رمضـــــان إنتصــــار على النـفـس

الثلاثاء-8 رمضان 1434 الموافق16 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

شهر رمضان هو انتصار إرادة المؤمن على نفسه وشهواته وشيطانه ورفقاء السوء حيث يحلق المؤمن بضبطه لنفسه ويسمو بروحه على رعونات نفسه فيمتنع عن الطعام والشراب والحرام ومفسدات الاخلاق والصيام من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس .

قال تعالى في كتابه العزيز : ” يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات ” .

فالصيام مدرسة تربوية يتدرب فيها المؤمن عملياً وفعلياً على التحلي بمحاسن الاخلاق والتخلي عن مساوئها فتزكى نفسه ويطهر خلقه ويُقوَم سلوكه في أيام رمضان المعدودات .

وفي هذا المعنى نجد الحديث النبوي الشريف فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال الله تعالى : ” والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ” . رواه البخاري

فالصيام وقاية من المعاصي والمحرمات والسفه والجهل وحصن آمن يتحصَن به المؤمن فيذكر نفسه وغيره بالصيام الذي يأبى على صاحبه فعل القبيح ولفظه .

فكما انه حصن من المعاصي والمناكير والفواحش في الدنيا فإنه حصن لصاحبه من النار فالجزاء من جنس العمل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الصيام جنة وحصن حصين من النار ” . رواه أحمد

وفي الصيام نلحظ الفرق بين إنسانية الإنسان وحيوانية الحيوان ويظهر الفرق الهائل بينهما , فالإنسان يمتنع عن طعامه وشرابه بإرادة واختيار خلافاً للحيوان الذي يأكل ما شاء ومتى شاء ؟ .

اقرأ أيضا  الطريق إلى السلام يتطلب دولة فلسطينية على حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها

وبالصيام ينجح الإنسان في التحكُم في شهواته وملذاته ويجعل رغبات النفس تابعة لأوامر الله عزَ وجل .

ولما تحكَم الإنسان في نفسه وضبط شهوته وكبح جماحها جاءته البشارة من حديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام : ربِ إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فيشفعان ” . رواه الحاكم وصححه الالباني

ففي رمضان فرصة للتغيير وصناعة تربية النفس وقهر الشهوات ومراجعة النفس ومحاسبتها وعدم إطلاق العنان لها فقد مرَ الحسن البصري بقوم وهم يضحكون فقال :
إن الله عزَ وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف قوم فخابوا ، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون ، وخاب فيه المبطلون ، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

هنا مصنع الأبطال يصنع أمةً … وينفخ فيها قــــوة الروح والـفــــــــكر
ويخلع عنها كل قيد يعــوقها … ويعلي منار الحق والصدق والصبر

نعم رمضان شهر صناعة المؤمن فيستطيع أن يُدرك نفسه فيصحح أخطاءه ويُقِوم اعوجاجه وقد مُهدت السبل لمصلحته فكل ما في الكون يتغير من أجله إن اراد التغيير فالشياطين تُصفَد وابواب الجنة تفتح وأبواب النيران تغلق .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” إذا كَانَ أَوَّلُ ليلة من رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّياطينُ مَرَدَةُ الجِنِّ ، وَغلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ فلم يٌفْتَحْ منها بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ ، ويُنادي مُنَادٍ : يا باغِي الخَيْرِ أَقْبِلْ ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أقْصِرْ ، ولله عُتَقَاء من النَّارِ ، وذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ لَيْلَةٍ ” . أخرجه الترمذي وابن ماجه

اقرأ أيضا  ما يميز رمضان في باكستان

هل عزمت على التغيير وتصحيح المسار فرمضان فرصة قد لا تتكرر فكم من حاضر معنا كان وتحت التراب امسى ؟ .

قصـــــــة اللِـــــص الصـــــائم :

خرج الإمام التستري في رحلة لطلب العلم ، فتعرض له لصوص وأخذوا ما معه ، فكان من ضمن ذلك طعام ، نظر سهل للصوص فوجدهم كلهم يأكلون عدا كبيرهم ، فقال له : مالك لا تأكل ؟ .
قال : هذا يوم الخميس وأنا صائم . ..فقال سهل :عجباً ، لصٌ ويصوم ! .
فقال اللص : يا سهل لا أغلق كل الأبواب بيني وبين الله ، عسى أن أدخله يوماً
قال سهل : بعد سنوات رأيت رجلاً يطوف حول الكعبة ويبكي، فقلت له : أنت ذلك اللص ؟ ! .
قال : نعم أنا ، أما علمت يا سهل أن من ترك بينه وبين الله باباً دخل منه يوماً .

لنترك بيننا وبين الله تعالى باباً حتى ولو عظمت ذنوبنا ، فلعلنا ندخل إليه من ذات الباب يوماً , أرجوك أخي لا تغلق الباب الذي بينك وبين ربك عزَ وجل حتى ولو كنت عاصياً فعسى أن يفتح لك أبوابه فلا تشقى أبداً .

فليس في القصة دعوة إلى الإفساد ولا التشجيع عليه بل المقصود أنَ بابه مفتوح يقبلك متى عُدت إليه ما لم تُغرغر روحك


الآن افتح صفحة جديدة مع خالقك عز وجل وانتصر على نفسك وشهواتك فالفرصة قائمة .

النفس البشـــرية وجــــبل الجـــليد :

اقرأ أيضا  مفارقات بين تركيا أتاتورك وأردوغان

ستيفن كوفي الكاتب الامريكي الشهير صاحب كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) وخبير من خبراء الإدارة العالميين ، يقول : إن النفس تشبه جبل الجليد، وجبل الجليد يكون 20% منه فوق سطح البحر و80% منه تحت سطح البحر، وسر تماسك قوة الـ 20 % فوق البحر هو أن هناك أصلاً 80% تحت البحر، ثم يتابع فيقول : لكن للأسف فإن أغلب الناس يركز علي شكله الخارجي وهو أصلاً 20% فقط ، بينما سر نجاحه يكمن في الـ 80% التي هي قوة نفسه .

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ مُعَاذٌ : أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ” عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ ، وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ ، وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا فَأَحْدِثْ لِلَّهِ تَوْبَةً ، السِّرُّ بِالسِّرِّ ، وَالْعَلانِيَةُ بِالْعَلانِيَةِ ” . الهيثمي – مجمع الزوائد – خلاصة حكم المحدث: [ إسناده حسن ‏‏] .
وقبل أن نفترق هل وجدت نفسك ؟ ابحث عنها وجد لها المفتاح المناسب وفك شفرتها لتستلم زمام قيادتها إلى معالي الامور ودرب الخير والنجاح والفلاح .

الكاتب: ازهر اللويزي

المصدر : أزهر اللويزي

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.