إنسانية الصالحين وحيوانية الهالكين
الثلاثاء 15 محرم1435 الموافق19 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)
أبو العلياء محمد بن سعد
في ظل الأحداث الجارية في مصر، وما تكشَّفت عنه الأحداثُ؛ من أنفسٍ يستحيي النِّفاقُ من نسبتِها إليه، ووجوهٍ اكتَسَت بكل ألوان الكلاحةِ والبلاهة، وقلوبٍ تبيَّن أنها أَسْودُ من السَّواد، ونفوسٍ طُبِعت على الجبن والخَوَر، وكائناتٍ تُنسَب إلى البشرية لا تنتمي إليها في الحقيقة إلا بحسب تقاسيم علم الأحياء فقط!
وعلى الجانبِ الآخر ما تكشَّفت عنه الأحداث – وتتكشَّف عنه كلُّ الأحداث المشابهة بدايةً من حرب الأفغان ضد السوفييت – من قلوبٍ يملؤها الإيمانُ، ووجوهٍ تُغطِّيها سماحة الطاعة والبَذْل لدين الله، وشباب تراه وتسمع سيرتَه، فيُعِيد إلى ذهنك سِيَرًا قرأتَها ولم تكن تظنُّ أن أصحابَها قد يتكرَّرون، فإذا بهم أمامك متمثِّلين في بعض الوجوه السمحة.
أقول: مرَّ هذان النوعانِ من البشرِ في خاطري، فتذكَّرت كلامًا لسيد قطب – رحمه الله – وكثيرًا ما أتذكَّرُ كلام هذا الرجل في مواضعَ مشابهةٍ في حياتي كلها، فالرجل وبمنتهى البساطة يجعلُ القرآن متمثلاً أمام عينيك في كل ما يعتري حياتَك، مُفسِّرًا لكل ما يدور حولك من أحداث، فتذكَّرتُ كيف تعلَّمت منه ألاَّ أنظُر للطاعةِ على أنها تكليف وفقط، أو شيء شرَعه الله – عز وجل – لعباده، فمَن فعله رضي عنه، ومَن لم يفعله عاقبه، وفقط، ولا للمعصية على أنها عكس ذلك وفقط!
بل تعلَّمتُ أن أنظُرَ للطاعات على أنها صيانةٌ من الله لعباده عن حيوانية المعاصي، فالله – عز وجل – يعصِمُك أيها الإنسان من أن تكونَ أسيرًا لشهواتٍ ودوافعَ هي التي تُحرِّكك، وكأنك إنسان مسلوبُ الإرادة، مثلك مثل كثير من الحيوانات التي تُشارِكُك نفس الشهوات والدوافع، بل تكون هي أفضل؛ إذ هي قد تكون أحيانًا أطوعَ لأمر الله منك!
فكيف تتركُ الطاعةَ التي تجعَلُك تسلُكُ مسلك البشرِ؛ لتسير مسيرًا يسيره الحيوانات أيضًا، وقد كرَّمك الله بضوابط، تستطيع بها أن تسُدَّ حاجتك من هذه الشهوات بطريقة مَرْضِيَّة، تصون كرامتك، وتحفظ عليك إنسانيَّتك، فتستطيع أن تتزوَّج لتحصل شهوة الفرج مثلاً، حلالاً طيِّبًا، وتستطيع أن تعمل لتحصل شهوة البطن حلالاً طيِّبًا، وهكذا.
إن الإسلام ليس دينًا يكبِتُ الشهواتِ، بل الإسلام دينُ الله الذي خلق الإنسان، وهو أعلم به، فأنزل الشرع الذي يُقِيم حال الإنسان، بلا كَبْتٍ لشهواته، وأيضًا بلا تسيُّبٍ حيواني لا ضابط له.
فيستطيع الإنسان إذًا أن يعيشَ طائعًا لربه، حافظًا لكرامته، بلا كبت لشهواته.
فالعاقل هو الذي يفهمُ الأمور على هذا النحوِ، فيعيشُ طائعًا لربه، منسجمًا مع نفسه، هادئًا مطمئنًّا يعيش حياة البشر.
وغير العاقل هو الذي يفهمُ الأمور على خلاف ذلك فيظنُّ أنه خُلِق ليحصل شهواته بكل السبل، فكلَّما خلا بشيءٍ من محارم الله انتهكها، فيعيش مضطربًا، متصادمًا مع نفسه، كيف لا، وهو تتنازعه فطرةٌ تدعوه إلى عبادة الله، وجوارحُ تدعوه إلى معصية الله، فأيُّ حرب أشد من هذه الحرب؟!
فهذان هما الفريقانِ، وكلٌّ منهما تنطبعُ أفعاله على وجهِه وتصوُّراته وتصرُّفاته، وهذا ما يجعلُك ترى إنسانًا تتعجَّب لحسنِ خلقه، وسَمْتِه، وبشاشة وجهِه، وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.
وترى إنسانًا ينتمي للبشر من حيث كونُه لا ذيلَ له، لكنه لا ينتمي إليهم بغير ذلك، بل هو أقرب لأن ينتميَ سلوكيًّا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا إلى الحيوانات، وهي الطائفة التي انتشرت في هذه العصور النَّكِدة، والتي كانت منتشرةً أيضًا في عصر سيد قطب – رحمه الله – والتي أظن أن من بين الأسباب التي سهَّلت على الرجلِ الإقدامَ على الإعدامِ بنَفْسٍ طيِّبةٍ: أنه يعلم أن الإعدام سيُريحه من العيش في دنيا تَعِجُّ بهذه النوعية من الكائنات.
المصدر:الألوكة