في المبادرة في التوبة من الذنوب

الأربعاء-6 ذوالقعدة 1434 الموافق 11 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أمرنا بالطاعة، وحذَّرَنا من المعصية والإصرار عليها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا

أمَّا بعدُ:

فيا عباد الله، اتَّقوا الله – تعالى – وراقِبوه في السرِّ والعَلَن، واحذَرُوا من العاصي وشُؤمها وما تجنيه على أهلها، واعلَمُوا أنَّ العبد قد يخُطئ ويعثر وهو سائر في طريقة إلى الله، ولكنَّ المهم ألاَّ يبقَى في معصيته ويستمر عليها ويقول: الله غفور رحيم، وينسى أنَّه شديدُ العقاب، فالله غفور رحيم لمن تابَ وندِم وأقلع عن الذنب، وهو شديدُ العقاب لمن تمادَى في عِصيانه، ثم إنَّ الناس يختَلِفون في سُلوكهم ومُعاملتهم مع ربهم. 

فالبعض إذا وقَع في الذَّنب وزلَّت قدمه بادَر إلى التوبة وخلَّص نفسَه من الذنب وآثاره، وأحدَث ذلك الذنب في نفسه خوفًا وخشيةً من عقوبةِ ما وقَع فيه، وقد يكون ذلك الذنب الذي وقَع فيه من جرَّاء الغَفلة سببًا في عملٍ صالح وتزوُّدٍ من الحسنات، وقد يكون شجًّا أمامه كلَّما ذكره أحدث له خوفًا وخشية من الله؛ فاستغفر ربَّه.

اقرأ أيضا  مناهج الدعوة وتطبيقاتها في النصيحة الشرعية - نحو رؤية متجددة

وهكذا كلَّما ذكر ذلك الذنب فهذا الصِّنف من الناس تقلُّ أخطاؤه، ويُحدِث له الذنب الذي وقع فيه خوفًا يجعل الذنوب أمامَه أشباحًا موحشة ينفر منها ويبتَعِد عنها، والبعض من الناس لا يُبالي بالذنب عندما يقَع فيه، وقد يكونُ من المتجرِّئين عليه مع عِلمه ويقينه بأنَّه مُعاقَب عليه، فهذا – والعياذ بالله – من حاله تكثر معاصيه وتتراكم على قلبه السيِّئات حتى يسودَّ قلبه.

قال الله – تعالى -: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ [المطففين: 14-16} 

وفي الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: ((تُعرَض الفتن على القلوب كعَرْضِ الحصير عودًا عودًا؛ فأي قلب أُشرِبها نُكِتتْ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكَرَها نُكِتت نكتةٌ بيضاء؛ حتى تَعُود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه، وقلب أبيض فلا تضرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض(1) 

فالعبد يا عباد الله في هذه الدار مُمتحَن ومُختبَر ليَظهَر الصادق في إيمانه من الكاذب؛ قال – تعالى -: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 2-3} 

اقرأ أيضا  التذكير بفضل ليالي العشر من رمضان

والعبد خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون، والله غفورٌ لمن تاب إليه وأناب. 

قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 54}

فلا بُدَّ من المبادرة إلى تطهير النفوس ممَّا وقعت فيه من آثارٍ؛ حتى لا تتراكم على القلب الذنوب، ويستفحل الداء، ويصعب الدواء، فالبدن إذا تُرِكَ مع ما يحصل له من إفرازاتٍ وما يتعرَّض له من أجواء متعكرة تتراكَم عليه الأوساخ، وتكثُر أمراضه، ويضعُف القلب والبدن عن مُقاوَمتها فيهلك، فكذلك الذنوب إذا تراكمت على القلب اسودَّ وضعُف عن مُقاومتها فهلك؛ قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222}

فاتَّقوا الله يا عباد الله؛ فإنَّ الذنوب والمعاصي أمراض تُودِي بمَن تمادَى فيها إلى الهلاك، فليتفقَّد العبد حاله، وليحاسب نفسه، فقد أفلَحَ من زكَّاها وقد خابَ مَن دسَّاها، فبادِر يا عبد الله بالتوبة ممَّا وقعت فيه من معصية ولا تُسوِّف؛ فإنَّك لا تدري متى يهجم عليك الموت فيُحال بينك وبينها، وتُبْ من قريبٍ يتب الله عليك؛ فإنَّه – جلَّ وعلا – يقول: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء: 17-18}

اقرأ أيضا  الصيام وتربية المسلم

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول قولي هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.