آليات مقترحة لتوحيد الصف الإسلامي

الأحد- 28 شعبان 1434 الموافق7 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
                                                                بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
وبعدُ:
فإنَّ المتتبِّع لحال الأُمة الإسلاميَّة عامَّة، وحال مصرنا الحبيبةِ خاصة، ليؤلِمه ما آلَ إليه حالُ المسلمين من التشرذُم والتحزُّب، والفُرقة والاختلاف الذي لَم يَطُل العوام فحسب، بل لقد طالَ أيضًا أبناءَ الصحوة الإسلاميَّة؛ فُرادى، وجماعات.

أيها الإخوةُ الكرام، إنَّ حقلَ الدعوة إلى الله – تعالى – والعمل لدِينه، مَيدانٌ واسع كبير، لا ينبغي لبعضنا أن يستأثِرَ به دونَ البعض الآخر، وإنما ينبغي أن نسعى دائمًا لتكميل بعضنا بعضًا، ولسَدِّ أيِّ ثغرٍ قد يؤْتَى من قِبَلِه الدِّين، كلٌّ حسبما يَفْقَه ويُحسن، فهذا يدعو إلى التوحيد الخالص وإلى نَبْذ البدع والخُرافات، وآخرُ يَمتلكُ حِسًّا دعويًّا عاليًا يجوبُ به الآفاق، وثالثٌ يُحسن تربيةَ الناس ومعاملتهم، ورابعٌ لَدَيه القدرةُ على الدخول في مُعترك السياسة دون تقديم التنازُلات، وخامسٌ نحسبُ أنه يُتقن العلم؛ ليتصدَّرَ للإفتاء والتأليف، وسادسٌ وسابع!

أيُّها الكرام، ما كتبتُ لكم هنا لأَسْرِدَ لكم واقعًا نَلمسه وحاضرًا نعيشه – لعِلمي أنه لا يَخفى على أكثركم – ولكني كتبتُ اليومَ متناسيًا كلَّ ما مضَى، ومُتهللاً ببشائر بدَتْ من بعض عُلمائنا الغيورين على أُمَّتهم ودعوتهم، وإنا لنسأل الله – تعالى – أن يُكَلِّل جهودهم، وأن يوحِّدَ صفوفَهم.

أيُّها العاملون في حقل الدعوة إلى الله، “إن ترابُطَ المسلمين من شأْنه أن يخطوَ بنا خُطوات واسعةً نحو النصر والتمكين، وتعاون الجماعات العاملة في حقل الدعوة من شأْنه أن يُكسِبَ رصيد الصحوة زَخمًا يُؤَثرُ ولا شكَّ في انطلاقتها العالَميَّة”[1].

من أجْل هذا فإنني أتصوَّر أنَّ هذا المشروع – توحيد الصف الإسلامي – سيُلاقي – بإذن الله تعالى – قَبولاً بين أبناء الصحوة الإسلاميَّة الذين يتلمَّسون تحقيقَ القدْر الأكبر من المكاسب لصالح الدعوة، وقد جمعتُ فيه ما يُقارب العشرين آليَّة لتوحيد الصف الإسلامي[2]، أرى أنها – بإذن الله تعالى – تُحقِّق الوَحْدة والائتلاف بين أبناء الصحوة دونَ الحَيْد عن العودة الأصيلة إلى الكتاب والسُّنة، راجيًا الله – تعالى – أن يُوجِدَ لهذا الكلام مَسلكًا عمليًّا لتطبيقه به، وأن يفتحَ له قلوبَ الشبيبة والشيوخ.

اقرأ أيضا  التدّخل الرّوسي في سوريا له سلبيّات كثيرة، وإيجابيات أيضًا

آليات مقترحة لتوحيد الصف الإسلامي: 

1- نزْعُ عَباءة القَداسة التي ألْبسها البعضُ للدُّعاة والعلماء، حيثُ لا يقبل أن يُخطئ شيخه أبدًا، ونبْذُ العصبيَّة الممقوتة للأسماء، وضرورة الاتفاق على منهاج الكتاب والسُّنة، لا على منهاج الأشخاص والأهواء.

2- تغافُر العلماء والدُّعاة وأبناء الجماعات عمَّا صدَر منهم من أخطاء أو شَحناء، أو غيرها – عن قصْدٍ أو دون قصد – وفتْحُ صفحةٍ جديدة قائمة على حُسن الظنِّ وتوسُّم الخير، والتعاون على البرِّ والتقوى.

3- تعميق قضية الوَلاء والبَراء في نفوس الأُمَّة عامَّة، وفي نفوس أبناء الصحوة الإسلاميَّة خاصَّة.

4- تكثيف الأدبيَّات التي تُعنَى بتوحيد المناهج وَفْقَ الكتاب والسُّنة، وتقليل الأدبيَّات الخاصَّة بالجماعات، وتعميم الخطاب الدعوي؛ ليشمل كلَّ أبناء الصحوة الإسلامية، ولا يكون قاصرًا على أبناء جماعةٍ دون أخرى.

5- تربية شباب الصحوة على احترام الآخر، وقَبول رأْيه – حتى وإنْ كان مخالفًا لِمَا يَنتهجونه، طالَما أنه يستند إلى دليلٍ صحيحٍ من الكتاب والسُّنة.

6- تلاقي القيادات الإسلاميَّة والدُّعاة والعلماء في المناسبات المختلفة، والأفضل أن تكون هناك لقاءات دوريَّة ومؤتمرات؛ لمناقشة شؤون الدعوة، وعلى الصعيد الفردي فإنه من السهل على كلِّ داعية أن يتعهَّد إخوانه بالسؤال والزيارة، والتهنئة والموَاساة في المناسبات المختلفة، أو أن يبعثَ بالرسائل الإخوانيَّة التي تبثُّ الدِّفء في العلاقات وتُذيب كلَّ بقايا الشَّحناء والبغضاء، والنَّزْغ الذي يزرعه الشيطان.

7- ضرورة الأخْذ بمبدأ المناصحة، وعدم احتكار الحقِّ، والتغافُر في قضايا الخلاف السائغ.

8- تكثيف التعاون بين الجماعات في القضايا المصيريَّة، والتوحُّد في المواقف التي تستلزمُ عدمَ التنازع والفُرقة أمام أعداء الدِّين.

اقرأ أيضا  وزير الأوقاف الفلسطيني: أكثر من 140 اعتداء على "الأقصى" خلال يوليو

9- الرُّقي بمستوى التعاون بين الجماعات العاملة في حقْل الدعوة، عبر تكثيف تبادُل الخبرات الدعويَّة؛ لتوسيع مساحة الدعوة بين شرائح المجتمع، ومن مقاصد هذا الاتجاه أن يتمَّ التنسيق بين القيادات في الأعمال الدعويَّة؛ حيثُ لا يجور بعضنا على بعضٍ، فالمجتمع ساحته رَحبة تتَّسع لعمل كلِّ الدُّعاة، فلنَهْجُرْ مَسْلك التناحُر والتسابُق إلى احتلال المواقع من بعض، وليَكُن النزاعُ بيننا وبين أعداء الله – تعالى.

10- تنمية رُوح المودَّة في الأفراد عبر هجْر مَسلك التحذير وتشويه الصورة، بأن يكون حديث الدُّعاة عن بعضهم حديثَ أخٍ مُحِبٍّ لأخيه، محترم لغَيْبته، فينشأ الناشئون في الصحوة على احترامِ كلِّ الدُّعاة وتوقيرهم، والْتماس المعاذيرِ لمخطِّئهم، والدُّعاء لهم جميعًا بظَهْر الغيب.

11- تكوين مجلس حُكماء من قادة ودُعاة الجماعات العاملة في الساحة، يقوم بحسْم النِّزاعات بينها، والتخطيط والسَّعْي لوَحْدة الصف الإسلامي[3].

12- إصدار البيانات المشتركة في حالة الأحداث الجسيمة التي تُلِمُّ بالأُمَّة؛ فإنَّ هذا من شأْنه أن يُشْعِر الشباب بتوحُّد القيادات، فتنموَ رُوحُ العِزَّة الإسلاميَّة في نفوس الشباب ويَزدادوا ثِقَة وطاعةً لقياداتهم.

13- دَرْءُ كلِّ خلاف يحدث بين الأفراد والجماعات، ومحاولة منْعِ تَفَاقُمه، أو التقليل من أضراره ومَفاسده، وتسوية الخلافات عبر المسؤولين، وعدم استخدام المنابر ووسائل الإعلام للحديث عن الخلافات بين الدعوات والدُّعاة.

14- ضرورة التخلُّق بآداب العمل الجماعي، وبآداب الأخوَّة الإسلاميَّة على وجْه العموم، وتطبيق مواثيق المودَّة والموالاة بين المؤمنين.

15- الحدُّ من ظاهرة السَّعْي وراء حشْدِ الشباب إلى الفصيل أو الجماعة التي ينتمي إليها البعض؛ فإنَّ من شأْن هذا الأمر أن يُثيرَ الكثيرَ من الخلافات بين شباب الصحوة.

16- عدم الحيلولة دون مشاركة شباب أحد الجماعات في الأعمال والأنشطة الدعوية تحت مِظَلة جماعة أخرى، كما ينبغي إِعْمَالُ مبدأ تسديد الخير، والعمل لدين الله مع كلِّ أحد.

17- تشكيل مجلس دعوي في كلِّ مدينة أو منطقة يضمُّ مُمثِّلين عن كافة الطوائف الدعويَّة بالمدينة أو المنطقة، يعمل كآليَّة عامة لتنظيم العمل الدعوي بهذه المنطقة.

أيها الإخوة الأعزَّاء، إنْ كُنَّا نشتاقُ إلى أن تجتمع أُمَّتنا يومًا على كلمة واحدة، وتُوَحَّد صفوفها تحت راية التوحيد، فإننا نُهيبُ بعلمائنا ودُعاتنا وقادتنا أن يَسْعوا جاهدين لتحقيق هذا الأمر، ولعلِّي ألفتُ الانتباه إلى أن مجرَّد تطبيق بعض هذه الآليَّات – ولو في الوقت الحالي – هو أمرٌ يحقِّقُ للدعوة إلى الله – تعالى – زخمًا كبيرًا، ومكاسبَ هائلة، تقتربُ بنا من توحيد الصفِّ الإسلامي.

اقرأ أيضا  من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الاعتصام بحبل الله ولزوم الجماعة والنصح لولاة الأمر )

وأخيرًا، فإنني على يقينٍ من أنَّ أُمَّة “الجسد الواحد” لن تُفَرِّط في شرط الخيريَّة التي خصَّها الله – تعالى – بها في قرآنه؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110]، وهي في ذات الوقت لن تتغافَلَ عن وصْفِ ربِّنا – جل وعلا -: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].
واللهُ وحْده مِن وراء القصد. 
بقلم : عاصم صفوت الشوادفي
————————–
[1] رضا أحمد صمدي؛ ثلاثون طريقة لخدمة الدِّين.
[2] الآليات من رقْم (6) حتى رقْم (14) نقلاً عن كتاب “ثلاثون طريقة لخدمة الدين”؛ لرضا أحمد صمدي، وهو من نفائس الكتب التي ينبغي للداعية إلى الله قراءته والاسترشاد بما جاء فيه، فضْلاً عن توزيعه على إخوانه وتوجيههم لقراءَته.
[3] وفي هذا الصَّدد يُمكنُ تشكيل لجان علميَّة تضمُّ فقهاءَ الصحوة الإسلاميَّة من كلِّ الجماعات والمؤسَّسات للنظر في القضايا الفقهيَّة المختلف عليها بين الجماعات، كما يمكن إعدادُ أبحاثٍ فقهيَّة من قِبَل المختصين من أبناء كلِّ جماعةٍ دعويَّة حول القضايا التي هي محل الخلاف بين الجماعات، وتقديمها إلى اللجان المشار إليها آنفًا؛ بُغية البحث عن الحقِّ، والوصول إلى الصواب.

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.