خطوط أوباما
الإثنين-11 ذوالقعدة 1434 الموافق 16 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
سعد بن طفلة العجمي
في الوقت الذي كان فيه وزيرا خارجية روسيا والولايات المتحدة- لافروف وكيري- يعقدان مؤتمرا صحفيا بجنيف يعلنان فيه التوصل لاتفاق حول إزالة أسلحة النظام السوري الكيماوية، كان طيران النظام الحربي يقصف الغوطة شرق دمشق. نظام بشار فهم الرسالة وعرف ماهية الخطوط الحمراء التي خطها الرئيس الأمريكي باراك أوباما: افعل ما تشاء، ولكن استخدام الأسلحة الكيماوية خط أحمر!
حذر ناشطو الثورة السورية ومؤيدوهم من التهديد بقصف النظام ثم التراجع عنه، وهو ما تم. لم يكن أحد يتطلع “بسادية” نحو قصف أمريكي لسوريا ونظامها، ولكن التهديد بقصف النظام الذي أربك حسابات وأعاد حسابات ثم عدم التنفيذ أسوأ من القصف نفسه، فلقد أعطى ذلك للنظام طوقا جديدا للنجاة والمماطلة والتسويف، ورخصة جديدة بالقتل والإبادة شريطة عدم استخدام الأسلحة الكيماوية.
الرفض الروسي والمعارضة البرلمانية البريطانية وتردد الكونغرس وعدم التعويل على فرنسا كحليف بالضربة، والوضع الاقتصادي الأمريكي ونتائج حربي العراق وأفغانستان، كلها عوامل جعلت من الضربة الأمريكية “التأديبية” لنظام بشار صعبة أو حتى مستحيلة بحسابات السياسة والحرب، ولكن ثمة عوامل أخرى.
هناك فيتو إسرائيلي بعدم الإطاحة ببشار لسبب يسهل استيعابه: لماذا الاستعجال بالدخول بالمجهول ووقف تدمير سوريا وإبادة شعبها وتشريدهم؟ ومن بديل الأسد؟ فالأفضل لإسرائيل ألا يأتي بديل قوي يمكن أن يشكل خطرا عليها، ولذا فليستمر الدمار وتتحول سوريا لدولة فاشلة يمكننا التعامل مع بعض إرهابييها لو تجرأوا على مهاجمتنا. الهم الإسرائيلي الآن هو بكيفية ضبط الأسلحة الكيماوية كي لا تقع “بالأيدي الخطأ”، وهو مصطلح يعني كي لا تقع بيد من لا نضمن أنه لن يستعملها ضدنا، وهو ما توافق عليه لافروف وكيري ووافق عليه بشار قبل توافقهما بإعلانه الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة الكيماوية.
أما جبهة النصرة وما يسمى بدولة العراق وسوريا الإسلامية فهم صنيعة المخابرات السورية بالدرجة الأولى الذين استخدمتهم بالأمس القريب لتفجير مساجد سنة العراق وحسينيات شيعتها بشهادة المالكي نفسه الذي اشتكى النظام السوري لدى الأمم المتحدة بعد تفجيرات ما سمي “الأربعاء الأسود” عام 2009. وهم الوجه الآخر لجيش إيران في سوريا –حزب الله- ويشكلون جميعا المكونات الأساسية لطبخة حروب الطوائف التي تعمل إسرائيل على إشعالها بالمنطقة.
في العام 2008، وقبل انتخاب أوباما أول مرة كرئيس للولايات المتحدة، شاركت بمناظرة من مناظرات الدوحة DOHA DEBATES الذي تنظمه قناة البي بي السي الانجليزية التلفزيونية بإدارة الصحفي الشهير تيم سباستيان، وكانت حول مَن مِن المرشحين –أوباما أو ماكين- أفضل لمنطقتنا، وكان رأيي أن أوباما لا يمتلك برنامج سياسة خارجية سوى الانكفاء والتراجع داخل بلاده، ولا يمتلك رؤية حول الملفات الثلاث الأهم بمنطقتنا: فلسطين والعراق وإيران. فتجمدت مطالب الحق الفلسطيني، وزادت المستوطنات والتهام حقوق الفلسطينيين، وهرب من العراق متخليا عن مسؤولية بلاده باحتلالها والفوضى التي يعيشها، ويراوح بلا هدف تجاه ملف إيران النووي.
وللأمانة فإن من حق رئيس أي بلد أن يفكر بمصلحة بلاده أولا وقبل كل شيء، وهو ما يعتقد أوباما أنه ينتهجه، فهو رئيس لا يريد الحروب، ويريد أن يدخل التاريخ كحائز على نوبل للسلام، ويفكر بأن يكون داعية له بعد انتهاء مدة رئاسته بعد سنتين تقريبا، ولكن خطوطه الحمراء وتلويحه بمعاقبة النظام السوري ونجدة الشعب السوري المنكوب ثم التراجع عنه أضرت بقضية السوريين بالخلاص من نظام بشار، وعززت فرص النظام بالبقاء مدة أطول، وهذه خطيئة يصعب على أي منصف تجاهلها.
يرتبط مصطلح الخط الأحمر بالدم، والسلاح الكيماوي يقتل بلا دم أحمر، وخطوط الرئيس الأسود سيد البيت الأبيض الحمراء غدت عديمة اللون تماما كقتل الكيماوي، فكانت خطبه وتهديداته بالسوري الشعبي “حكي بلا طعمه“.
المصدر:بوابة الشرق