أخلاقيات الحرب في الإسلام
بقلم إمام المسلمين الشيخ يخشى الله منصور حفظه الله
جاكرتا ، مينا – قال إمام المسلمين الشيخ يخشى الله منصور:”على المسلمين أن يهتموا بالأخلاق التي يجب مراعاتها حتى في زمن الحرب، لأن الإسلام نظم ذلك.”
ونأمل، مع الشرح المختصر في خطبة الجمعة هذه، أن يحصل المسلمون على تنوير بشأن مبادئ وأخلاقيات الحرب في الإسلام.
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن، سورة الحج [22]، الآيتين 39 و 40:
* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * (الحج [٢٢]: ٣٩ــ٤٠)
وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره أن الحرب في الأصل ليست أمرا بل مجرد إذن للمظلوم للدفاع عن نفسه ورد الظلم.
بالإضافة إلى تعرضهم للظلم، يُسمح للمسلمين بالمشاركة في الحرب عندما يتم الهجوم عليهم أولاً، ويتم الاستيلاء على ممتلكاتهم، وطردهم من وطنهم، ومنعهم من ممارسة فرائضهم الدينية.
وجواز القتال عن المسلمين، كما جاء في الآيتين، هو للدفاع عن أنفسهم، وحماية دور العبادة، وإحلال السلام والأمن والطمأنينة في المجتمع.
فإذا شارك المسلمون في الحرب في هذه الظروف فإن الله سينصرهم، وذلك على الله يسير.
إن غرض الحرب في الإسلام ليس مجرد الدفاع عن مصالح المسلمين، بل الأهم من ذلك، إرساء النظام والسلام في العالم، والدفاع عن المضطهدين، وإعلاء العدل للإنسانية جمعاء، ونشر الرحمة لجميع الكائنات.
في الشريعة الإسلامية، هناك أخلاق يجب الحفاظ عليها أثناء الحرب. هناك قواعد يجب الالتزام بها، ومنها عدم مخالفة المعاهدات والاتفاقيات.
يحرم في الإسلام قتل المدنيين كالرهبان والقساوسة والشيوخ والنساء والأطفال والعزل.
في المهام العسكرية، يُحظر على المقاتلين المسلمين قطع الأشجار بشكل عشوائي، وتلويث البيئة، وإتلاف أو تدمير المرافق العامة، ودور العبادة مثل الأديرة والكنائس والمعابد اليهودية والمساجد.
فإذا استسلم العدو فلا يجوز للمسلمين قتلهم. يجب أن يعامل أسرى الحرب معاملة إنسانية، دون تعذيب أو أذى جسدي.
وفي حديث رواه أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قال:
انْطَلِقُوا بِسْمِ اللهِ، وَبِاللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِ اللهِ لاَ تَقْتُلُوْا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلًا، وَلاَ صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ تَغْلُوا، وَضَمُّوا غَنئًامَكُمْ ْلِحُوا ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ اْلمُحْسِنِيْنَ (رواه ابو داود)
يتماشى هذا مع القانون الإنساني الدولي، الذي يضع حدودًا صارمة على الإجراءات التي لا يجب انتهاكها أثناء الحرب، مثل حظر الهجمات على المدنيين والمساعدين الطبيين والمدارس ودور العبادة والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمركبات التي تحمل الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، في تقارير إعلامية مختلفة، خلال عدوانها العسكري، قامت إسرائيل الصهيونية بمهاجمة سكان غزة بشكل عشوائي. واستهدفوا التجمعات المدنية والمدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد، ولم تسلم جميع المرافق العامة من عنفهم. والآن، تعرضت جميع المباني في غزة تقريبًا للدمار بسبب صواريخها وقنابلها.
ولم تعد إسرائيل الصهيونية تستمع إلى نداءات المجتمع الدولي للسلام، منتهكة مختلف الاتفاقيات ومتجاهلة قرارات الأمم المتحدة. ويتم تجاهل الدعوات لمحادثات السلام ووقف إطلاق النار.
وبالتالي، أي جريمة يمكن أن تكون أكبر مما ارتكبوه بالفعل؟ من المناسب والملائم للغاية أن تصف محكمة العدل الدولية تصرفات إسرائيل الصهيونية بأنها إبادة جماعية في غزة.
يعلم الإسلام أتباعه التعايش السلمي مع المجتمعات الأخرى، في وئام، على الرغم من اختلاف المعتقدات والأديان والأجناس والقوميات.
وهذا ما فعله النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه الكرام في المدينة المنورة. إلى جانب المسلمين، كانت هناك مجتمعات يهودية وقبائل غير مسلمة لم تعتنق الإسلام. واتفقا على ميثاق للعيش معًا والتعاون على أساس مبادئ التسامح والوئام.
إذا كانت هناك اضطرابات أو تهديدات من أطراف خارجية، فإن أهل المدينة المنورة يتعاونون ويدعمون بعضهم البعض لتأمين المدينة. تُعرف هذه الاتفاقية بدستور المدينة المنورة.
عند مواجهة الصراع لأطول فترة ممكنة، يعلم الإسلام أتباعه إعطاء الأولوية للحوار والتفاوض والتشاور والإجماع، مع دعم مبادئ السلام والمساواة واحترام القيم الإنسانية.
إن الله سبحانه وتعالى ورسوله يشيدون كثيرًا بمن يحققون السلام. والحقيقة أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قال:
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ؟ ” قَالُوا : بَلَى. قَالَ: ” إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ (رواه ابوداود)
لذلك، يجب على المسلم الحقيقي أن يعمل بنشاط على تعزيز السلام، والتوسط في النزاعات، وتقديم الحلول كحل للمشاكل في النزاعات، وأن يكون قوة موحدة بين المجتمعات.
ومن خلال إرساء مبادئ الجماعة يمكن تحقيق السلام والطمأنينة والوئام في الحياة المجتمعية والوطنية.
بالوحدة، إن شاء الله، نستطيع جميعا أن نساهم في تحرير المسجد الأقصى وفلسطين. آمين يا رب العالمين.
وكالة مينا للأنباء