَ بدرًا؟ فقال أنس: لا أم لك، وأين أَغيب عن بدر؟! ذلكم بأن أنسًا خرج مع رسول الله – عليه صلوات الله – إلى بدر وهو غلام يَخدُمه، ومن أجل هذا لم يَعُدَّه أصحاب المغازي في البدريين؛ لكونه حضر بدرًا صبيًّا ما قاتَل، بل بقي في رِحال الجيش.

 

ويُلقي أنس الضوء مرة أخرى على بَدء صِلته برسول الله – عليه صلوات الله – فيقول: قَدِم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة وأنا ابن عشر سنين، فأخذت أمي بيدي فانطلَقتْ بي إليه، فقالت: يا رسول الله، لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتْحفَك بتحفة، وإني لا أقدِر على ما أُتحِفك به إلا ابني هذا، فخذه يا رسول الله فليَخدُمك ما بدا لك، قال أنس: فخدمته عشر سنين، فما ضربني، ولا سبَّني، ولا عبَس في وجهي:

اقرأ أيضا  العناية بشروح كتب الحديث والسنة

ويقول أنس: جاءت بي أم سليم (هي أم أنس) إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد أزرتْني بنصف خِمارها، وردتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله، هذا أنيس ابني، أتيتك به يَخدُمك، فادعُ الله له، فقال: ((اللهم أَكثِر ماله وولده))، قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي لنيّف ومائة، وإن لي كَرْمًا تحمِل في السنة مرتين.

 

وفي موضع آخر يقول أنس: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أم سليم، فأتته بتمرٍ وسمنٍ، فقال: ((أعيدوا تمركم في وعائكم، وسمنكم في سِقائكم؛ فإني صائم، ثم قام في ناحية من البيت فصلَّى بنا صلاة غير مكتوبة فدعا لأم سليم وآل بيتها))، فقالت: يا رسول الله، إن لي خويصة قال: ((وما هي؟)) قالت: خادمك أنس، قال أنس: فما ترَك رسول الله خير آخرة ولا دنيا، إلا دعا لي به، ثم قال: ((اللهم ارزُقه مالاً وولدًا، وبارِك له فيه))، قال أنس: فإني لمِن أكثر الأنصار مالاً وولدًا، وكان لأنس بستان يحمِل في السنة الفاكهة مرتين، وكان منه ريحان يجيء منه ريح المِسك.

 

عن موسى بن أنس: أن أنسًا غزا ثماني غزوات، وعن أبي هريرة يروي شهادة لأنس تَعتزُّ بها نفسه، وتستروِح لها رُوحه في قبره، يقول أبو هريرة في هذه الشهادة، وهو يُزكِّي أنسًا: ما رأيتُ أحدًا أشبَه برسول الله من ابن أم سليم، يعني: أنسًا.

 

ويزكِّي هذه الشهادة فيه، شهادة لأنس بن سيرين يقول فيها: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحَضَر والسفر: ولا عجَب، فهذا ثُمامة يقول: كان أنس يصلِّي حتى تتفطَّر قدماه دمًا مما يُطيل القيام – عليه رضوان الله – بما حاوَل أن يبلُغ به رضاه، ولقد كان والله الجدير بأن يُكرِمه مولاه، وأن يستجيب له إذا دعاه.

اقرأ أيضا  صوم المريض والمسافر وصوم عاشوراء

 

قال أحد الثقات من الرواة: جاء قيِّم أرض أنس فقال: عطِشت أرضك، فتردَّى أنس ثم خرَج إلى البرية، ثم صلَّى ودعا، فثارت سحابة وغشيت أرضه ومطرت حتى ملأت صهريجه، وذلك في الصيف، فأرسَل بعض أهله فقال: انظر أين بلغت؟ فإذا هي لم تَعدُ أرضه إلا يسيرًا.

 

ولقد رُويت مِثل هذه الرواية عن ثمامة، وهذه ولا شك كرامة بيِّنة ثبتت بإسنادين.

 

قال همام بن يحيى: حدَّثني من صَحِب أنس بن مالك قال: لما أحرَم أنس لم أقدِر أن أكلِّمه حتى حَلَّ، من شدة إبقائه على إحرامه.

 

وعن موسى بن أنسأن أبا بكر الصديق بعَث إلى أنس ليوجِّهه على البحرين ساعيًا، فدخَل عليه عمر فقال: إنِّي أردت أن أبعَث هذا على البحرين، وهو فتى شاب، قال عمر: ابعَثه؛ فإنه لبيبٌ كاتب، فبعَثه، فلما قُبِض أبو بكر قَدِم أنس على عمر فقال: هات ما جئت به، قال أنس: يا أمير المؤمنين، البيعة أولاً، فبسَط يده، وفي نحو هذا يقول أنس:

استعمَلني أبو بكر على الصدقة، فقَدِمت وقد مات، فقال عمريا أنس، أجئتنا بظهر؟ قلت: نعم، قال: جئنا به والمال لك، قلت: هو أكثر من ذلك.

 

قال: وإن كان فهو لك، وكان أربعة آلاف.

 

وعن أنس قال: صحِبت جرير بن عبدالله فكان يَخدُمني وقال: إني رأيت الأنصار يَصنعون برسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئًا، لا أرى أحدًا منهم إلا خدَمته، ولقد كان رسول الله – عليه صلوات الله – يختَصُّ أنسًا ببعض العلم ويقول له: يا ذا الأذنين.

 

قال خليفة بن خياط:

كتَب ابن الزبير بعد موت يزيد إلى أنس بن مالك، فصلَّى بالناس بالبصرة أربعين يومًا، وقد شهِد أنس فتْح تستر، فقَدِم على عمر بصاحبها الهرمزان، فأسلَم وحَسُن إسلامه – يرحمه الله.

اقرأ أيضا  أذكار وأدعية الصلاة

 

قال الأعمش:

كتَب أنس إلى عبدالملك بن مروان لما آذاه الحَجَّاج: إني خدَمت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر سنين، والله لو أن النصارى أدرَكوا رجلاً خدَم نبيَّهم لأكرَموه.

 

وكان اتِّهام الحجاج لأنس أنه جوال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعت، ولما قرأ عبدالملك رسالة أنس قال: يا غلام، اكتُب إلى الحَجَّاج: ويلك، قد خشيتُ ألا يصلح على يدي أحد، فإذا جاءك كتابي فقُمْ إلى أنس حتى تعتذِر إليه: فلما قرأ الحجاج كتاب عبدالملك، قال: سمعًا وطاعة، ونفَّذ ما أمَرَ به عبدالملك باعتذاره إلى أنس.

 

ومما يُروى عن أنس قوله: يقولون: لا يجتمِع حبُّ علي وعثمان في قلب، وقد جمَع الله حبهما في قلوبنا.

 

قال يحيى بن سعيد الأنصاري راويًا عن أمه: أنها رأت أنسًا متخلِّقًا بخلوق[1]، وكان به بَرَصٌ، فسمعني وأنا أقول لأهله: لهذا أجلَدُ من سهل بن سعد، وهو أسنُّ من سهل، فقال: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دعا لي.

 

وقال أبو اليقظان: مات لأنس في طاعون الجارف ثمانون ابنًا.

 

وقال أحد ثقات الرواة: ضَعُف أنس عن الصوم، فصنع جفنة من ثَريد، ودعا ثلاثين مسكينًا فأطعَمَهم.

 

هذ وقد عمَّر أنس مائة وثلاث سنين، كما بلَغ مسنده ألفين ومائتين وستة وثمانين حديثًا، اتَّفَق له الإمامان: البخاري ومسلم، على مائة وثمانين حديثًا، وانفرَد البخاري بثمانين حديثًا، ومسلم بتسعين.

 

رحمات الله ورضوانه على أنس ومن لفَّ لفَّه من جماهير المسلمين.

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.