إصلاحات أردغان

الإثنين- 9 ذوالحجة1434 الموافق14 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. عامر الهوشان  

رغم الحساسية الشديدة تجاه العلمانية في تركيا , حيث تعتبر ركيزة العلمانية في البلاد الإسلامية بعد تقويض الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية التركية العلمانية على يد أتاتورك , إلا أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردغان استطاع إحداث اختراق نوعي للعلمانية المتجذرة في بلاده , كما استطاع إعادة الكثير من معالم الإسلام ومظاهره الأصيلة في الحياة التركية , وكان آخر إنجازاته في هذا المجال حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلن عنها مؤخرا. وبعيدا عن الانتقادات الموجهة للرجل جراء تبنيه علمانية إسلامية إذا صح التعبير , وسواء كان ذلك سياسة ظاهرية لا بد منها بداية للتدرج بالنقلة النوعية بتركيا إلى الإسلام , أو كان ذلك منهجا متبعا من الرجل , فإن ما يهمنا في هذا الإطار هو الأفعال لا الأقوال والنوايا , وهذه الأفعال تؤكد بأن مظاهر الإسلام تعود لتركيا يوما بعد يوم , ناهيك عن الارتقاء بالبلد اقتصاديا وحضاريا .
ومن المعلوم أن حزب أردغان وصل إلى الحكم في تركيا منذ 11 عاما تقريبا , وقد كانت تركيا حين استلمها أردغان في حالة يرثى لها , فقد كانت تركيا مديونة بدين داخلي يقدر بحوالي 63 مليار دولار , بينما الدين الخارجي يقدر بحوالي 100 مليار دولار , ونسبة البطالة 20% من الشعب التركي , وكان خفض الأجور يقدر بحوالي 20% عندها , والنمو التركي كان سالبا 7,5% , ونسبة السرقة من النظام العلماني تقدر بحوالي 195 مليار دولار .
وبعد وصول حزب أردغان الإسلامي إلى الحكم , وبعد حوالي 11 عاما من فترة حكمه نهضت تركيا نهضة اقتصادية كبيرة , فتضاعف الناتج المحلي لتركيا 6 أضعاف ونصف , ليقفز من 147 مليار دولار إلى 960 مليار دولار , وليتضاعف أجر ومرتبات الأتراك من 2300 دولار في السنة إلى 10000 دولار في السنة , كما ارتفع حجم الصادرات التركي من 33 مليار دولار إلى 152 مليار دولار , وهناك خطة ليصل إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2023م .
وإضافة لكل ذلك نفذ أردغان مشروعا جريئا بفتح ممر بحري ومضيق يوازي مضيق البوسفور , وقد سمي قناة اسطنبول لوصل البحر الأسود ببحر ممره , الذي وفر مئات الآلاف من فرص العمل , ناهيك عن صياغة دستور جديد للبلاد بالاتفاق مع أحزاب المعارضة , مما جعل تركيا تنعم بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي طوال فترة حكم حزب أردغان .
وضمن سلسلة الإصلاحات الأردغانية الجديدة , دخلت يوم أمس حزمة الإصلاحات الديمقراطية الجديدة حيز التنفيذ , وهي حزمة تشمل ثلاث مجوعات رئيسية هي : مواد متعلقة بالنظام الانتخابي والحياة الحزبية , و أخرى متعلقة بالحريات الشخصية والدينية , وثالثة متعلقة بالأقليات الدينية والمذهبية والعرقية .
وإذا كانت المجموعة الأولى من الإصلاحات تتعلق بإلغاء القانون الذي يسمح بغلق الأحزاب السياسية وحظرها , واستبداله بقانون يسهل إنشاء الأحزاب ولو كانت صغيرة وفتح فروع لها , في إطار استيعاب جميع الآراء والتيارات في المجتمع التركي , فإن أهم ما في الإصلاحات المتعلقة بالحريات الشخصية والدينية هو إلغاء حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية باستثناء (القضاء والقوات المسلحة والشرطة) , حيث تشهد تركيا قيودا صارمة منذ فترة طويلة تحول دون ارتداء النساء العاملات في مؤسسات الدولة للحجاب .
وإذا لم يكن في هذه الإصلاحات إلا هذا الجانب فهو إنجاز كبير يستحق عليه أردغان كل الاحترام والتقدير , فبينما تتجه بعض الدول العربية العريقة في الإسلام إلى العلمانية البائسة وتفتخر بها , بل وتحارب التوجه الإسلامي في البلاد بشكل مخيف , وتميل إلى فرض قيود على حجاب المرأة أو لباسها , من خلال المضايقات في الشارع والمؤسسات , فإن أردغان يتجه بتركيا من العلمانية إلى الإسلام .
كما تشمل الإصلاحات التي دخلت حيز التنفيذ من يوم أمس الثلاثاء إلغاء تحية العلم المعمول بها في تركيا منذ عقود , والتي كانت مقررة في المدارس على طول البلاد وعرضها ، حيث كان التلاميذ في طوابير الصباح يرددها كل يوم , وهي تحتوي مضامين تشيد بالقومية التركية ، وبمؤسّس تركيا الحديثة (مصطفى كمال آتاتورك).
وللقارئ أن يتصور صعوبة تغيير الأفكار والمفاهيم العلمانية المتجذرة في الذهن التركي , والتي تمجد أتاتورك وتعظمه , كما له أن يتخيل أهمية النقلة النوعية التي تحدثها خطوة كهذه في المدارس التركية , حيث تنتقل الناشئة في تركيا من تقديس العلمانية ورموزها , إلى جعل الإسلام ورموزه الأحق بهذا التقديس والتبجيل في المستقبل القريب بإذن الله .
وقد شملت هذه الإصلاحات أيضا الأقليات المذهبية والعرقية , فسمح للمدارس الخاصة بالتعليم بمختلف اللغات (الكردية مثلا) واللهجات , كما سمح للأحزاب بالدعاية بلغات غير تركية , إضافة لفتح الأفق بتغيير أسماء القرى لأسماء كردية أو غيرها , ومنع قسم الطلاب المطبق بالمدارس الابتدائية والمتوسطة منذ عام 1933 , والذي يتضمن قول : (أنا تركي) , ناهيك عن قرار مجلس الأوقاف إعادة 12 عقار (244 دونم) لدير مار غابرييل التابع للمسيحيين السريان في ولاية ماردين جنوب تركيا , والذي يعتبر أقدم الأديرة السريانية بالعالم .
وهو انفتاح على جميع المذاهب والأديان الموجودة في البلاد من جهة , وضمن إطار عملية السلام بين الأكرد والأترك التي بدأت مؤخرا من جهة أخرى , والتي يمكن أن تعطي دفعا لهذه العملية , مما يسير بالبلد نحو مزيد من الاستقرار والازدهار .
لقد تحولت تركيا بهذه الإصلاحات وأمثالها من أعلى دولة في نسبة التضخم بنسبة 1000% , ومن دولة سجلها سيء في حقوق الأنسان , ومن دولة مكبلة بالديون وينخرها الفساد , إلى دولة وصل نسبة النمو الإقتصادي فيها في مرحلة من المراحل إلى 11% , محتلة المركز الأول ومتفوقة على الصين 9.70 وسنغافورة 8.30 والهند 7.80 والسويد 6.40, مما جعل تركيا لاعبا مهما اقتصاديا وسياسيا على مستوى المنطقة .
أفلا يستحق عمل كهذا التقدير والاحترام ؟؟! أفلا يستحق الاقتداء والتأسي بغض النظر عن خلافات البعض مع توجهات أردغان ؟؟!!

اقرأ أيضا  إسرائيل تمنع الاحتفال بذكرى المولد في المسجد الإبراهيمي

المصدر : صوت الأقصى

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.