من واقع النت

د. هدى برهان طحلاوي 

الأحد- 8 ذوالحجة1434 الموافق13 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
جمعتهما أجمل قصة حب قبل الزواج، ولوجود قرابة بين العائلتين كانت تخرج معه في نزهات سيراً على الأقدام، أو في سيارة والده فاستمعا إلى أعذب الأغاني وأرقها، وغنيا معاً، وتشابكت أيديهما طويلاً، وحرارة حبهما ألهبت قلبيهما بالوجد والعشق، وتواعدا على الإخلاص والحب طول العمر، فكانت ترسم لحياتها السعادة الملونة بعد الزواج، وتحسد نفسها على وجود مثل خطيبها الشاب المفعم بالحيوية والنشاط والوسامة واللطف، وبعد حصولها على الشهادة الثانوية لم تعد تطيق الصبر لدراسة الجامعة رغم ما كانت تتمتع به من ذكاء وتفوق دراسي، فقررت تكملة الجامعة وهي في بيت الزوجية لأن حياتها معه يجب أن تستقر وتهدأ، فهي تريد رؤيته صباحاً وظهراً ومساءً لوحدهما دون رقيب أو حسيب، فعاندت نصائح أهلها وأهله بالتريث وكان لها ما أرادت.
وبعد الزواج تعلقت به كثيراَ ووهبته كل ما يريده من حب وزيادة، وكانت تريده بقربها دوماً، ولكنه هو لم يكن مثلها فبدأ يتأفف من تعلقها به، وارتباط حياته الحرة معها، ويريد أن يمارس سطوته عليها أليس هو رب المنزل الشرقي؟ الذي يعتبر الرجولة بالتحكم وفرض الأوامر وعليه تعويدها على الطاعة، فعهد الخطوبة الرومانسية ولى وبدأ الجد والحزم، فكان يبعدها عنه كلما اقتربت منه، ويرمي أغراضه مبعثرة في البيت هنا وهناك حتى تتعلم خدمته جيداً، ويرفع لها صوت التلفاز كما يشاء، ويمنعها هي من ذلك، ويعلل تأخره عن العمل بسببها ويحملها المسؤولية، وبدأ الشجار بينهما على باب المنزل فكلما هم للخروج تسرع لوداعه بقبلة طويلة تتزود بها طول النهار، فيغضب من ملاحقتها إياه ويدفعها عنه بعنف، وأحياناً يضربها، فتجلس الساعات الطويلة تبكي وتندب حظها، ولا تعلم لماذا تغير هكذا معها وضجر منها، ولم تستطع البوح بهذا حتى لأمها فهي تحبه ولا تريد الطلاق منه وستصبر عليه لعله يتغير ويندم، وعندما يعود بعد الظهر من العمل يجدها باكية حزينة فيزداد غضبه عليها، ويتهمها بتأخيره الصباحي وعقوبة رب العمل له، فيزداد النكد بينهما والتباعد، ويجلس في المساء ليتسلى على النت، أو التلفاز، أو يخرج ليسهر مع أصدقائه إمعاناً منه بتعويدها الابتعاد عنه والطاعة، فالرجل يفعل ما يريد ولا يحق لزوجته أن تعرف مع من يخرج، وإلى أين، فلم تجد هي مجالاً للترفيه عن نفسها سوى النت أيضاً، فكان هو يسهر مع أصدقائه وهي تسهر مع أصدقائها، وكل منهما بعيد عن الآخر وهكذا مضت حياتهما عدة سنوات حتى صار لهما ثلاثة أولاد، وهما بعيدان بروحيهما يتصالحان قليلاً ويتخاصمان كثيراً، وكل واحد منهما يغيظ الآخر بأصدقائه المخلصين.
أما هي كانت مختلفة عنه كثيراً إذ اختصرت أصدقاءها كلهم بصديق واحد من بلد عربي حيث كان يلاحقها دوماً بالسؤال عنها وبأعذب الكلمات، وبالاهتمام بها ومشاكلها، ويعطيها النصائح ماذا تفعل، وكيف تتصرف، ويبدو أمامها كالحمل الوديع والكلب المخلص، وشكى هو لها أيضاً عن وضعه الاجتماعي أنه طلق زوجته وذهبت مع ولديه إلى بلد أهلها في قطر عربي آخر، وصار وحيداً يحتاج لصديق، وفي البداية أظهر لها أنه مجرد صديق لا يريد أن يخرب لها بيتها بالطلاق، ولكنه عندما علم مدى تعلقها به وبمواعيده على النت بدأ يشجعها على الطلاق لتسترد كرامتها، ويعدها ويمنيها بأحلى حياة معه، وحتى أنه سيتكفل بأولادها ويعتبرهم كأولاده.
صارت تتصيد أخطاء زوجها وتحاسبه على صنيعه معها في الماضي والحاضر فازداد لؤمه عليها، ولما اعترفت له بمن يحبها ويريدها جن جنونه وقطع النت عنها، وحبسها في المنزل، وهددها بالفضيحة بين أهلها وأهله، وهي هددته بالاستعانة بأهلها لطلاقه والخلاص منه حتى تتزوج من أحبها وفهمها.
هو لا يريد طلاقها لأنه سيخسر سيدة منزل عظيمة ومربية لأولاده، ولكنه بالمقابل غير قادر على التراجع عن سطوته عليها والتحكم بها وفرض رأيه، فاستغل عاطفتها الجياشة تجاه أولادها وهددها بحرمانها من أولادها بعد الطلاق.
أحست بمدى حبها لصديقها بعد انقطاع النت عنها، فهو مستودع أسرارها، والمتنفس الوحيد لهمومها ومصابها، وضاقت عليها الأرض بما رحبت ففكرت بالاتصال به عبر الهاتف لتشكي له أمرها وتسمع كلماته العذبة، فتعلقت به أكثر فسماع الكلام والصوت زاد في قربها منه وتعلقها به، أليس الأذن تعشق قبل العين أحياناً، ولكن فرحتها بالاتصال به لم تدم طويلاً إذ كشف زوجها أمرها عندما عبث بهاتفها وهي في المطبخ تعد له العشاء، وعرف أنها تتصل به وتتبادل معه الصور، فجن جنونه أكثر وجاء أهلها يريهم صور عشيقها، ويهدد بالطلاق.
لم تعد قادرة على كتمان مساوئه عن أهلها وظلمه واستحالة العيش معه بكرامة، وبررت لنفسها كل ما تفعله، وقررت الطلاق والزواج بمن تحب على النت في بلد آخر، وحزن أهلها كثيراً، وباءت محاولات الصلح كلها بالفشل بعد استفحال الشجار والعيش، وشاءت الصدف أن يكون عشيقها الجديد من أحد أصدقاء أخيها على النت أيضاً، فشهد له أخوها بحسن الأخلاق والتهذيب، فكان لها ما أرادت وطلقها زوجها، وترك معها الأولاد في فترة العدة خوفاً عليهم من الحزن والكآبة على فراق أمهم الحبيبة إذ توسلوا إليه بالبقاء مع أمهم في بيت جدهم، ولكنه هددها بأخذهم إذا تزوجت من غيره.
وبعد انقضاء العدة طلبت من عشيقها الحضور لخطبتها والزواج، وهو يعدها أن يساعدها بأخذ أولادها فيما بعد لإكمال دراستهم عندها ويهون لها الأمر، وما بررته هي لنفسها صعوبة الدراسة في سورية واستحالة دخول الجامعة بفرع يحبونه بعد الارتفاع الشديد بمعدلات القبول الجامعي، فهو حيث يعيش في المملكة السعودية فإن الطالب الجيد ينال معدلاً عالياً في نسبة النجاح، ولا يحلم به الطالب الممتاز في سورية، فرسمت لأولادها مستقبلاً أفضل للتعليم، وتعللت باقناع والدهم بذلك، فهو مشغول عنهم منذ طفولتهم، وبالتأكيد لا يحتمل الصبر على التفرغ لهم لتعليمهم، وسيتخلى عن تهديده لها بحرمانها منهم.
عجل الخطيب الجديد بالمجيء والخطبة، وقرر الرحيل معها والزواج خلال أسبوع من مكوثه في اللاذقية، وكانت هي قد حصلت على موافقة لرحلة عمرة إلى بيت الله الحرام، وهيأت نفسها للرحيل معه، ووعدها وعداً قاطعاً بجلب أولادها قريباً، واستسلم الأهل مكرهين لما يحصل لابنتهم التي لم تجد السعادة مع زوجها الأول، والذي طمن قلبهم هو أخوها الذي يعمل بالسعودية أيضاً، وشهد له بحسن الأخلاق.
اتصلت بأهلها فور وصولها تخبرهم عن وصولها بالسلامة وتتفقد الأولاد، ثم انقطعت أخبارها عدة أيام اتصلت بعدهم بأمها تعتذر منها عن تأخرها بالاتصال لعدم توفر هاتف عندهم، وبلغتها وعد زوجها أن يوفره لها، ثم انقطعت أخبارها مرة أخرى، ولا أحد يدري ماذا يحل بها، حتى أخيها صديق زوجها الجديد لم يعد يستطيع الاتصال بها حيث غير زوجها رقم هاتفه، ولما طلب أهلها من أخيها الذهاب لبيتها للاطمئنان عليها، فوجئ بأخته حبيسة المنزل لوحدها والباب مقفل عليها، ولما ذهب إلى زوجها في مكان عمله غضب الزوج وطلب منه عدم التدخل بحياته الخاصة، فهو يخاف على زوجته وسيقفل عليها الباب دوماً، ويحرمها من الاتصال بأحد حتى بأهلها، وعلل ذلك قصة ارتباطه بها عن طريق تلك الاتصالات الخاطئة وفقدانه الثقة بها، فهي كما تعرفت عليه قد تتعرف على غيره.
عاد الأخ مرة أخرى لبيت أخته ومن خلف الباب علم منها أنه يظلمها ويحبسها طويلاً في المنزل وحدها، وعليها خدمته وتحمل كل ما يقوم به من أعمال مريبة، إذ عرفت منه أنه لم يطلق زوجته وأنه له منها سبعة أولاد، حيث كذب عليها حتى في عدد الأولاد، وأنه يسهر على النت مع فتيات كثيرات في المنزل، ولما أنكرت عليه هذا وتعكر مزاجه من بكائها وإلحاحها ذهب لمكتبه يسهر هناك على النت، وتركها تتجرع حزنها وشكواها وحدها، وطلبت من أخيها مساعدتها بالطلاق والعودة إلى أهلها، فهو كان يكذب عليها ويخدعها بكل شيء، ويبدو أنه مريض نفسياً، حتى القطة التي يربيها يعذبها ويضرب رأسها بالحائط، ثم يضرب زوجته ويشتمها كلما غضب، ويتركها ويقفل عليها ويغيب طويلاً.
اتصل أخوها بأهله وأخبرهم ما سمع وما رأى، واتصل بالسفارة في المملكة السعودية لينقذوا أخته من براثن هذا الزوج الظالم، فاعتذرت السفارة عن التدخل بينها وبين زوجها، فإذا لم يطلقها أو يسمح لها زوجها بالسفر لا تستطيع مغادرة المملكة، وهو بالتأكيد لن يسمح لها وطرد أخاها عندما طلب منه ذلك.
لم يمض إلا أسبوع على أهلها الذين عاشوا بحزن وحيرة حتى أصيبت أمها باحتشاء شديد في العضلة القلبية وتوفيت على إثره، ولما علم أخوها بالخبر جاء مسرعاً إلى بيت أخته وزوجها في البيت فصدمهما بهذا الخبر، وطلب منه أن يأخذ أخته لواجب العزاء ووعده أن يعيدها معه، ومثل عليه الصدق، فلم يجد الزوج بداً من الموافقة على سفرها عندما شاهد نواحها وعويلها ولطمها خديها على أمها، وسافرا بسرعة عائدين للاذقية، وطبعاً بعد انتهاء العزاء عاد الأخ لوحده، وقرر مع والده وجوب طلاق أخته ولو غيابياً من زوجها الكاذب الخائن الظالم، وهي رغم حزنها وافقت على الخلاص من ذلك الكابوس اللعين، وقررت أن تبقى وحيدة طول عمرها تربي أولادها، فلا مجال لقلبها أن يحتمل عشقاً غيرهم.

اقرأ أيضا  غوتيريش يدعو إلى "عمل جماعي" لإنهاء انقلاب ميانمار


المصدر : دنيا الرأي

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.