إنه مرسي وليس حسني !!
عدنان سليم أبو هليل محلل اقتصادي فلسطيني
الخميس 03 محرم1435 الموافق7 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
يوم الإثنين الماضي غرة المحرم من هذا العام قدم الانقلابيون في مصر الرئيس المنتخب “محمد مرسي” لأول جلسة محاكمة.. ومن خلال رصد ما صرحوا به وما حاول تمريره إعلامهم، فقد كان واضحا أنهم هدفوا من وراء محاكمته إلى أمرين؛ الأول موجّه للداخل المصري، وهو: تغيير الصورة الذهنية لدى الشعب المصري عن رئيسه من صورة هيبة الرئاسة ووقار الرسمية ولبوسها المدني والوجاهي التي تغذيه بالمعنويات وتزوده بالصمود وتزيد اتقاد الثورة واستمرارها إلى صورة ذهنية نقيضة يكون فيها الرئيس ذليلا قانعا مهانا باردا خائفا.. ولك أن تتخيل ما كان سينتج عن ذلك – لو أن سعيهم هذا نجح ومبتغاهم تم – لراحوا يتحدثون عن خيبة رئيس، ولصبغوا أنفسهم بمعاني ثورة 25 يناير التي حاكمت المخلوع، ولتفاخروا بالثأر الذي سيكونون حققوه ضد الثورة .. وأن تتخيل أثر كل ذلك على زخم ودفع وثقل الثورة التي يمور بها الشعب المصري.. أما الهدف الثاني: وهو موجه للخارج، فهو: التظاهر بأن الانقلاب تعافى، وأنه صار يتصرف في مؤسسات الدولة بمنطق السيادة، وأنه ماض فيما يسميه خارطة الطريق، أما الغاية الأبعد من وراء هذا فهي إكساب أنفسهم شرعية الأمر الواقع وشرعية الإنجاز لرفع الحرج القانوني والأخلاقي والسياسي عن داعميهم المتهمين بالتحريض والعمل ضد الديمقراطية.. وهذا سر جعلهم المحكمة محكمة جنايات ونشرهم إشاعة أن تحت يد نيابتهم سبعة آلاف صفحة اتهام للرئيس.. وأيضا سر استماتتهم في محاولة إقناع الناس بأن يوم المحاكمة سيكون يوما عاديا بلا استثناءات.
لكن الرئيس ومعه شعبه العظيم الذي لا تقل عظمته عن عظمة أي شعب يعشق الحرية ويؤمن بقدراته وكرامته.. لم يعطوهم ما يريدون، ولم يحققوا لهم ما يتمنون، فكان الرئيس استثنائيا، وكانت المحاكمة استثنائية، وكانت الإجراءات كذلك..
فالرئيس لم يلبس لباس الاعتقال، ولم ينثن عزمه عن التمسك بصفته الرسمية، ولم تلن قناته عن هويته الإسلامية والإخوانية التي هي أهم أسباب الانقلاب عليه وخطفه؛ فقام يصلي في محجزه ويؤم الجماعة في سكينة وخشوع ويذكر القاضي بحقه عليه كرئيس أن يمكنه من الخروج لممارسة مهامه الرسمية.. ومثله فعل بقية إخوانه.. هنا يحضرني مشهد صورة الساقط المخلوع “حسني” الذي فقد عزمه وانفكت عزيمته وسقط رداؤه وانحل إزاره وارتعدت فرائصه، وانفضحت نواقصه.. يوم كان يؤتى به للمحكمة مسجى كالأموات، متواريا بأبنائه من خزي كآبته.. حتى أنه بكى ذات مرة كالأطفال.. وهو العسكري العتل الجوّاظ المتكبر الذي من ورائه السيسي وقدّامه دولة عميقة ومال ومرتزقون ونظم لا تفرط فيه..
يوم المحاكمة كان فارقا واستثنائيا أيضا من حيث طبيعة وقانونية وشكل المحاكمة؛ فهي غير قانونية وغير دستورية يحال فيها رئيس من نائب عينه انقلاب، ثم يحال إلى المحكمة دون المرور بالبرلمان.. (وهذا خلاصة رأي قانوني أدلى به المستشار الخضري النائب السابق لرئيس محكمة النقض حول الإحالة) وكانت استثنائية أيضا بكونها محاكمة لأول رئيس منتخب عرفته مصر منذ تاريخها..
وأما من حيث الإجراءات والارتباكات فقد بدا العسكر متلبطين، إذ يحشدون عشرات آلاف الجنود والشرطة لتأمين المكان، ثم يغيرون مكان المحاكمة، ويغيرون السجن الذي سيودع فيه الرئيس..
خروج الناس بالملايين في كل المحافظات ومن كل الفئات (الناصريين والمسيحيين والأزهريين والطلاب والعمال والصعايدة والإسلاميين والمحافظات والألتراس والقضاة ووو ..) وتعطل مطار القاهرة الدولي، وإيقاف المترو والقطارات.. كل ذلك أيضا جعل يوم المحاكمة استثنائيا بامتياز.. وأثبت من جديد وللمرة الألف أن الانقلاب معزول، وأن الشعار الذي رفعته حركة تمرد وجبهة الإنقاذ لتبرير الانقلاب “ثورة 30 مليون في 30 يونيو” ولزعم أن الشعب لهم ومعهم.. إنما هو نوع من الاستهزاء بالشعب المصري العظيم والتلفيق المعتاد عليه من شرذمة فاشلة خائبة، ومن بقايا ليبراليين تائهين، ومن فئة ليبراليين اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار..
آخر القول: جرت رياح المحاكمة بما لم تشته سفن الانقلابيين وبما لم تتخيّله عقولهم السفهة وفهومهم السمجة؛ فمرسي لم يخنع لأنه ليس حسني، والإخوان لم يهتزوا لأنهم ببساطة ليسوا الحزب العلماني الفاسد المنحل ولا الوفد ولا التجمع المواليان له.. ذلك يذكرني بقوله تبارك وتعالى: ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)، وبمقولة ابن تيمية لما هددوه بالسجن: “سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة“..
المصدر : بوابة الشرق