إشكاليات خطيرة – تطبيق الشريعة الإسلامية (3)

الأحد- 8 ذوالحجة1434 الموافق13 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

محمد شلبي محمد 

تطبيق الشريعة الإسلامية (3)

قد عرَضْنا في المقالينِ السابقين أطياف الرَّافضين لشريعةِ الربِّ، وذكَرْنا طرفًا مِن الدوافع الذاتيَّة والخارجيَّة، التي تحدو كلاًّ منهم ليكون على هذا الرأي الشاذّ.

وفي هذا المقال أُناقِش الدوافعَ الذاتيَّة وأبيِّن ما وراءَها مِن باطل، حتى يدافعَ كلُّ امرئ نفسه فيما تحسُّ به وتشعُر، وعقله فيما يُدبِّر ويُفكِّر:

1- الردُّ على مَن يخشى تبعاتِ تطبيق الشريعة:

بادِئ ذِي بَدء: هل يُخشَى مِن تطبيق الشريعة التي ظلَّتْ تَحكُم العالَمَ الإسلاميَّ طِيلةَ ألف وثلاثمائة وسبعة وسبعين عامًا؟!

 

حين أُلغِيت المحاكمُ الشرعيَّة وبَقِيت المحاكمُ الأهليَّة عام 1955.

 

إنَّنا حُرِمنا مِن حُكم الشريعة الإسلامية ما يُقارب 56 عامًا فقط، حدَث فيها الثَّغرة الجبَّارة في مجتمعاتنا، والتشوُّه الرهيب في أخلاقِنا وعاداتنا.

 

أيها الناس:

إنَّ البُعد عن المنهاج، يُورِث الاعوجاج.

 

أقول لِمَن يخافون تَطبيقَ الشريعةأين كانتِ المشكلاتُ التي عنها تتحدَّثون طِيلةَ هذا التاريخ؟!

 

متى كان الناسُ يتذمَّرون مِن كبْت حريَّاتهم، ومتى كان في التاريخ الإسلامي ثورةٌ واحدةٌ نَشبَت لهذا السَّبَب؟!

 

ومتى قامتِ الأقليَّات الدِّينيَّة تشكو كبْتَ حريَّاتها، في جزءٍ مِن أجزاءِ هذا التاريخ؟!

 

إنَّ أسعدَ الأقليَّات في العالَم – كما يقول الشيخُ الغزاليُّ – هي الأقليَّاتُ النصرانيَّة واليهوديَّة في مجتمعٍ إسلامي.

 

ألم يَكُن الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يعايش اليهودَ والنَّصارى، ويجاورهم في أنحاءِ المدينة؟

 

ألَم يكونوا كذلك في عهدِ الصَّحابة ومَن بعدَهم.

 

إلاَّ مَن اعتدَى وخان، فنال جزاءَ سيِّئة بمِثلها.

 

ثم لم يَشتكِ مِن هؤلاء أحدٌ يومًا مِن الأيَّام.

 

ولم يَشتكِ أحدُهم يومًا مِن الأيام إلاَّ ونال حقَّه، وزِيادة.

 

هذا عمرُ بن الخطَّاب حينما يَعتدي ابنُ سيدنا عمرو بن العاص على ابنِ رجلٍ قِبطي، وكان سابَقَه فسَبَقَه القِبطيُّ، فضرَبه، وقال: أتَسبِق ابنَ الأكرمين؟!

اقرأ أيضا  شعبان.. شهر يغفل الناس عنه

 

ولما أرْسل القبطيُّ إلى عمرَ بنِ الخطَّاب بالشكوى، أحْضَر عُمرُ عَمرًا وابنَه ومعهما القبطي وابنه، وأعطَى السوطَ للمضروب.

 

وقال: اضربِ ابنَ الأكرمين!

 

اضربِ ابنَ الأكرمين!

 

أين هذا الظلمُ الذي يَنال هؤلاء؟!

 

وكان ذلك في منَعَةِ المسلمين وقوَّتهم، فما بالُنا بزَمانٍ حالَ فيه حالُ المسلمين قِلةً بعدَ كثرة، ونَقصًا بعدَ زِيادة؛ لبُعدهم عن شريعةِ ربِّهم.

♦♦♦♦

 

وأمَّا الردُّ على الذين يخافون ثورةَ المجرمين بعدَ عِقابهم العقابَ الشرعيَّ، وتَقييد فسادِ الفاسداتِ في شوارع المسلمين يُرِدْنَ أن تشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا، ويَحتكمون إلى هيئاتِ حقوقِ الإنسان واحترامِ خصوصياتِ الفَرْد.

 

فإنِّي أقولها صريحةً:

الحريَّةُ لا تُعطَى إلاَّ لِمَن يستحقُّها ويحترمها.

 

فأنْ نجعلَ اللصَّ حرًّا في أنْ يسرقَ بُيوتَنا.

 

وأنْ نجعلَ العاهرَ حرًّا في أن يَعتدي على نِسائنا.

 

وأنْ نجعلَ الضالَّ حرًّا في أن يَفتنَنا.

 

فهذا ما لا يقوله رأيٌ حَكيم، ولا عقلٌ سليم.

 

لا حُريَّة لهؤلاءِ، ولا شفيعَ لهم ولا نَصير.

 

فالخصوصيةُ لِمَن لم يَفْضَحْ نفْسَه.

 

أمَّا مَن يَفضَح نفْسَه بالمعاصي يَقترفها عِيانًا، فلا احترامَ لخصوصيته.

 

والإسلام لم يُكلِّفْنا أنْ نكسِر على الناسِ بُيوتَهم؛ لنثبتَ ما يفعلون مِن معاصٍ.

 

إنَّما كُلِّفنا أن نُعاقِب مَن جاهَر بالمعصية ممَّن انتزَع الشيطانُ حياءَهم، وشوَّه فطرتَهم.

 

ثم مَن رأى قبلُ أنَّ المحدودَ في زمانِ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- ثار على الحدِّ، ونَظَّم التمرُّدَ والعِصيان؟

 

إنَّ المجرِم يعلم أنَّه مجرِم، وكان المجرمون مِن قبل يُقدِّرون أنهم يستحقُّون العقاب، أمَّا في هذا الزمان، فالمجرم يُريد أن يُعاقبَ البريء وينتقم مِن الضحية!

اقرأ أيضا  الدين يسر

 

هذه مقاييسُ آخِر الزمان.

♦♦♦♦

 

وأمَّا الذين يخافون التدخُّلَ الأجنبيَّ في شؤون البِلاد؛ بحُجَّة حقوق الإنسان إذا طُبِّقتِ الشريعة، خوفًا مِن ظلمِ طوائفَ معيَّنة، أو الجَور على حقوقِ الأفراد، فهؤلاء واهمون.

 

هل كان الاحتلالُ الأمريكيُّ في العراق وأفغانستان بحُجَّة الشريعة؟!

 

وهلْ كان الاحتلالُ الإسرائيليُّ لفلسطين بحُجَّة الشريعة؟!

 

إنَّ المُعتدِي لا يَعتدي إلا في حالةٍ واحِدة.

 

إذا استضعف الطَّرَف المعتدَى عليه.

 

أمَّا أصحاب القوَّة الاقتصاديَّة والثقافيَّة والسياسيَّة، فهؤلاءمعصومونمهما كانوا يَفعلون.

 

فالقويُّ عزيزٌ أبدًا عندَ أُمم العالَم، والضعيف ذليلٌ أبدًا عندَ أُمم العالَم.

 

كان الناس ((إذا سَرَق فيهم الشَّريفُ ترَكوه، وإذا سرَق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ))، وهذا ما تفعله أمريكا – قُطب القوَّة العالميَّة المزعوم الموهوم – مع الصِّين في أزماتِها الدبلوماسيَّة، ومع كوريا الشماليَّة في قضية التسلُّح النوويِّ، ومع إيران التي تَقوَّت، تنظُر بعين الشرِّ هنا وهناك.

 

فلماذا نخاف نحن ممَّن هو أوْلى أن يخافَ منَّا؟!

 

فالأعداءُ الذين يَحمُون المجرمين لا سُلطانَ لهم على أُمَّة حُرَّة عزيزة، هذا قانونُ الدُّنيا، وميزان القوَّة والضعْف.

 

ولو كانتِ الدولُ تُعاقَب لانتهاكها حقوقَ الإنسان، لكانتِ الدول القويَّة التي لا تُؤمِن بالله حقيقةً أوْلَى بالعقاب؛ مِن أجل “سحقِها” حقوقَ الإنسان داخلَ وخارج أراضيها.

♦♦♦♦

 

2- الردُّ على اعتراضِ أصحابِ السُّلوك المعْوَجّ:

إنَّ أبلغ ردٍّ على هؤلاءِ أن يُقال لهم: لماذا لا تَستقيمون على حُكم الأعراف الاجتماعيَّة؟!

 

فما أتَى الدِّين إلاَّ مُحِقًّا لصالحها، مبطلاً لطالحِها.

 

فالمرأةُ حين تتبرَّج في شوارعِ المسلمين تكون فريسةً لعقدةٍ نفسيَّة.

 

إنها تحبُّ المدْح، والغواني يغرهنَّ الثناءُ.

 

وتحبُّ الظهور.

 

ولكنَّها في هيئتها تلك تعرِف أنَّها ممقوتةٌ مِن الصالحين في المجتمع، ومِن عامَّة الشعب الطيِّب.

اقرأ أيضا  الدعوة إلى الله والتبشير والإنذار

 

وإنَّ أيَّ أحدٍ ممَّن يفعل أفعالَ المعوجِّين، أو يستحسن أفعالَ المعوجين، لا يمكن أن يُقرَّ لك بتحليله هذا الاعْوِجاج.

 

وإنما قُصاراه أن يعترِفَ ويستمرَّ في الضلالة.

 

أو يحاول أن يجرَّك لتضل، فتكون أنتَ وهو سواءً في الضلالة.

 

فيَأمَن بضلالِك أن تُنكِر عليه ضلالَه.

 

فتظلُّ هذه ويظلُّ هذا في عذابٍ كبير.

 

إمَّا مِن قِبَل رفْض المجتمع الذي فيه بقيةٌ مِن خير لسلوكِه واعوجاجه، فيتمثَّل نفسَه دومًا مجرِمًا مُبْعَدًا.

 

وإمَّا مِن قِبَل إحساسِه – إنْ كان لا يَزال به إحساسٌ – بأنَّه “شيطان” مِن شياطين الإنس، لا يَسكُن عن إغواءِ المجتمع.

 

هي أمورٌ بيِّنة.

 

هل رأيتُم أحدًا أبدًا يَستحي ويَخزَى مِن أن يَعرِف الناس سبقَه للخيرات وفِعْل الصالحات؟!

 

هلْ يُمكن للمريض المشرِف على الهلاك أن يرفُضَ العلاج، ثم يوافقه مَن حولَه مِن أهلٍ وأطبَّاء؟!

 

إنَّنا نحتاج أن نردَّ على رافضي الشريعة بنَفْس شِدَّة ردِّ أهل المريض وأطبائِه عليه.

 

إنَّ هؤلاءِ مَرْضَى، ومضطرُّون إلى العلاج.

 

وقد أثْبَت العلاجالوضعيفشلَه في علاجِ أمراض الناسِ القلبيَّة والرُّوحيَّة والسلوكيَّة، فمِن الحقِّ المبين أن نَحملَ هؤلاءِ حَمْلاً على قَبولالعلاج الرباني“.

لأنَّه لزامٌ على كلِّ بصير أن يأخُذَ بيد كلِّ أعْمَى!

والله المستعان.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.