اتباع السنة بين الفكرة الصحيحة والفكرة الخطأ
الأحد-13 رمضان 1434 الموافق21 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
بقلم: الاستاذ الدكتور الأخضر ولد حسان – موريتانيا .
من المفاهيم التي انتشرت في أوساط كثيرة من الدعاة الإسلاميين(!) اعتقادهم أن معرفة السنة وحدها تغني عنى معرفة البدع والتحذير من أهلها؛ فقالوا: “تعلموا الحق، ولا تسألوا عن الباطل؛ لأن معرفة الحق تكفي” .
وقال أمثلهم طريقة: “أشغلوا الناس بالفكرة الصحيحة عن الفكرة الخطأ”.
وهذه دعوى تصحيحها بما ثبت في ” الصحيحين ” عن أبى إدريس الخولاني: أنه سمع حذيفة بن اليمان رضي اللع عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال “نعم” … الى آخر الحديث .
وقال الحافظ رحمه الله: “وحبب لحذيفة السؤال عن الشرّ، ليجتنبه، ويكون سببــًا في دفعه عمن أراد الله له النجاة”.
فمعرفة شرّ أهل الأهواء والبدع سبيل لحماية المسلم وعصمته من الوقوع في شباكهم .
لأن معرفة الخير والحسن وحده دون معرفة الشرّ الذي يناقضه لا يكفي، فلابد من معرفة المقابل، وكما قيل: تعرف الأمور بأضدادها .
إن التوحيد الخالص لا يعرف حقّ المعرفة إلا بما يضاده من الشرك، وإن الايمان لا يتذوق المرء حلاوته إلا بمجانبة الكفر وأسبابه، وكذلك لا يتحقق الصواب إلا بالوقوف على الخطأ، ولا تتضح معالم السنة الغراء إلا بمعرفة البدعة وأصولها .
وإلى هذا الأصل أشار النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ” خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ….. “، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” …. فعليكم بستنى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة … ” .
قال ابن قتيبة: ” ….. ولن تكمل الحكمة والقدرة إلا بخق الشيء وضده؛ ليعرف كل واحد منهما بصاحبه، فالنور يعرف بالظلمة، والعلم يعرف بالجهل، والخير يعرف بالشر، والنفع بعرف بالضرّ، والحلو يعرف بالمرّ؛ لقوله تبارك وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٦﴾) (يس: 36) (تأويل مختلف الحديث ص 79 – ط دار ابن عفان)
وقال يحيى بن معاذ الرازي: ” اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية” (الاعتصام “1/91 – ط دار المعرفة)
وقال ابن حبان: ” قوله صلى الله عليه وسلم: ” فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا فعليكم بسنتي ” دليل صحيح أنه صلى الله عليه وسلم أمر أمته بمعرفة الضعفاء منهم الثقات؛ لأنّه لا يتهيأ لزوم السنة مع ما خالطها من الكذب والأباطيل، إلا بمعرفة الضعفاء من الثقات” (كتاب المجروحين “1/10”)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- بعدما بين أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي: ” فإن الغذاء لا ينفعه –أي المريض- مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء …. ” (درء تعارض العقل والنقل 1/20) .
وقال ابن القيم الجوزية: ” قبول المحلّ لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدّه، وهذا كما أنه في الذّوات والأعيان، فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات: فإذا كان القلب ممتلئّا بالباطل اعتقادًا ومحبةَ؛ لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع؛ لم يتمكن صاحبه من النّطق بما ينفعه؛ إلا إذا فرغ لسانه من النّطق بالباطل، وكذلك الجوارح اذا اشتغلت بغير الطاعة، لم يمكن شغلها بالطاعة إلا اذا فرّغها من ضدها .
فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبّه والشوق إلى لقائه؛ إلا بتفريغه من تعلّقه بغيره، ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته؛ إلا إذا فرّغها من ذكر غيره وخدمته، فإذا امـتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعوم التي لا تنفع؛ لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته و أحكامه .
وسرّ ذلك: أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن: فإذا صغا إلى غير حديث الله؛ لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله، لم يبق فيه ميل الى محبته، فإذا نطق القلب بغير ذكره؛ لم يبق فيه محل للنّطق بذكره، كاللسان .
ولهذا؛ في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لأن يمتلئ جوف أحدهم قيحــًا حتى يريه خيرا له من أن يمتلئ شعرًا “؛ فبيّن أن الجوف يملتئ بالشعر .
فكذلك يمتلئ بالشّبه، والشكوك، والخيالات، والتقديرات التي لا وجود لها، والعلوم التي لا تنفع، والمفاكهات، والمضحكات، والحكايات .. ونحوها .
وإذا امتلأ القلب بذلك؛ جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته، فلم تجد فيه فراغــًا لها، ولا قبولاً، فتعدّته وجاوزته إلى محل سواه، كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدّها لا منفذ لها فيه، فإنه لا يقبلها ولا تلج فيه، لكن تمر مجتازة لا مستوطنة .
ولذلك قيل:
نزّه فؤادك عن سوانا تلقنا
فجنابنا حلّ لكل منزّه
والصبر طلّسم لكنز وصالنا
من حلّ ذا الطّلّسم فاز بكنزه
(الفوائد ص 86-89 ط دار التوبة)
وقال تحت قوله تعالى: ( وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَستَبينَ سَبيلُ المُجرِمينَ ﴿٥٥﴾) (الأنعام 55) بعدما قسم الناس الى أربع فرق، وذكر أن أعظم فرقة من استبان لها سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل، علما وعملاً، وهم أعلم الخلق، قال: هكذا من عرف البدع والشرك والباطل فأبغضها لله، وحذرها وحذر منها، ودفعها عن نفسه، ولم يدعها تخدش وجه إيمانه، ولا تورثه شبهة ولا شكا، بل يزداد بمعرفتها بصيرة فى الحق ومحبة له، وكراهة لها ونفرة عنها، أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه فإنه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرور به، فيقوى إيمانه به …. ” (الفوائد ص 255)
وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في “كتاب التوحيد” ( باب: من تبرك بشجر أو حجر أو نحوهما) تحت حديث أبى واقد الليثي، المسألة الثانية والعشرون: (( أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يكون فى قلبه بقية من تلك العادة؛ لقوله: ” ونحن حدثاء عهد بكفر” قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- معلقاً: (( وهذا صحيح، فالانسان المنتقل من شيء سواء باطلاً أولا، لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية منه، وهذه البقية لا تزول الا بعد مدة لقوله: (( ونحن حدثاء عهد بكفر)) فكأنه يقول: ما سألناه إلا لأن عندنا بقية من بقايا الجاهلية، ولهذا كان من الحكمة تغريب الزاني بعد جلده عن مكان الجريمة لئلا يعود إليها، فإن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عن مواطن الكفر والشك والفسوق، حتى لا يقع في قلبه شيء منها)) (القول المفيد 1/214)
المصدر:الصحيفة الصادقة