بيت اسكاريا… فلسطينيون وسط أرخبيل من المستوطنات (تقرير)
غزة ،(معراج)- في مزرعته القريبة من منزله، يواصل الفلسطيني صلاح شاهين، العمل على تقليم أشجار الخوخ، غير آبه بمخاطر جمّة تحيط به وبقريته “بيت اسكاريا”، إلى الغرب من مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، وفق الأناضول.
يقول شاهين (65 عاما) لوكالة الأناضول، إن محاولات كثيرة انتهجها المستوطنون الإسرائيليون لطرده وسكان قريته الصغيرة، لإفساح المجال للتوسع الاستيطاني وربط المستوطنات بعضها ببعض.
وتقع قرية “بيت اسكاريا” وتعداد سكانها نحو 650 نسمة، وسط أرخبيل من المستوطنات الإسرائيلية تعرف باسم تجمع “غوش عتصيون” الاستيطاني.
وتضم كتلة “غوش عتصيون” 18 مستوطنة، تم الشروع بإقامة أولاها مع بدء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967.
** شاهين يرفض مليون دولار
ويسرد المسن الفلسطيني، تفاصيل معاناتهم اليومية قائلًا: “نتعرض لاعتداءات المستوطنين، يوميا تُهاجم المنازل وتُرشق بالحجارة، نُحتجز على الحواجز العسكرية، ونُمنع من الخروج من منازلنا، نمنع من أي بناء جديد”.
ويرفض “شاهين” ترك قريته ومزرعته، ويتابع مشددًا: “لن أخرج من هنا إلا إلى القبر، هذه الطريقة الوحيدة التي يمكن لي (من خلالها) ترك أرضي”.
ويشير إلى أن مستوطنا عرض عليه شراء دونم (ألف متر مربع) من أرضه، مقابل أكثر من مليون دولار أمريكي، غير أنه رفض.
ويملك شاهين وعائلته 42 دونما، تزرع بأشجار الخوخ والعنب.
ويتابع: “ولدت هنا قبل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في العام 1967”.
ويتكون تجمع “بيت اسكاريا” من خمسة أحياء متشابهة في ظروف المعيشة وهي: بيت زكاريا، خلّة البلوطة، ووادي شخيت، خلة عفانة، ومنطقة الشافعي.
ويمنع البناء الاستيطاني تواصلها جغرافيا، وبات السكان كأنهم يعيشون داخل التجمع الاستيطاني.
ومن السهل التمييز بين البناء الفلسطيني والاستيطاني، حيث يمنع الفلسطينيون من أي بناء جديد، وتفتقر أحياؤهم للخدمات الأساسية كالشوارع، ومساكنهم مشيدة من الطوب، ومسقوفة بالصفيح، في حين تبدو المستوطنات في أحدث صورة مع كامل الخدمات.
ولا مكان للعب أطفال قرية “بيت اسكاكا” سوى ببعض الألعاب وفرتها جهات مانحة نصبت في ساحة المدرسة الوحيدة بالقرية.
** مسجد بنصف مئذنة
وإلى جانب المدرسة، يقف مسجد لم يكتمل بناء مئذنته بقرار إسرائيلي عام 1980، حسب محمد سعيد، رئيس المجلس المحلي للقرية.
ويشير سعيد في حديثه للأناضول إلى أن السلطات الإسرائيلية سلمت السكان خلال السنوات الأخيرة 38 إخطارا بالهدم تشمل منازل ومنشآت زراعية.
ومنذ عام 1967 يمنع الاحتلال الإسرائيلي سكان القرية من البناء والتوسع، حسب رئيس المجلس، قائلًا: “نعيش ظروفا صعبة، عدد السكان يتناقص بدلا من أن يتزايد”.
وأرجع سعيد ذلك إلى مغادرة الشباب للقرية لبناء أسر، نظرا لمنع البناء والتوسع فيها.
ويعتمد أغلب سكان القرية على تربية الأبقار والأغنام والزراعة، ويمتلكون 9 آلاف دونم من الأرض، خسروا نحو ألفي دونم منها لصالح الاستيطان الإسرائيلي.
ويوضح سعيد: “نمتلك أوراق طابو (شهادات تسجيل) منذ العهدين العثماني والأردني بملكية الأراضي”.
ويقارن بين قريته والمستوطنات، قائلا: “في كل يوم هناك بناء جديد ولديهم (المستوطنون) مدارس وملاعب ومتنزهات، وكل ما يحتاجون وما لا يحتاجون، بينما نحن أصحاب الأرض نفتقر لأدنى مقومات الحياة”.
** الهروب من الضغط النفسي
بدورها، تقول أمل خلاوي (38عاما)، إحدى ساكنات القرية، إنها “تعيش مخاوف متواصلة جراء السكن وسط تجمع استيطاني”.
وتضيف “نخشى المرور في الطرقات، وحتى المبيت، في كل لحظة متوقع أن يهاجمنا المستوطنون”.
ومنزل خلاوي ملاصق لمنازل المستوطنين، وتقول إنهم رشقوا عائلتها بالحجارة، وأعطبوا مركبتها وخطوا شعارات معادية للعرب، عدة مرات.
وتترأس “خلاوي”، جمعية نسوية في قريتها، تختص في التصنيع الغذائي، وتقول إنها فرصة للخروج من الضغط النفسي الذي يسببه الاحتلال ومضايقاته.
أما حسين خليل، وهو محام وناشط في الدفاع عن أهالي القرية، فيسكن حي “خلة البلوطة” في قرية بيت اسكاريا.
ويتحدث خليل عن تجربته قائلًا: “المستوطنون والجيش الإسرائيلي ينتهكون القوانين كافة بشكل يومي، ويُمنع السكان من حقهم في العيش والسكن والتنقل بحرية”.
ويضيف: “هنا تمارس كل أنواع الجرائم بحق السكان، تحت حماية ومشاركة الجيش الإسرائيلي”.
** فصل عنصري
ويتابع خليل: “إسرائيل تستخدم الفصل العنصري بكل تفاصيله في قرية بيت اسكاريا، حيث تفصل بوابات وأسلاك شائكة المستوطنات عن القرية، ويمنع الفلسطينيون من دخول المستوطنات، بينما يسمح للمستوطنين بالتجول بكل سهولة”.
وبينما يمر مستوطنون من أمام منزله، يشير إليهم المحامي الفلسطيني ويقول: “انظر، ليلا يأتون لرشق منزلك بالحجارة ومحاولة تهجيرك، ونهارا يتمشون بين منازلنا”.
ويعد الاستيطان العقبة الرئيسة أمام أي مفاوضات فلسطينية إسرائيلية محتلة، حيث يصر الفلسطينيون على أن الاستيطان غير شرعي، استنادا للقانون الدولي.
وتشير بيانات حركة “السلام الآن” الحقوقية الإسرائيلية، إلى وجود 661 ألف مستوطن إسرائيلي و132 مستوطنة كبيرة و124 بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية) بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، حتى أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وكالة معراج للأنباء