المرأة المتعلمة.. وكيف تفيد الأمة؟
الخميس-24 رمضان 1434 الموافق01 آب/أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أذكر أنه وجه إلي من أحد المشتغلين بالشئون الاجتماعية السؤال الآتي: “هل تستفيد الأمة من بقاء المرأة المتعلمة في المنزل أو تستفيد من مشاركتها للرجل في الأعمال جنباً إلى جنب؟ ولأجل أن نصل إلى الإجابة عن هذا السؤال من أقرب طريق. وبأسلوب علمي قائم على الحق والمنطق. وبعيد عن المناقشات الملتوية. وخال من المجادلات التي لا طائل تحتها: يجب أن نتفق على بعض الأمور الهامة التي تعتبر كمقدمات لإثبات ما سنبديه من رأي.
1- أهمية النظام للمجتمع:
يجب أن نؤمن بأن النظام في المجتمع هو أساس الروابط الاجتماعية. وأصل الفكرة القائلة بمدنية الإنسان بطبعه وميله بغريزته إلى حب العمران وتكوين الجماعات. وهو قوام الحياة المشتركة بين الممالك الصغيرة “وهي الأسر” والممالك الكبيرة “وهي الأمم والشعوب” وأن هذا النظام يتطلب وضعاً خاصاً لكل شيء في الحياة ويقضي بتوزيع الأعمال بين أفراد المجتمع وأن يقوم كل امرئ بما خلق له وخصص له وطلب منه وهيئ لمزاولته. وأن لا تترك الأعمال والشؤون فوضى بين الناس: يباشر هذا عمل ذاك. ويطغى ذاك على عمل هذا. لأنه إذا ترك النظام في الأعمال. وأهمل الاختصاص في القيام بالوظائف الاجتماعية والعمرانية. فقام التاجر بعمل الصانع. وتولى المزارع وظيفة العالم. وعهد للطبيب بما هو من حق المحامي. وقع من غير شك الاضطراب وعم الاختلال واضطلع كل فرد بما لا يحسنه فينتقض النظام العام وتنقلب الأمور رأساً على عقب وتفسد المقاييس الكونية التي لا بد منها لعمارة الدنيا. وهنا تكون النتيجة الحتمية لكل هذا أن يرسف الناس في أغلال الفوضى ويرزحوا تحت أثقال الاضطراب. وينتهي الأمر لا محالة بما هو طبيعي في مثل هذه الحالة من المحو والفناء.
2- وظيفة المرأة في المجتمع:
يجب أن نتفق على تحديد وظيفة المرأة في المجتمع وبيان العمل المطلوب منها والمهمة التي تسمح بها طبيعتها. فوظيفة المرأة تتلخص في أنها مطالبة بتكوين الأسرة وتدبير شئون البيت وتربية الأولاد وتعهدهم والقيام بالأعمال المنزلية والولاية عليها والترفيه عن الرجل، وتخفيف ما يلاقيه من متاعب الحياة، وعناء الكدح في طلب العيش، وتحصيل الرزق، وتوفير أسباب السعادة الممكنة للأسرة وتنظيم حالتها الداخلية تنظيما يهيئ الأولاد للمستقبل الزاهر، ويريح الرجال من التفكير والاشتغال بغير ما يزاولونه من تكاليفهم الخاصة، وأعمالهم الخارجية.
3- حالة المرأة العادية:
إذا وجدنا أن بعض النساء قد كان لهن شأن في التاريخ أو قمن بمهام عامة، أو نجحن في أعمال من أعمال الرجال، أو برزن في أية ناحية من نواحي الحياة، يجب أن ندرك أن هذه حوادث استثنائية، وأحوال عارضة وفلتات نادرة لا يؤخذ بها ولا يقاس عليها، وأنها إنما وقعت وليدة ظروف ومناسبات خارجة عن طوق المستوى العادي للمرأة، وزائدة على فطرتها التي فطرها الله عليها، وأن الذي ينبغي أن يجعل مقياساً وقاعدة للحكم على المرأة وأساساً لمداركها وتفكيرها وعملها في المجتمع، هي الأمور العادية الطبيعية المشتركة بين أكثرية أفراد جنسها، والتي لا يكون فيها شذوذ ولا تفرد، والتي تستمد من المستوى العام للمرأة، فإن الذي يطلب من جنس المرأة غير الذي ذكرناه يكون كمن يطلب من الرجال أن يكونوا كلهم شعراء أو علماء أو مخترعين أو ما سوى ذلك من المزايا والخصائص التي لا يمكن إلا أن تكون في فئة خاصة من الرجال.
4- خروج المرأة عن وظيفتها:
إذا سرنا في موضوعنا على ضوء القواعد العلمية والاجتماعية، وقدرنا الوقائع الثابتة تقديراً يوائم شرعة العدل والإنصاف، يجب ألا نخرج بالمرأة عن وظيفتها، وألا نسمو بها فوق مرتبتها، وألا نستغل ما قاله عنها المشايعون لها استغلالا سيئاً يؤدي بنا إلى التطرف والغلو، ويوقعنا في المبالغة والشطط، وألا نسرف في ذلك إسرافا يجعلنا ننسى تكوين المرأة، ونغالط أنفسنا في فهم قوتها وضعفها، ونتجاهل عيوبها وهفواتها فنسبغ عليها من النبل والفضل والسمو والكمال ما لا يتفق وطبيعتها، وما يخالف واجب الحذر والاحتياط.
5- المرأة المتعلمة والغير المتعلمة:
يجب ألا نقيم كبير وزن لمن يقول بالتفريق بين المرأة المتعلمة والغير المتعلمة في سوى وظيفتها المنزلية وما يتصل بها من جودة ورداءة ونشاط وكسل ونظام واضطراب. فهذه كلها بلا شك مسائل تختلف فيها المتعلمة عن غيرها، وتتفاوت فيها مدارك المثقفات عن الأخريات، إلا أن ما وراء ذلك مما يتعلق بالنفوس والطباع يجب أن تكون نظرة الرجل إليه دقيقة وتقديره له صحيحاً، وأن يؤمن بأنها مهما بلغت من ثقافة واستنارة فإنه لا يمكن لها أن تتخلى عن إنسانيتها الخاصة بها إذا سلمنا بهذه المقدمات السابقة واقتنعنا بها سهل علينا بعد ذلك الخلوص إلى النتيجة التي نريدها وهي أن الأمة تفيد من بقاء المرأة المتعلمة في المنزل أكثر مما تفيد من مخالطتها للرجال ومشاركتها لهم في الأعمال جنبا إلى جنب.
بيد أننا لا نريد من هذا أن تظل المرأة سجينة في المنزل لا يراها النور. ولا تتنسم نسيم الحرية البريئة التي هي من حق كل كائن. وإنما نريد ألا تقلب المرأة الأوضاع فتنسى واجبها وتهمل بيتها وتترك تربية أولادها وتقصر في حقوق أسرتها. وتسلب حقوق الرجال وتطغى عليهم وتزاحمهم فيما أعدتهم له الحياة وأعدتها هي لغيره.
وماذا يكون حال المنازل والأسر لو شاركت المرأة الرجل في كل الأعمال وقامت بها معه جنباً إلى جنب؟ ولمن نترك أمرها ما دام النساء والرجال قد هجروها وهاموا جميعاً على وجوههم في مناكب الأرض بدعوى الحرية والتعاون والاشتراك في الأعمال؟
الحق أن لكل كائن في هذا الوجود نظامًا خاصاً به وعملا يؤديه. وأن القول بخلاف ذلك مغالطة وإهدار للنواميس وترك للواقع وأخذ بالخيال. ألا وإن خير الأمور ما وافق الشرع وأقره العقل وكفل النظام. وكان فيه صلاح المجتمع ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17].
المصدر : الألوكة