أنواع الحزن ومسبباته
الكاتبة القطرية آمنة سلطان المالكي
الإثنين-19شوال 1434 الموافق26 آب/ أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
كثيرا منا يمر في فترة من حياته بحزن نتيجة لحادث صعب اثر عليه من الناحية الدينية والدنيوية، ونعلم ان الحزن شعور لابد أن يعتري الإنسان السوي، إن وجد سبب، كالألم والغضب، بل كالجوع والعطش، لان الله سبحانه تعالى قد اودع في الناس الإحساس والشعور ويكون بحسب ما يجده الحس من أثر المحسوس وجوده او عدمه
***فالحزن من عوارض الطبيعة البشرية، لم يكن يوماً من الدهر محرماً في شريعة سماوية طالما كان مقتضيه صحيحاً، وردت مفردة (حزن) في القرآن الكريم 42 مرة. ولهذا قال الله تعالى عن أهل الجنة: “وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ” [فاطر:34]، وقال لخير النبيين صلى الله عليه وسلم_: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ”،[المائدة:41]، بل قال تعالى: “قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” [الأنعام:33]، وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً حين قتل القراء، فما رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم حزن حزنا قط أشد منه، وقال تعالى فيما أخبر به عن نبيه وصديق هذه الأمة: “.إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” [التوبة:40]، وقال للمؤمنين: “وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” [آل عمران:139]، “وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ” [التوبة:92].
*** ان الرسول صلى الله عليه وسلم سمى عام الحزن بالعام الذي فَقَدَ النبي عليه الصلاة والسلام فيه نصيرين عظيمين له ولرسالته، فقد تُوفي في هذا العام عمُّه أبو طالب (رضوان الله عليه )، كما تُوفِّيت في العام نفسه زوجته المثالية العظيمة أم المؤمنين السيدة خديجة (رضوان الله عليها )، فكان لوفاتهما وقعاً كبيراً على قلب الرسول، فاشتد مصابه وحزن عليهما، فسمَّى النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك العام بعام الحزن. نعم كان لهاتين الحادثتين الأليمتين وقعاً كبيراً على قلب الرسول (صلى الله عليه وسلم) فتألم لفقدهما، أما عن قريش فقد انتهزت عام الحزن واشتد إيذاؤها للرسول وأصحابه رضى الله عنهم، فخرج بعد ذلك إلى الطائف يدعو قبيلة ثقيف إلى الهداية والاسلام ولكن هذه القبيلة جاملت قريشا وأمرت سفهاءها أن يؤذوا محمد فشكا إلى الله تعالى مستغيثاً بدعائه المشهور (( اللهم انى أشكو إليك ضعف قوتي وقلت حيلتي وهواني على الناس، برحمتك أستغيث، انت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمرى؟ أسألك بنور وجهك الكريم الذى أشرقت به الظلمات وصلح به أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بي غضبك أو أن ينزل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوه إلا بك)) ثم عاد بعدها إلى مكة، وبعدها أرسله ربه سبحانه وتعالى إلى رحله السعادة والمتعة رحلة الإسراء والمعراج.
*** ولعل في قول الله تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام جواباً: “وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ” [يوسف:84]، وإذا نعلم أن يعقوب عليه السلام نبي كريم، يستحيل عليه الكذب في إثبات الصبر الجميل لنفسه ويعلم أن الحزن لا يعارض الصبر والرضا والتسليم لان الحزن مصيبه من جملة المصائب وهو عارض غير مرغوب فيه أو مُرَغَّب إليه كالجوع والعطش، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: “ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه“.
أخيرا: —
“القرآن الكريم ” نبض الوجود وخَفْق الكون — بالحزن نزل، وعلى قلب حزين نزل: قال عليه الصلاة والسلام “إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا” (رواه ابن ماجة).
المصدر : بوابة الشرق