هل نهزم في الصراع؟

فهمي هويدي

الإثنين07 محرم1435 الموافق11 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
حدث ذلك بعد مضي نحو 4 سنوات على انتفاضة المصريين دفاعا عن حريتهم وكرامتهم. التي انتهت بإسقاط حسني مبارك وتخليه عن منصبه. يوم الخميس 31 أكتوبر اصطحب الشاب أسلم فتحي أمه لزيارة طبيبها في مدينة المنيا. وفوجئ وهو هناك بانهيار عمارة بجوار البناية التي تقع فيها عيادة الطبيب. ولأنه صحفي ويراسل قناة ام بي سي مصر. فإنه اتجه إلى المكان ليتقصى الأمر ويؤدي عمله في تغطية الحادث. إلا أنه وجد أن الشرطة منعت الدخول إليه. فتوجه إلى الضابط المسؤول وشرح له الأمر. وطلب السماح له بعبور الحاجز والدخول إلى المكان. وأبرز له بطاقة التعريف التي تثبت صفته كإعلامي ومراسل للقناة المذكورة. رفض الضابط طلبه ودفعه بيده قائلا «غور من هنا». وهو ما استغرب له الصحفي الشاب فقال له: لو سمحت ابعد يدك عني، واسمح لي بالدخول لكي أؤدي عملي، إلا أن الضابط لم يأبه به ودفعه مرة أخرى، فكرر الصحفي الشاب رده عليه. «فأمسكني الضابط من رقبتي وسحلني إلى سيارة الشرطة وهو يقول: ألم أقل لك غور يا ابن كذا وابن كذا» ـ (الأوصاف لا تصلح للنشر). لم يستسلم الشاب وإنما قرر الدفاع عن كرامته، فقاوم الضابط ودفعه بعيدا عنه. فاستشاط صاحبنا غضبا وأشار إلى جنوده لتأديبه. وحينئذ انقض عليه نحو 15 جنديا، وقاموا بتكبيل يديه ورجليه وانهالوا عليه بالضرب ثم حملوه إلى قسم بندر المنيا القريب من المكان. وطوال الطريق ظلوا ينهالون عليه بالصفع على الوجه، ويضربونه بالعصي والأحزمة. حاول أسلم أن يذكرهم بأنه صحفي، فرد عليه أحدهم قائلا «بلا إعلام بلا كذا كلكم أولاد كذا وكذا». وما أن وصل إلى القسم حتى أدخلوه إلى حجرة واسعة وأعادوا تقييد يديه ورجليه، ثم أوصلوا القيود بخشبة معلقة بين كرسيين (أدرك لاحقا أنه يطلق على هذه الطريقة في التعذيب اسم الشنطة). وطوال ساعتين ظل أسلم يتلقى ضربا متواصلا بالعصي والأحزمة في كل أنحاء جسمه، من العساكر والضباط.
في جولة أخرى نقلوا أسلم إلى حجز القسم، وأمروه بأن يضع وجهه في الحائط. وتركه في ذلك الوضع نحو ساعتين، بعدما انفتح الباب دخل عليه ضابط كبير، ووجه إليه الكلام قائلا «انت عامل نفسك راجل» ثم دعاهم إلى إعادته إلى الغرفة الواسعة مرة أخرى لكي يتلقى وجبة جديدة من التعذيب، شارك فيها الضابط الكبير الذي طلب منه أن يعلن بصوت عال أنه كذا (الكلمة لا تصلح بدورها للنشر). بعد ذلك أعاده إلى الحجز، وأدخلوه في دورة المياه وأمروه ألا يخرج منها، فامتثل. لكنهم نقلوه بعد قليل إلى غرفة التعذيب مرة ثالثة، وانهالوا عليه بالضرب والسباب بمشاركة الضابط. وهو ما لم يحتمله الصحفي الشاب فانهار وتوسل إلى الضابط قائلا إنه مستعد لأن يفعل أي شيء يؤمر به بما في ذلك أن يقبل قدميه. فما كان من الضابط إلا أن قال له: هل تعلمت الدرس؟ ورغم أن أسلم رد بالإيجاب، إلا أن ذلك لم يغفر له، لأن حفلة الضرب ظلت مستمرة إلى أن توقفت، وبعدها نقل إلى الحجز مرة أخرى.

اقرأ أيضا  هكذا توقف صياحهم عن جرائم بشار !


ظهر اليوم التالي عرضوه على النيابة، فطلب منهم أن يسمحوا له بالاتصال بأهله، لكنهم رفضوا وساقوه إلى مكتب وكيل النيابة. وهناك صادف شخصا أسر له برقم هاتف شقيقته وطلب إبلاغها بمكانه. أمام النيابة وجد بانتظاره محضرا يتهمه بالتعدي على السلطات، وتقريرا من الضابط الأول نسب إليه أنه هو الذي ضربه. وأمام وكيل النيابة وهو في حالة انهيار نفسي ومعنوي قال أسلم للمحقق أنه من أخطأ. وطلب من المحقق أن يكتب أي شيء مبديا استعداده للتوقيع على ما لم يقله. والتقى هناك الضابط صاحب المشكلة فكرر أسلم اعترافه بخطئه واستعداده لأن يقبل قدميه مقابل إطلاق سراحه، لأنه كان مقتنعا بأنه إذا أعيد إلى الحجز مرة أخرى فلن يخرج إلا ميتا. واعتبر ذلك تصالحا معه فأخلى سبيله.
هذه خلاصة القصة التي نشرتها جريدة الشروق يوم الثلاثاء 5 نوفمبر، وذكرت فيها أن أهل أسلم نقلوه بعد ذلك إلى مستشفى جامعة المنيا التي رفضت كتابة تقرير يتهم فيه الضابط بتعذيبه في القسم. ولأنه أراد العودة إلى بيته بأي طريقة. فقد قيل في المستشفى أن تذكر في التقرير أنه تعرض لإلقاء حجر عليه بينما كان يمر بالقرب من مشاجرة في الشارع.
أضافت الشروق في التقرير المنشور أن أسلم حين استعاد هدوءه عاد إلى النيابة وقدم بلاغا بتعرضه للتعذيب، وأمرت النيابة بتوقيع الكشف الطبي عليه في مستشفي المنيا العام، الأمر الذي أدى إلى إثبات إصابته بسجحات وكدمات في أنحاء جسمه. ومع ذلك فإن مدير أمن المنيا ما يزال مصرا على أن حجرا ألقى على أسلم فأصابه، وأنه هو الذي اعتدى على الضابط البريء أثناء تأدية عمله، حتى مزق ثيابه!
القصة بتفاصيلها الفاجعة تصدمنا، ذلك أنها تصور لنا كيف ما يزال يعامل المواطنون في أقسام الشرطة، رغم أن الصحفي الشاب من أفضلهم حظا، لأن ضابطا على صلة بأسرته توسط لإخراجه بعد اتصاله مع الضابط بطل القصة.
ألاحظ من ذلك أنني رأيت في القصة رمزا للصراع الذي لم يتوقف بين رموز مرحلة مبارك، الذين كان سلوك الضابط المتعجرف وزملاؤه القساة رمزا؟، وبين قيم ثورة 25 يناير التي حفزت الصحفي الشاب على الدفاع عن كرامته ودفعته إلى الحرص على أدائه واجبه. إلا أن ما أخافني في المشهد هو نهايته، التي أبدى فيها الصحفي الشاب استعداده بعد انهياره لأن يقبل قدمي الضابط لكي يرحمه ويطلق سراحه. وهو ما ملأني بالتوجس والقلق. لأنني خشيت أن تكون تلك نهاية الصراع، التي نشم بعض روائحها هذه الأيام.
 

اقرأ أيضا  الدقائق الأخيرة في قصف عمارة "أبو قمر".. مواقف لا تُنسى

المصدر: السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.