حديث ديني في العدل
الجمعة 13 ذوالحجة1434 الموافق18 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير يمتثل ولشر يجتنب، جمعت ما يتصل بالتكاليف فرضاً ونفلا، وما يتصل بالأخلاق والمكارم عموماً وخصوصاً. روى أن الوليد بن المغيرة وهو من أعلم سادات قريش بأسالب الكلام وبلاغته لما سمع هذه الآية من القرآن وهو على دين قومه، قال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر ما هذا بقول البشر. وعن علي – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما خرج يعرض نفسه على قبائل العرب لإبلاغ رسالته لقى قوما من شيبان بن ثعلبة فدعاهم إلى الإسلام وإلى نصرته، فقال مقرون: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
أنطقهما الله بالحق حين سمعا الآية، وفيها أمر الله بثلاث خصال، هن أمهات الخير والفضائل، ونهيه عن ثلاث هن جماع الشر والرذائل في أوجز لفظ، وأبلغ أسلوب؛ وأبدع نسق.
أمر الله تعالى بالعدل:
وهو مما أجمعت العقول والشرائع على حسنه والدعوة إليه وألحت على التخلق به ليقيمه الإنسان في نفسه ويقيمه مع غيره؛ ويرعاه حق الرعاية في قوله وفعله؛ في سره وعلنه؛ وهو القسطاس المستقيم؛ والميزان الحق؛ وعماد نظام العالم؛ وهو أساس الملك؛ وبه صلاح الأمر كله في الدين والدنيا.
والعدل ما قام في النفوس أنه مستقيم لا عوج فيه ولا انحراف ولا ميل إلى طرف الافراط والاسراف؛ ولا إلى طرف التفريط والتقصير؛ بل وسط معتدل بين الطرفين. والوسط – كما في الحديث – سبيل الله؛ وهو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].
وبه وصف الله المؤمنين في قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143] أي جعلناكم عدولا لانتهاجكم الطريق القويم والصراط المستقيم.
وقد امتدح الله التوسط في الأمر بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[الفرقان: 67]. ثم قال: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ [الفرقان: 75] فجعل الإنفاق القوام المعتدل الذي لا إسراف فيه ولا إقتار سبيل المثوبة بدار السلام. وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]. فسن للإنسان في حياته المالية سبيل التوسط بين التقتير والتبذير.
كل ذلك مدحة للعدل الذي أوجب الله رعايته وجعله في الخلق التكويني والتشريع الإلهي؛ وسمى نفسه به في أسمائه الحسنى. فإن العقائد والتكاليف والآداب التي جاءت بها الشريعة السمحة كلها عدل لتوسطها بين طرفي الإفراط والغلو؛ والتفريط والتضييع؛ فلا هي بالشديدة المتغالية؛ التي ينوء الإنسان بحملها ويرهق بالتكليف بها؛ ولا هي بالرخوة المتساهلة التي لا يصان فيها الحق من العدوان، ولا يحمى بوازع السلطان؛ بل جاءت وسطاً معتدلا قويماً لا تشدد فيه ولا تساهل.
ولذلك لما بالغ عليه السلام في العبادة وقسا على نفسه فيها؛ وهو القدوة لأمته؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه: 2]. ولما سلك بعض القوم سبيل التساهل والتفريط حذرهم الله تعالى فيه بقوله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
قال أعرابي للحسن البصري: يا أبا سعيد؛ علمني ديناً وسوطاً لا ذاهباً فروطاً ولا ساقطاً سقوطاً؛ أي ديناً وسطاً؛ لا متقدما بالغلو ولا متأخراً بالتلو. فقال له الحسن: أحسنت خير الأمور أوساطها.
فعقائد الإيمان كلها عدل ووسط؛ ولذلك فسر ابن عباس العدل في الآية على سبيل التمثيل بكلمة التوحيد؛ ومراده أن إثبات الإله الواحد هو الوسط الحق الذي تباعد عن طرفين ذميمين:
أحدهما نفي وجود إله أصلا كما يزعمه الملحدون؛ وهو تعطيل وكفر.
وثانيها ادعاء وجود آلهة كثيرة كما يزعمه المشركون؛ وهو شرك وضلال؛ فلا جرم أن كان إثبات الوحدانية لله الواحد القهار هو العدل والحق.
والتكاليف الشرعية كلها عدل: ومن ذلك افتراض صيام شهر واحد في السنة؛ فإنه عدل لتوسطه بين صوم الدهر كله؛ وترك صوم الدهر كله.
وفرض الزكاة كل حول كان عدلًا لتوسطه بين الزكاة كل يوم أو شهر وبين الزكاة في العمر مرة واحدة.
والاقتصار في الأكل على الطيب الحلال من الرزق عدل لتوسطه بين تعذيب النفس بحرمانها من كل ما تشتهيه ويميل إليه الطبع ولو حلالا كما يلتزمه بعض الوثنيين؛ وبين إعطائها كل ما تشتهيه ولو حراما كما يفعله الإباحيون؛ وكذلك الآداب ومكارم الأخلاق التي بها الكمال الإنساني كلها عدل ووسط بين طرفين ذميمين. فالشجاعة وسط بين التهور والجبن؛ والجود وسط بين البخل والتبذير؛ والعفة وسط بين الخلاعة والجمود؛ والحكمة وسط بين الجربذة والبلادة. وصدق القول وسط بين الثرثرة بكل قول ولو بالباطل؛ والصمت عن كل قول ولو بالحق.
ولذا قيل: “الفضيلة وسط بين رذيلتين“.
يخلص من ذلك أن العدل المأمور به في الآية هو الوسط المعتدل من العقائد الدينية؛ والتكاليف الشرعية؛ والآداب الإنسانية، وهو جامع لكل خير وفضيلة. والمعنى أن الله تعالى يأمر عباده بالأخذ بالوسط القويم من كل شيء. ويتضمن ذلك نهيهم عن ضده وهو الظلم والجور وتعدي حدود الله؛ ومن أظلم ممن يتنكب مهيع الحق والاعتدال ويضل في بيداء الإفراط والغلو أو التفريط والإباحة؟ وفي الحديث “هلك المتنطعون”؛ وهم المتعقمون المغالون الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم كبراً وعتواً كما قال عليه السلام: “إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيقهون“.
وفي حديث علي “لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا”. وقالت أم سلمة لعائشة: “إن رسول الله نهاك عن الفرطة في الدين” تريد الغلو ومجاوزة الحد. ومنه قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ أي متجاوزاً الحد. وقال تعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56] أي قصرت وضيعت.
وقد تكرر في القرآن والسنة ذكر العدل والقسط بمعنى الوسط الحق. قال تعالى: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ – ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8] – ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58] – ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42] – ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
وقال عليه السلام: “إن المقسطين عند الله على منابر من نور؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا“.
وقال: “أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق؛ ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم؛ وعفيف متفف ذو عيال“.
وعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الإمام العادل أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ومن عدل الملك في رعيته أن يكون بها رحيما رفيقاً؛ وأن لا يدع قوياً يستطيل على ضعيف؛ ولا ضعيفاً يخشى حيف قوي وأن يضع للناس الميزان القسط في كل شيء؛ وأن لا يولي أمور أمته إلا عادلا أميناً لا يرهقها بظلم ولا يعنتها بخيانة (وما للظالمين ومن ولي ولا نصير).
عن عبد الرحمن بن سعد قال:
استعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلا من الأزد على الصدقة؛ فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي إلي؛ فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “أما بعد – فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية إليه؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقى الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقى الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلغت“.
ومن العدل أن تجزى الإحسان بإحسان مثله، وتكف الأذى عمن كف أذاه عنك، ولا تتجاوز في القصاص وجزاء العدوان حد المماثلة والمساواة.
ومن العدل نهي النفس عن هواها وبذل النصيحة وترك الخيانة والإنصاف من نفسك، وأن لا يكون منك مساءة لأحد بقول أو فعل لا في سر ولا في علن والصبر على ما يصيبك من أذى الناس، هذا مجمل ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [النحل: 90]. ثم أمر عز وجل بالإحسان.
والإحسان يطلق على الإنعام على الغير تفضلا، يقال: أحسن الملك إلى رعيته إحساناً، وأحسن الأغنياء إلى الفقراء إحساناً، ويطلق على إحسان الفعل نفسه، يقال فلان يحسن صنعته إحساناً إذا كان صنع اليدين حاذقا في عمله، ومنه قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾. وقول علي – رضي الله عنه -: “الناس أبناء ما يحسنون“. أي ما يعلمونه ويعلمونه من الأفعال الحسنة.
والإحسان في الآية يشمل بإطلاقه المعنيين، فالإنسان مطلوب منه أن يحسن إلى غيره ولو أساء إليه، ويسدي إليه الجميل، ويصطنع المعروف، ويشفق على الناس، وخاصة الضعفاء منهم، حتى تكون له مثوبة التفضل والإيثار.
وليس الأمر قاصراً على الإنسان، بل من الإحسان الرفق بالحيوان؛ ففي الحديث: “فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة” قالوا: وإذا كان عندك طائر في قفصه أو سنور في دارك ينبغي أن لا تقصر في تعهده بالإحسان إليه والعطف عليه.
ومطلوب من الإنسان كذلك أن يحسن عمله ويأتي به على الوجه الأكمل، فإذا كان عمله عبادة لله تعالى كان إحسانه الزيادة عليه بالتطوع بالنوافل والسنن ومراقبة الله تعالى فيه حق المراقبة حتى يبلغ مقام الشهود للواحد المعبود كما يشير إليه قوله عليه السلام: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”. وإذا كان عمله غير ذلك كصناعة ونحوها كان إحسانه الحذق والإتقان لها وتمحيض النصح لمن يعامله فيها وبذل الجهد في إجادتها حتى يؤتي العمل ثمرته ويستحق العامل أجره.
مر علي كرم الله وجهه بقوم يتحدثون في المروءة فقال: “أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90] فالعدل الإنصاف والإحسان التفضل، فما بقي بعد هذا؟“.
لذلك كان العدل فريضة والإحسان نافلة، وكان العدل أصلا والإحسان تكميلا له، وزكاة العدل والإحسان؛ لأن الإحسان نماء فيه وزيادة.
وقد عظم الله ثواب المحسنين وأعز مكانهم فقال: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾ وقال: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].
هذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].
ومن أعظم أنواع الإحسان صلة الأرحام بالأموال، ولذا خصصها الله تعالى بالذكر، فقال بعد ذكر الإحسان ﴿وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ أي إعطاء جميع الأقرباء حقهم من الصلة والبر سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم، فكلهم ممن حث الله على مواساتهم وصلة رحمهم وحذر من جفوتهم وقطيعتهم، قال تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾ – ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1] – ﴿ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى ﴾ – ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ [الإسراء: 26].
وفي الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه – لا يدخل الجنة قاطع، يعني قاطع رحم.
وصلة الأرحام تستل ضغائن النفوس، وتغرس فيها المحبة والمودة وتثمر التعاون والتناصر، ثم هي قوة للأسر والجماعات، ولها أكبر الأثر في الأمن والعمران.
ثم قال سبحانه: ﴿ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90] والمنكر ما أنكره الشرع، وقبحه من الذنوب والمعاصي، والفحشاء ما عظم قبحه منها، والبغي التجبر على الناس والاستطالة عليهم بالظلم والعدوان، فشمل النهي عنها جميع كبائر الآثام كالشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام وهتك الأعراض، ومعاقرة الخمر، ولعب الميسر، والرشوة، وشهادة الزور، وظلم العباد، والربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وتضليل الناس وغوايتهم، والإفساد في الأرض والتجسس على جيوش المسلمين، وموالاة الأعداء المحاربين، وكل ما فيه ضرر ومفسدة للفرد والجماعة.
وفي تخصيص الفحشاء والبغي بالذكر في الآية مع أنهما من المنكر تنويه بخطر أمرهما وعظم مفسدتهما، وأنهما من الحنث العظيم.
ثم اختتم الله الآية بقوله: ﴿ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أي ينبهكم بما أمركم به ونهاكم عنه في هذه إلى ما في امتثالهما من الخير والمثوبة، وما في الإخلال بأيهما من الشر والعقوبة لعلكم تذكرون.
وقد جمعت هذه الآية كما بينا كل ما يجب أن يمتثل من الخير؛ وكل ما يجب أن يجتنب من الشر، فلم تبق مصلحة إلا أمرت بها ولا مفسدة إلا نهت عنها.
عن قتادة “ليس من خلق حسن كان في الجاهلية يعمل ويستحب إلا أمر الله تعالى به في هذه الآية، وليس من خلق سيء إلا نهى الله عنه في هذه الآية“.
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]. ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ[1] نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد:19-20].
نسأل الله أن يوفق المسلمين إلى اتباع هدى القرآن الكريم وسنة خاتم الرسل عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والتسليم.
أيها الشعب الأمين:
فتح المليك العظيم أبواب قصوره العامرة، لكل وارد، وتلقى بالعطف والكرامة كل قاصد وبذل من حر ماله ما يخفف البأساء عن المعوزين، وما يرفه عن جنوده المجاهدين، وعبد ربه الأعلى بالأمر بتلاوة القرآن الحكيم، في شهر رمضان العظيم، وتفسير آياته وتذكير الناس بعظاته، وتهذيب النفوس ببياناته، وأمر بنشر هذا الهدى والنور في القرى والأمصار، وإذاعته في سائر الآفاق والأقطار، قدوة صالحة وسنة حسنة.
هذا إلى مآثر غراء، ومبرات حسان، وجهاد في سبيل الله وعزة الأوطان، فله من الله تعالى أجزل المثوبة وأحسن الجزاء، وله من شعبه الوفي في جنبات الوادي حب ووفاء وإخلاص وولاء، ونبتهل إلى الله تعالى أن يحفظه برعايته وينصره بمعونته ويحقق ما يرجوه لأمته وللإسلام والعروبة من عز ومجد ورفعة وسؤدد أدامه الله وأيده بروح منه وبلغه كل ما يتمناه، ووفق لصالح العمل رجال حكومته الأمناء، إنه سميع الدعاء.
المصدر: مجلة كنوز الفرقان؛ العددان: (السادس والسابع)؛ السنة: (الثانية)