مصداقية الأمم المتحدة

الإثنين 23 ذوالحجة1434 الموافق28 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع الموقف السعودى بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن الدولى ممثلة للقارة الآسيوية، إلا أن هذا الاعتذار يفتح ملفا شائكا وخطيرا للغاية ألا وهو مصداقية المنظمة الدولية الأكبر والأضخم فى العالم لاسيما أهم قطاعاتها أو إداراتها وهو مجلس الأمن.

أرادت المملكة العربية السعودية، التى ظلت تحشد طوال العامين الماضيين للفوز بمقعد من المقاعد غير الدائمة فى مجلس الأمن وفازت به فى النهاية بأعلى الأصوات(176 صوتا) ،أن ترسل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولى مفادها أن هيئة الأمم المتحدة التى تضم كل العالم تقريباَ (194 دولة) تقصر و تتخاذل وتكيل بمكيالين وتعتمد على ازدواجية المعايير فى القضايا الدولية لاسيما القضايا العربية كالقضية الفلسطينية والقضية السورية.

فقد رأت المملكة أن مجلس الأمن – المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين- لا يقوم بدوره وأداء واجباته وتحمل مسؤولياته على النحو المطلوب وأن قراراته يشوبها الخذلان وعدم المصداقية والكيل بمكيالين. 

وللأسف الشديد تدفع الشعوب الضعيفة وغير القادرة على الدفاع عن نفسها ثمن صراعات الدول الكبرى داخل مجلس الأمن ، والنتيجة تضاعف معاناة هذه الشعوب وتفاقم أزماتها.

فالقضية الفلسطينية التى تعد القضية الأخطر والأهم والأطول عمراَ فى تاريخ الأمم المتحدة لا تزال بلا حل، وكل الجهود التى تبذل وكل المؤتمرات واللقاءات التى تعقد وكل القرارت التى تصدر فى هذه القضية تذهب هباء بلا فائدة طالماَ مضى الكيان الصهيونى فى تعنته وعدم تنفيذه لقرارات الشرعية الدولية (أهمها على الإطلاق قرار مجلس الأمن رقم 242 فى 22 نوفمبر 1967 والخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت بعد حرب يونيو 67 ) وعدم احترامه للقانون الدولى.

اقرأ أيضا  أكاديمي مغربي يستقصي أسباب تغير المعتقد الديني بشمال إفريقيا‎

والأزمة السورية الدائرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات لاتختلف كثيراَ عن نظيرتها الفلسطينية ، مجلس أمن دولى مسيطر عليه من القوى الكبرى عاجز عن اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة لحل هذه الأزمة ، وتضارب مصالح بين الفاعلين الدوليين فى هذه الأزمة وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا أدى فى النهاية إلى إطالة أمد هذه الأزمة واستمرار معاناة الشعب السورى على جميع الأصعدة، فنكفى أن نقول أن هناك أكثر من 2  مليون سورى فروا من سوريا منذ بدء الثورة. 

الاعتذار السعودى وتداعياته يفتح أيضاَ ملف إصلاح الأمم المتحدة بكل أجهزتها ومنظماتها المتخصصة والتى تعانى من ترهل وشيخوخة أفقدتها المصداقية المطلوبة والقدرة على التفاعل مع القضايا الدولية بالحيادية والشفافية اللازمتين، وأصبحت تمثل عبئاَ على العالم لا مسانداَ وداعماَ له.

اقرأ أيضا  الدين معاملة والإسلام تطبيق

فقد ظلت هذه المنظمة الدولية لأكثر من 60 عاماَ منذ إنشائها فى عام 1945  بلا أى جديد وبلا أى إصلاحات بالرغم من تغير العالم من حولها ودخوله فى مرحلة جديدة من مراحل تطوره، وتغير موازين القوى ، وميلاد دول وسقوط امبراطوريات واندماج كيانات، وظهور قضايا دولية جديدة وأزمات عالمية يعجز ميثاقها أو دستورها عن التعامل معها.

وهذا يستدعي ضرورة قيام أمين عام الأمم المتحدة وفوراَ بعقد مؤتمر عاجل لجميع الدول أعضاء الأمم المتحدة للنظر فى تعديل الميثاق وإزالة ما به من عوار وتناقض مع الواقع التى تعمل الأمم المتحدة من خلاله أو في اطاره.

هناك العديد من مبادرات الإصلاح التى لا يسع الوقت ولاتتسع المساحة لسردها، ولكن يأتى على رأس الأجهزة التى تحتاج إلى إصلاح هو مجلس الأمن الدولى، الذى لا يلائم تشكيله الحالى خريطة العالم المعاصر والقوى الدولية الجديدة التى ظهرت، فلابد أولاَ من إلغاء حق النقض”الفيتو” أو قصره على القضايا الحيوية والمهمة فقط، بالإضافة إلى ضرورة زيادة مقاعد العضوية الدائمة إلى 15 مقعدا بدلاَ من 5 فقط ، وزيادة أيضاَ مقاعد العضوية غير الدائمة على أن يصبح شغل هذه المقاعد كلها وفقاَ لمعايير محددة تضمن التمثيل العادل والمتوازن لكل الدول. 

ولابد أيضاَ من النظر نحو إشراك الفاعلين غير الدوليين ( Non-State Actors) فى المنظمة الدولية، فقد تقلص دور الدول فى النظام الدولى الجديد لصالح الفاعلين غير الدوليين مثل المنظمات غير الحكومية والشركات متعددة الجنسيات…الخ وأصبح لزاماَ أن يكون لهؤلاء الفاعلين دور أساسي فى صنع القرار داخل الأمم المتحدة.

اقرأ أيضا  رايتس ووتش تنتقد استبعاد إسرائيل والتحالف العربي من قائمة العار

وإذا أراد المجتمع الدولى أن تبقى الأمم المتحدة منبراَ دولياَ لكل دول العالم فيجب أن تظل بعيدة عن أى خلافات سياسية أو توجهات أيديولوجية أو صراعات بين القوى الكبرى مما يحول دون أداء مهامها وواجباتها بالشكل المطلوب ، وتحقيق أهدافها التى أنشئت من أجلها وهى حفظ السلم والأمن العالميين،وإنماء العلاقات بين الأمم، وترسيخ سيادة القانون ونشر قيم العدل والنزاهة، ويجب أن يكون توجهها وقراراتها منطلقة من روح قيمها ومبادئها السامية فقط وليس ما تمليه القوى الكبرى عليها وفقاَ لإهوائها ومصالحها.

 

المصدر: عمرو وجدى

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.