مواسير الفساد.. والصناديق الخاصة
السبت 14 ذوالحجة1434 الموافق19 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
بعد ثورة 25 يناير خرجت ملفات فساد يصعب حصرها تحولت إلى بلاغات للنائب العام، وتحقيقات صحفية منشورة لا فرق بين صحف قومية وحزبية وخاصة، توافد المواطنون من كافة بقاع مصر ومن مختلف المؤسسات لينشروا ما تحت أيديهم من مستندات تكشف الفساد وإهدار المال العام.
بدت مصر وكأنها بحيرة مياه راكدة حركتها وجددت ماءها ثورة 25 يناير، وبدا الفساد ساكنا مواسير تحت الأرض، انفجرت تحت أقدام الشباب الثائر لتكشف الفاسدين والمتلاعبين بأموال الشعب.
ومن قضايا الفساد التى ظهرت بقوة بعد الثورة قضية إهدار المليارات من أموال الصناديق الخاصة فى دولة تعانى الموازنة العامة للدولة من عجز يقدر بـ 239,9مليار جنيه.
ورغم تعاقب الحكومات بعد الثورة –د. عصام شرف-د. كمال الجنزورى-د. هشام قنديل-د. حازم الببلاوى- ما زالت الصناديق الخاصة خاصة جدا منهوبة جدا فى دولة يعانى شعبها من الفقر وتدهور الخدمات جدا جدا.
أحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات حول الصناديق الخاصة عن العام المالى 2011-2012، كشف عن إنفاق 638,9 مليون جنيه من صناديق الإدارة المحلية فى غير الأغراض المخصصة و145 مليون من صناديق الهيئات الخدمية أيضا تم إنفاقهم فى غير الأغراض المخصصة، وارتفع الرقم بالنسبة لصناديق الجهاز الإدارى، لتصل إلى مليار و703 مليون جنيه.
والصناديق الخاصة التى عجزت الحكومات المتعاقبة عن مواجهة فسادها وإخضاعها للمحاسبة عبارة عن حسابات أُنشئت بموجب قوانين أو قرارات جمهورية أو قرارات وزارية أو قرارات محافظين، لتحصيل موارد محددة لاستخدامها فى أغراض محددة، وتعامل أموالها معاملة الأموال العامة فيما يتعلق بقواعد التحصيل والصرف والرقابة والضبط الداخلى، وتحظى بميزة أن فائضها لا يئول إلى الخزانة العامة للدولة، وإنما يرحل من سنة مالية إلى أخرى.
وتتنوع الصناديق ما بين صناديق مستقلة بذاتها تمثل كيانا إداريا يدخل الموازنة بمسماه مثل صندوق التنمية الثقافية، وصندوق تمويل المتاحف العسكرية، وصناديق تتبع الجهاز الإدارى أو المحافظات.
ويتم تمويل الصناديق من رسوم مثل تذاكر زيارات المرضى، والكارتة التى يدفعها سائقو سيارات السرفيس، والدمغات، لاستخراج بطاقة الرقم القومى وجواز السفر، وغيرها من المستندات الرسمية إذن المواطن هو الذى يمول هذه الصناديق لا فرق بين مواطن معدم ومواطن مستور ومواطن مقتدر الكل سواء.
ولذلك فإن الأغراض التى لا يجب أن تخرج عنها الصناديق الخاصة هى توفير السيولة لتنفيذ مشروعات خدمية لا تحتمل التأجيل والإجراءات المالية، ولم تدرج لها اعتمادات بالخطة والموازنة العامة مثل رصف الطرق ومشروعات المياه والصرف الصحى.
ولكن ما حدث أن الصناديق خرجت عن الأغراض المخصصة لها لتذهب أموالها -التى هى أموال الشعب- إلى جيوب كبار المسئولين أجور ومكافآت تحت مسمى خبير ومستشار، مصروفات ضيافة للوفود وبعض الجهات، نشر إعلانات التهانى والتعازى، استئجار مبانى وتجهيزها دون استغلالها، وفى نفس الوقت عدم الاستفادة من وحدات سكنية ووحدات تجارية تم إنشاؤها من أموال الصناديق.
بعض الصناديق حولت جزءًا من أموالها إلى ودائع لا تظهر فى الحسابات الجارية والحسابات الخاصة.
وإنشاء حسابات فرعية من الحسابات الأصلية لإخفاء جزء كبير من هذه الأرصدة،
ورغم تعدد القوانين -6- التى تتعلق موادها بالصناديق الخاصة، إضافة إلى الكتب الدورية، إلا أن الصناديق الخاصة غير معلوم على وجه الدقة عددها، وإجمالى أموالها، حيث تختلف التقديرات، حسب الجهة المنتجة والمعلنة للمعلومة، ولذا سنكتفى بأرقام الجهاز المركزى للمحاسبات الذى قدرها بـ6361حسابًا، بلغ إجمالى أرصدتها بالبنك المركزى والبنوك التجارية 47,4 مليار جنيه.
عدد الصناديق التى نقلت أرصدتها للبنك المركزى، والتزمت بالقانون 139 لسنة 2006، 6061 صندوقًا إجمالى حساباتها 38. 6 مليار جنيه.
وفى المقابل هناك صناديق تتحدى القانون، ورفضت نقل حساباتها إلى الخزانة الموحدة بالبنك المركزى، وعددها 300 صندوق، إجمالى رصيدها بالبنوك التجارية 8.8 مليار جنيه لم يتكمن الجهاز المركزى للمحاسبات من مراقبة حركة الإيداع والسحب، أو معرفة وجود أرصدة بالعملة الأجنبية من عدمه.
من السطور السابقة يتأكد لنا أن الصناديق الخاصة تحولت إلى دولة داخل الدولة تديرها مجالس إدارات بالطريقة التى تحددها لوائحها، مستخدمة أصول الدولة ومواردها دون أن تستفيد منها الدولة، وبعضها فوق القانون وفوق المحاسبة.
ولمواجهة الفساد وإهدار مليارات الشعب لابد من توفر إرادة سياسية والمقترحات كثيرة، على رأسها استحضار القانون -الذى أعطوه منوما ممتد المفعول-وهو القانون 105 لسنة 1992 الذى يقضى بخضوع الصناديق الخاصة لرقابة وزارة المالية قبل الصرف، وهذا يضمن عدم إنفاق الأموال فى غير الأغراض التى قامت من أجلها الصناديق، وحظر إنشاء صناديق تستغل ثروات الدولة ومواردها مثل المحاجر والشواطئ، وحصر الصناديق المنشأة خارج الموازنة العامة والوقوف على رصيدها والبنوك المودعة بها، ومدى خضوعها للائحة وزارة المالية. وإخضاع جميع الصناديق والحسابات الخاصة للأجهزة الرقابية بالدولة.
ورغم تعدد التشريعات التى تحكم عمل الصناديق، إلا أنه لا يوجد نص قانونى يجرم عدم الإفصاح.
عيب على بلد لديها مليارات فى صناديق خاصة ممولة من قروش وجنيهات شعب أنهكه الفقر، أن تمد يدها إلى عدو أو شقيق.. قوة الدولة فى استقلالها الاقتصادى قوة الدولة فى الاستغناء.
المصدر:اليوم السابع