الفتنة الكبرى
الإثنين-21 رمضان 1434 الموافق29 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
فهمي هويدي
لا نعرف في تاريخ مصر مذبحة قتل فيها ذلك العدد من المصريين بأيدي مصريين في ليلة واحدة. فعلها محمد علي باشا والي مصر قبل اكثر من مئتي عام حين دعا امراء المماليك وقتلهم جميعا فيما عرف بمذبحة القلعة (1811). ورغم أنهم لم يكونوا مصريين، إلا أن المذبحة دخلت التاريخ وظلت صفحة سوداء في سجل الباشا. أما جرائم القتل التي وقعت بعد ذلك في حريق قصر الثقافة ببني سويف وحريق قطار الصعيد وغرق عبارة السلام الشهيرة، فإنها كانت ناتجة عن الاهمال الجسيم ولم تكن السلطة طرفا مباشرا فيها. اما مذبحة رابعة العدوية التي وقعت ليلة امس وتجاوز عدد القتلى فيها مئة شخص وتلك التي سبقتها امام مقر الحرس الجمهوري التي قتل فيها اكثر من خمسين شخصا، إضافة الى حوادث القتل التي وقعت في المحافظات الاخرى، فانها جرائم تحسب على السلطة.
ايا كانت الحجج والذرائع، فان القتل الذي تم بأمر من السلطة سواء في القاهرة او خارج حدودها لا يمكن تبريره لا قانونيا ولا وطنيا ولا اخلاقيا. ولا يحسبن احد من رجال السلطة – مهما علا مقامه- ان ما جرى يمكن قبوله حتى اذا تم في ظل تفويض شعبي مهما كانت قيمته، ذلك اننا لا نفهم ولا نتصور اننا بصدد تفويض بالقتل يحصد ارواح عشرات المتظاهرين اوالمعتصمين السلميين، ويغرق الوطن في بحر من الدماء.
اننا بإزاء فتنة كبرى لوثت عقول وضمائر كثيرين ممن احتفوا بالمذبحة او حاولوا تبريرها، بقدر ما لوثت بالدماء ايدي كل القائمين بالامر في مصر، سواء الذين أصدروا أوامر القتل او الذين حرضوا عليه او الذين سكتوا عليه. ومن المخجل ان يكون على رأس الدولة في الوقت الراهن رجل رأس المحكمة الدستورية. ومن المحزن ان يرأس الحكومة صديق استقال من منصبه كنائب لرئيس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف لان ضميره لم يحتمل الاستمرار في موقعه بعد مذبحة ماسبيرو التي راح ضحيتها ثمانية وعشرون شخصا، ثم يلتزم الصمت بعد مذبحتي رابعة العدوية والحرس الجمهوري، وفي حين يتساقط القتلى في انحاء مصر كل يوم. اما اصدقاؤنا الاخرون الذين توزعت عليهم مناصب الوزارة ونالوا من الرتب ما نالوه، فلا اعرف كيف يسمح لهم ضميرهم الوطني اوموقفهم الاخلاقي بالوقوف متفرجين على جثث القتلى ودمائهم النازفة.
لا مجال للحديث الآن عمن اخطأ او اصاب، لانه لا صوت ينبغي ان يعلو الان فوق صوت الدعوة الى الكف عن القتل والمطالبة بوقف لحظة الجنون الراهنة. أدري انه حين يطلق الرصاص لا تكون هناك حاجة الى الكلام، بل ان دوي الرصاص يحجب حشرجات الضحايا وانين المكلومين. لكن دروس التاريخ علمتنا ان من يطلق الرصاصة الاولى لا يستطيع ان يتحكم في الرصاصة الاخيرة. فضلا عن انه لا يستطيع ان يتحكم في عواقبها وتداعياتها. وفي دروس التاريخ نماذج لحالات كان بعض المستكبرين ضحايا اغترارهم بقوتهم، ولم يدركوا ان الرصاصات التي اطلقوها ارتدت الى صدورهم. وعند الحد الادنى فانها أدرجتهم في سجلات التاريخ ضمن الاشرار والقتلة.
إذا كان لمثلي ان يتمنى شيئا في اللحظة الراهنة، فلست أتمنى أكثر من ان يوقف القتل ويعود العقل الى مكانه هاديا ومرشدا. لكن أخوف ما أخافه في ظل الافتتان بالتفويض المزعوم والاغترار بالقوة ان تتسع بحيرة الدم وان يهيمن الجنون، بحيث ينضم الوطن في النهاية إلى قائمة الضحايا- صلوا من أجل مصر في محنتها.
المصدر:السبيل