واشنطن غير مؤهلة أخلاقياً لمعاقبة سوريا

د. ياسر محجوب الحسين

السبت-2 ذو القعدة 1434 الموافق7أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

ليست المشكلة تكمن في انتهاء صلاحية نظام الأسد في سوريا ولا في إثبات جرائمه ضد الشعب السوري؛ لكن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة غير مؤهلة أخلاقياً لمعاقبة أو إسقاط نظام الأسد.. عندما يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما: (إن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا ليس مأساة فحسب، بل هو انتهاك للقانون الدولي ينبغي تسويته)، فإننا نتساءل مباشرة من هي الدولة الأكثر انتهاكا للقانون الدولي؟! لاشك أن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق الذي لم يشهد عافية منذ ذلك الوقت، كان المثال الأبرز لانتهاك واشنطن للقانون الدولي.. عندما غزت الولايات المتحدة العراق في 20 مارس من العام 2003 لم تراع قانوناً دولياً ولا بعداً إنسانياً بل خالفت بشكل صريح قرارات الأمم المتحدة في هذا الصدد، وعارض كثير من دول العالم حملة الغزو المشؤوم لكونها تخالف القوانين الدولية، وحاولت واشنطن قبيل بدء الحملة العسكرية الحصول على تشريع دولي لكن هذه المحاولات كما سجل التاريخ فشلت فشلاً ذريعاً. بيد أن واشنطن مضت قدماً غير آبهة ودخلت العراق على رؤوس الأشهاد. ويذكر أن السكرتير العام للأمم المتحدة حينذاك كوفي عنان صرَّح بعد سقوط بغداد أن الغزو كان منافياً لدستور الأمم المتحدة. ورأى الكثير من أهل القانون الدولي أن الحملة العسكرية ضد العراق كانت مخالفة للبند الرابع من المادة الثانية للقوانين الدولية والتي تنص على أنه “لا يحق لدولة عضو في الأمم المتحدة من تهديد أو استعمال القوة ضد دولة ذات سيادة لأغراض غير أغراض الدفاع عن النفس”.. حتى مبرر واشنطن للغزو سقط في سلة الأكاذيب؛ فقد كان تبرير امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل من أهم التبريرات التي حاولت الإدارة الأمريكية ترويجها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولم تفلح واشنطن وهي الدولة المحتلة للعراق بعد ذلك في إثبات مزاعمها بل عمدت إلى حل فرق التفتيش التي شكَّلتها لعدم عثورها على أي أثر على أسلحة الدمار الشامل.

اقرأ أيضا  تلقى أكثر من 93.1 مليون إندونيسي جرعة اللقاح الثانية

وبما أن هناك اتفاقاً بحرمة استخدام الأسلحة الكيميائية؛ فيجب أن يكون هناك اتفاق بحرمة قتل الأبرياء، وأن قتل أعداد كبيرة منهم جرم كبير يساوي استخدام الأسلحة الكيميائية.. فليس من العدل أن يتغاضى العالم المسمى (حرا) عن مقتل آلاف المتظاهرين السلميين في ميادين رابعة العدوية والنهضة في مصر ويتمسك بضرب نظام سوريا لقتله أعدادا ربما أقل باستخدام الأسلحة الكيميائية.. المعايير المختلة والموازين المزدوجة هي مؤشر للأغراض الخفية وراء الإدانات والحملات العسكرية وإن اتفقنا معهم على فظاعة هذا الجرم أو ذاك.

المأساة أيضاً أن واشنطن ماضية في تنفيذ عمل عسكري ضد سوريا رغم رفض الصين وروسيا وألمانيا التي تنادي بوضع حد لأعمال العنف ومعاناة السوريين بأسرع وقت، من دون محاولات للتدخل العسكري الخارجي بالالتفاف على مجلس الأمن الدولي.. لن تنتظر واشنطن نتائج تحقيق الأمم المتحدة حول استخدام هذه الأسلحة الكيميائية ولن تعتبرها الأساس لأي خطوة مقبلة في ملف سوريا.. لن تستمع واشنطن للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يصرخ بصوت مبحوح قائلا: (إن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتفادي حمام الدم).. ولن تصغي واشنطن أيضاً لرئيس المجلس الأوروبي فإن رومبوي الذي ظل يشدد على الحاجة لمعالجة الأزمة عبر الأمم المتحدة.

اقرأ أيضا  رعب في إسرائيل

الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان سفيرتها لدى الأمم المتحدة سامنثا باور قالت إن بلادها تخلت عن العمل مع مجلس الأمن بشأن الملف السوري وستتحرك منفردة لأنه لا ينبغي ترك النظام السوري “ينتهك القوانين الدولية” ويتصرف دون عقاب باستخدام الأسلحة الكيميائية، مشيرة إلى أن روسيا التي توفر له “الحماية” تعوق مجلس الأمن من التحرك.. والحقيقة الناصعة أن واشنطن ظلت تحمي إسرائيل وهي تنتهك الحق الفلسطيني باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً والأكثر فتكا من الأسلحة الكيميائية في غزة وغيرها، بل ظلت تعوق عمل مجلس الأمن حينما يناقش جرائم إسرائيل وانتهاكاتها للقانون الدولي.. الحقيقة الأخرى فإن التحرك العسكري الأمريكي ضد سوريا وغير المبني على قرار من مجلس الأمن هو عدوان ضد دولة ذات سيادة.

اقرأ أيضا  الجنَّة دار المتقين - الشيخ صلاح نجيب الدق

المصدر : بوابة الشرق

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.