تحليل: معادلة “القصف بالقصف” في غزة.. مكاسب ومخاطر

غزة  (معراج)- رأى محللون فلسطينيون أن الفصائل المسلحة في قطاع غزة نجحت خلال جولة التصعيد مع الجيش الإسرائيلي، السبت، بتثبيت المعادلة الناظمة لعلاقتها الأمنية مع إسرائيل، والقائمة على قاعدة “القصف مقابل القصف”.

و”القصف مقابل القصف” أسلوب دفاعي بدأت تعتمده الفصائل الفلسطينية المسلحة، خلال الأسابيع الأخيرة؛ حيث تقصف بالقذائف الصاروخية البلدات الإسرائيلية المحاذية لغزة، ردا على أي غارة تشنها إسرائيل في القطاع، وفق الأناضول.

وقال محللون، في حوارات منفصلة مع مراسلة الأناضول، إن تلك المعادلة لها مكاسب تتمثل في تثبيت حق الفصائل الفلسطينية بالدفاع عن نفسها، ومنع قضم قدراتها.

إلا أن لهذه المعادلة مخاطر أيضا؛ فهي قد تجر غزة إلى مواجهة عسكرية شاملة، في حال حدوث أي تطور ميداني؛ كوقوع إصابات في صفوف الفلسطينيين أو الجانب الإسرائيلي، حسب المحللين.

وفي 29 مايو/آيار الماضي، أعلنت كتائب القسّام الجناح المسلح لحركة “حماس”، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”، عن معادلة “القصف بالقصف والدم بالدم”؛ الناظمة لعلاقتها الأمنية مع الجانب الإسرائيلي.

وأكدت الحركتان، خلال بيان مشترك، آنذاك، أنهما “ستتمسكان بتلك المعادلة مهما كلف ذلك من ثمن”.

ومنذ ذلك الإعلان، بدأت فصائل فلسطينية بالرد على أي قصف إسرائيلي داخل قطاع غزة، بإطلاق قذائف صاروخية باتجاه المستوطنات المحاذية للقطاع.

وأمس السبت، شنّت طائرات إسرائيلية سلسلة من الغارات على مواقع متفرقة بقطاع غزة تسبب باستشهاد طفلين، وإصابة 25 شخصاً آخراً.

كما أطلقت الفصائل المسلحة بالقطاع نحو 100 قذيفة صاروخية تجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، حسب الجيش الإسرائيلي.

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية -بينها صحيفة “يديعوت أحرنوت”- أصيب 4 إسرائيليين بجروح طفيفة جراء القذائف الفلسطينية.

وعقب القصف المتبادل، توصل الجانبان، مساء السبت، إلى تفاهمات بوساطة مصرية لوقف التصعيد، حسب ما أعلنت حركتا “الجهاد الإسلامي” و”حماس”.

** المكاسب

وفي تعليقه على مجريات أحداث السبت، رأى تيسير محيسن، الكاتب والمحلل السياسي، أن أكبر ما جنته الفصائل من مكاسب جراء معادلة “القصف بالقصف” هي “إعادة ضبط نغمة حالة الاشتباك مع الاحتلال الاسرائيلي”.

وقال محيسن، إنه رغم تصعيد يوم أمس، “إلا أن المعادلة ما زالت قائمة والورقة التي تؤذي الاحتلال (مسيرات العودة المتواصلة قرب حدود غزة منذ نهاية مارس/ آذار الماضي) موجودة بيد الفصائل”.

وأضاف: “النتيجة النهائية التي لمسناها من خلال جولة التصعيد الأخيرة أن القاعدة التي رتبتها المقاومة القصف بالقصف ثبتت أركانها عملياً على أرض الواقع”.

ويعتقد محيسن أن “إسرائيل، من خلال تصعيد أمس، أرادات أن تعيد التحكم في عملية نظم العلاقة الأمنية وحالة الاشتباك بينها وبين فصائل المقاومة الفلسطينية”.

وتابع: “أرادت إسرائيل أن تضمن أن تكون صاحب اليد العُليا في حالة الاشتباك لكن الميدان لم يعطيها فرصة”.

من ناحية أخرى، قال محسين، إن “الاحتلال ظهر من خلال استهداف مبنى مدني بجوار حديقة عامة، أنه المُلام أكثر من المقاومة الفلسطينية”.

وأوضح أن “استشهاد طفلين بعملية القصف لم يبرر بطريقة تخدم توجهات الاحتلال في حشد الرأي العام العالمي لجانبه”.

وأشار إلى أن إسرائيل “تسعى لحشد الرأي العام العالمي إلى صفّها على اعتبار أنها متضررة من سلوك المقاومة بغزة؛ خاصة فيما يتعلق بموضوع الطائرات الورقية الحارقة”.

وفي السياق نفسه، رأى محيسن أن إسرائيل لم تحقق أية مكاسب من جولة التصعيد الأخيرة.

وأضاف: “اتفاق وقف إطلاق النار كان دون اشتراطات؛ وبخلاف ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه أوقف الطائرات الورقية الحارقة”.

واستبعد المحلل السياسي قبول “الفصائل الفلسطينية باشتراط وقف الطائرات الورقية مقابل التهدئة”.

بدوره، قال حمزة أبو شنب، الكاتب والمحلل السياسي، إن معادلة القصف بالقصف ساهمت بـ”وقف قضم إسرائيل لقدرات المقاومة بغزة”.

وتابع: “منذ انتهاء عدوان 2014 سعت إسرائيل لقضم قدرات المقاومة واستهدافها بشكل متكرر؛ حتى نهاية مايو/أيار الماضي، حينما اغتالت مقاومين فلسطينيين عملت الفصائل على تغيير المعادلة ورد القصف بالقصف”.

وأوضح أن معادلة الفصائل المسلحة ترسل رسالة لإسرائيل مفادها أن “أي اعتداء سيكون مقابله رد”؛ وذلك يمنع بشكل كبير سياسة “قضم أو استهداف المقاومة”.

ويعتقد أبو شنب أن الفصائل الفلسطينية نجحت من خلال معادلتها الجديدة، إرسال رسالة لإسرائيل بأنها “مستعدة للدخول في أي حرب، وأنها لا تخشى المواجهة الشاملة ولو امتدت لأيام طويلة”.

وأثبتت معادلة “القصف بالقصف”، حسب أبو شنب، فشل الحصار الإسرائيلي على الفصائل الفلسطينية والذي هدف لتقويض قدراتها العسكرية.

وأضاف: “اعتقدت إسرائيل أن الحصار يصعب مهام المقاومة في انتاجها الذاتي، لكن ذلك فشل والدليل أن المقاومة ترد على العدوان غير آبهة بموضوع تعويض مخزونها من القذائف التي يتم استخدامها”.

وفنّدت هذه المعادلة الادعاءات الإسرائيلية التي تقول بأن “المقاومة تنأى بنفسها عن أي مواجهة لأنها تضعف قدراتها الذاتية”، حسب أبو شنب.

ويتفق مصطفى الصواف، الكاتب السياسي، ما أبو شنب، قائلاً: “تجني المقاومة الفلسطينية من معادلتها الجديدة (القصف مقابل القصف) عدم الصمت أمام العدوان الإسرائيلي والدفاع عن نفسها”.

وأضاف: “المقاومة عندما أكدت على المعادلة قالت إن أي عدوان على غزة سيكون مقابله رد يتناسب مع نوع وحجم الاعتداء؛ وفي هذا مكاسب تحافظ على وجودها وتحمي مقدراتها”.

** المخاطر

وأجمع المحللون الثلاثة على أن كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لا يرغبان بالدخول في مواجهة عسكرية شاملة، كما أن الظروف غير مهيّأة لذلك.

لكنهم قالوا إن معادلة “القصف بالقصف” قد تجر قطاع غزة إلى مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل، في حال حدوث أي تطور دراماتيكي ميداني.

وأوضحوا أنه مع تسبب القصف من الجانبين بوقوع إصابات أو ضحايا في الصفوف الفلسطينية أو الإسرائيلية، فإن الأحداث قد تتطور لمواجهة عسكرية شاملة.

يذكر أن إسرائيل شنت حربا على قطاع غزة في السابع من يوليو/ تموز 2014 استمرت 51 يوما، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني وإصابة نحو 11 ألف آخرين، بالإضافة لتدمير آلاف الوحدات السكنية والمنشآت.

وأفادت بيانات رسمية إسرائيلية بمقتل 68 عسكريا، و4 مدنيين إسرائيليين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً، بينهم 740 عسكريا، خلال تلك الحرب.

وكالة معراج للأنباء

اقرأ أيضا  مباحثات أردنية فلسطينية حول تطورات القضية الفلسطينية
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.