نفحاتٌ في باب الحسنات والسيئات
السبت13 شعبان 1434 الموافق 22 حزيران/ يونيو2013. وكالة معراج للأنباء (مينا). |
معاذ إحسان العتيبي |
ولا يغترنَّ مؤمنٍ بمثلِ هذا فيزداد في العملٍ سوءًا، أو يزيدُ عليه إصرارًا، إنما هو أملٌ طيبٌ لكل مؤمنٍ صادقٍ يرتجي رحمةَ ربه ويخشى عذابه.. يكره أن يقابل الله بمعصيةٍ فإذا أكرهته النفسُ الأمارة على سوء الصنيع استرجع وأناب واستغفر، فهذا حال المؤمن المتقي ربه، جعلنا الله وإياكم منهم… وقد تأملتُ في مفهوم “الحسنات والسيئات” فاستوقت واستعبرت كثيرًا… ومن ذلك: (1) نظرتُ إلى “عظم فضل الله” في (الحسنات) وحبِّ الازدياد منها ومضاعفتها، و (السيئات) وكره فعلها والتقليل من إثم فاعلها…. فقد جاءَ فضل الله – تعالى -وكرمه في “باب الحسنات” قبل علمها، وعندَ عملها، وبعدَ عملها، وكذا فضل الله في “باب السيئات” قبل عملها، وعند عملها، وبعد عملها. فأما الحسنات……. (قبل عملها) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)). (بعدَ عملها) قال الله –عز وجل- (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وقال (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)). وأمَّا السيئات……. (قبل عملها) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)). (عند علمها) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)). (بعدَ عملها) قال الله –عز وجل-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وقال (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)). (2) الحسناتُ تذهبُ السيئات، ولا تذهب السيئات الحسنات، فأما في الأول فلا أعلم في ذلك نزاعًا، وأما الثاني: فعلى خلاف، قال شيخ الإسلام: هل يحبط بعض الحسنات بذنب دون الكفر؟ فيه قولان للمنتسبين إلى السنة، منهم من ينكره، ومنهم من يثبته اه. قال الإمام أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: ” والعقيدة أن السيئاتِ لا تبطل الحسناتِ ولا تحبطها” اه. * والصوابُ من ذلك كله: أن السيئات قد تحبط بعض الحسنات على اعتبارِ نوعيتها، فهذا الرجل -الذي تألَّى على الله ألاَّ يغفر الله لفلانِ- قد أحبطَ الله عمله! وثبتَ في الصحيح مرفوعًا (( من تركَ صلاة العصر فقد حبط عمله))، وإلى هذا الاختيار ذهب إليه شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وهو منسوبٌ إلى أكثر أهل السنة. عن الحسن قال: ما يرى هؤلاء أن أعمالا تحبط أعمالا، والله – عز وجل – يقول (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) إلى قوله (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ). (3) ألا تعلمونَ “كرم العفو”؟ نعم إنه في قوله – تعالى-: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ). أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – عليه الصلاة والسلام – (( ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات قيل: من هم؟ قال – صلى الله عليه وسلم -: الذين يبدل الله – تعالى -سيئاتهم حسنات))، قال الألوسي: “ويسمى هذا التبديل كرم العفو، وكأنه لذلك قال أبو نواس: |
المصدر: صيد الفوائد