حين تغيب العقول وتتحكم الأهواء تكون الفتن

 

الأربعاء-23 رمضان 1434 الموافق31 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

كاظم عايش

تتضافر التوجيهات الربانية, والآيات القرانية والأحاديث النبوية وأقوال الحكماء والصلحاء والقادة العظام لتدعو جميعا إلى التوحد والتماسك والتصالح مع الذات والغير لتحقيق المصالح الكبرى للأمة, ولتنهى عن الشقاق والتنازع والفرقة, لأنها من موجبات الضعف والهوان والفشل وذهاب الريح. وبالرغم من ذلك فإنّ فئة أو جهة أو مذهبا أو طائفة أو أنفارا وأفرادا يحاولون التملص من حالة الإجماع هذه, ليحققوا مكاسب شخصية أو فئوية أو جهوية أو مذهبية على حساب الصالح العام للأمة, ويبحثون في ما تشابه من النصوص القرآنية أو النبوية, أو في بطون الكتب عمّا يدعم موقفهم ويؤيد مذهبهم, فإن عجزوا عن ذلك اخترعوا لأنفسهم من المبررات ما يقنعون به أنفسهم, ليتحللوا من قيود العقل والمنطق وأحكام الشرع وكل ما يمكن أن يمنعهم من تحقيق مرادهم, «أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم وجعل على قلبه وسمعة وبصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله».

نبحث عن خطأ هنا وخطأ هناك لنبرر خروجنا عن الصف ونحلل أنفسنا من الالتزام, نكبر الصغيرة وننفخ فيها حتى تصير كبيرة لا أم لها, ونجعل من الحبة قبة, وندعو بالويل والثبور وعظائم الأمور على أشياء كبرت في نفوسنا المأزومة, وهي ليست كذلك في واقع الأمر, نري أنفسنا ما لم تره ونفسر الأشياء على قاعدة إساءة الظن, ولا نجد لأحد عذرا, ولا نتسامح, فالتسامح لا يجد سبيلا إلى النفوس التي امتلأت كبرا واحتشدت بغضا وانطلقت لا تلوي إلاّ على مصالحها ومكاسبها القريبة.

اقرأ أيضا  العفو الدولية: لا اتفاق يمكن أن يغير واجبات إسرائيل كقوة محتلة

إنّها الفتنة التي تمور في النفوس مورا, وتشتدّ كأمواج البحر المتلاطمة, فلا يرى فيها المفتونون حقا, في ظلمات بحر الفتن اللجي الذي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب, إذا أخرج يده لم يكد يراها, ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، والمعصوم منها هو من عصمه الله وأراد به خيرا, ممّن لا يحمل في قلبه الضغائن ولا الأحقاد الصغيرة, ممّن كان له قلب سليم, ويرجو أن يلقى به الله خاليا من الأمراض والمحن.

وحدة الصف ووحدة الأمة والمجتمع في مواجهة التحديات هي السبيل الوحيد لتجاوز الأزمات, والخروج من المشاكل, والذي يستخدم أدوات الفرقة ويغذيها لتحقيق مآربه هذا شيطان, وعدو للأمة, لا يريد بها خيرا, حين يعبث بأمنها ووحدتها وتماسكها, إنّه يفعل ذلك على طريقة فرعون حين جعل أهلها شيعا, أو على طريقة الاستعمار «فرّق تسد» أو على طريقة الشيطان الذي يفرق بين المرء وزوجه, وبين الناس بالتحريش بينهم بعد أن يئس من أن يعبد في أرضهم.

اقرأ أيضا  الصيام وأثره في التخلص من البخل والشح

إنّ دعاة الفرقة كاذبون ولو نطقوا بكل مقدس, مجرمون ولو دعوا إلى ما يظنّه الناس فضيلة, ضالون ولو بدا لك أنّهم يهدون إلى سواء السبيل, انظر إلى آثار ما يدعون إليه, فإن كانت الفرقة هي نتيجة دعواتهم فاعلم أنّهم على ضلال وباطل, فالأمور بمآلاتها ونتائجها, إلم تر إلى هارون حين أخذ موسى برأسه ولحيته يؤنبه على تركه لبني إسرائيل يعبدون العجل ما قال له: «إنّي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي».

استحضر هذا المعنى اليوم وأنا أرى نفرا حميت رؤوسهم في الدفاع عن مذهبهم ومهاجمة سواهم, وكله بدعوى الحرص على الدين والمذهب وهم في نفس الوقت يؤججون نارا لا يعلم إلاّ الله متى تنطفئ وكم ستحصد في ثورانها, وكم ستهدم من الحصون, وكم ستفتح لأعداء الأمة من ثغرات ينفذون منها إلى ديارنا ومقدساتنا وخيراتنا لينهبوها, وكم ستمزق من أوطاننا, وكم ستهتك من أعراضنا, وكم من الويلات والمصائب ستنزل على رؤوسنا بسببها, وكل ذلك بدعوى الحرص على المذهب, وتناسى الحرص على الأمة وووحدتها وأوطانها ومقدراتها, فماذا ستصنع بالخراب والدمار وتحكُّم الأعداء واستفحال المصائب؟!

اقرأ أيضا  أين العرب من إسرائيل اليهودية الديمقراطية؟

مطلوب من العقلاء أن يطفئوا نار الفتنة, لا أن يؤججوها, هناك مصالح راجحة في تجنيب الأمة صراعا طائفيا لا يمكن لأحد أن يتنبأ بآثاره, ومطلوب أن يتحرك كل المخلصون للإصلاح قبل أن يفتك الفساد بما تبقّى لدينا وهو ليس كثيرا. اللهم فاشهد.

المصدر: السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.