غُرور القوّة

د. فوزي زايد السعود

الجمعة- 21 ذوالقعدة 1434 الموافق27 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

أنزل الله تبارك وتعالى الحديد، وجعل له سورة في القرآن الكريم تسمّى “سورة الحديد” ليكون فيه بأس شديد، ومنافع للناس، ولا شكّ أن كلّ أنواع القوّة ومشتقاتها تعتمد بشكلٍ رئيس على هذه المادّة سواء في العمران أو الصناعة أو السلاح.
والقوّة تتنوّع فتشمل قوّة المال والاقتصاد، وقوّة العتاد والسلاح، وقوّة العصبة والأحلاف، وقوّة الفكر والإرادة، والإيمان والرّوح.. حيث يستخدم كلّ ذلك لجلب منفعة أو درء مفسدة، وبالتالي تستمرّ الحياة، وتُسخّر لخدمة الإنسان والبشرية بشكل عام.
حضارات قديمة وأممٌ حديثة، كانت وما زالت تتخبّط في استخدام القوّة وتوظيفها، في غير مصلحة الإنسانية، فهناك استعباد للإنسان، والهيمنة عليه وعلى خياره ورغباته، ونهْب لثرواته وطاقاته، وتدمير وتخريب للبيئة، وبطش وإيذاء لفرض فكْر أو رأي أو موقف في حياته رغماً عنه.
وقد تَفتن القوّة بأشكالها المتعدّدة بعضَ المخلوقات، وتخطف أبصارهم وأسماعهم، “يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (القصص، 79)، ومن الواضح أنّ أيّ استخدام للقوّة ونتائجها يعود بالدرجة الأولى إلى نوعية صاحبها أو مالكها، وتصوّراته العقائدية وطموحاته الدنيوية، ونظرته للإنسان ودوره في هذه الأرض.
انظر إلى مشركي الجزيرة العربية حينما أعلنوا عن هدفهم من غزوة بدر الكبرى “سنرد بدراً ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فتهابنا”، وانظر إلى قوم ثمود وفرعون وطغيانهم، ”وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)” (الفجر، 9ـ14)، واستمع إلى قول اليهود: “حدود دولتنا حيث يصل سلاحنا“.
وفي المقابل هناك في هذا العالم من يبحث عن القوّة من أجل تحقيق العدالة ونهضة البشرية ومقاومة الظّلم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، استمع إلى قول الصدّيق: “القويّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحقّ منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له”، ولقد حدّثنا القرآن عن لوط عليه السلام وأمنياته بأن يكون لديه قوة وعُصْبة: “قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ” (هود، 80).
إن بعض الناس، أفراداً وشعوباً ودولاً.. يغترّون بقوّتهم، ويظنّون أنها هي الفيصل في الصراع، وتحقيق الغلبة وهزيمة الخصوم، ولكنّ إرادة الله تبارك وتعالى تأبى أن تكون الغلبة للباطل وأهله: ” فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ” (القصص، 81) ، وفي الحديث القدسي: “الكبرياءُ رِدائي، والعظمةُ إِزاري، فمن نازعَني واحدًا منهما، قذفْتُه في النارِ” (سنن أبي داوود، 4090).
إن في هذا درسا لنا جميعاً وهو أن نحصّل القوّة: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” (الأنفال، 60)، سواء في ذلك قوّة الإيمان والعقيدة، أو قوّة الوحدة والترابط والتآلف، أو قوّة الساعد والسلاح، وأن نطوّرها باستمرار، كي تستخدم في تحقيق الخلافة عن الله في الأرض، وبسط العدل والحرية وحقوق الإنسان، ولله درّ القائل: “ما أجمل أن تجتمع القوة مع الحق”، ودرسا آخر وهو أنّ الإنسان مهما بلغت قوته المادية، وبخاصة إذا استخدمها في الشر والأذى فإنها إلى زوال، وربما ينتهي هذا الإنسان أو قوته بأبسط الأشياء، وبأوهى الحيوانات والحشرات، فتصبح أثراً بعد عيْن، والتاريخ شاهد. أيها الإنسان المتجبّر المغترّ بقوّتك المادية، تذكّر أن هناك من هو أقوى منك، وأعظم منك، أن هناك من له جنود السموات والأرض، وأمره كنْ فيكون: “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ” (الأنعام، 61)، وقوله تعالى: “لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” (غافر، 16).

اقرأ أيضا  العنصرية والتعصب.. خطر يهدد القيم والأخلاق

المصدر : السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.