قمع السلطات المصرية للإخوان المسلمين

الجمعة25 محرم1435 الموافق29 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

ماركوس زومانك- دويتشه فيله
أدى فض اعتصامات مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي إلى قتل المئات من أنصاره وبات أهلهم يتعرضون لمضايقات السلطات التي تتلكَّأ حتى في إصدار شهادات الوفاة وتؤجِّل تسليمهم جثث القتلى أيَّامًا عديدة، كما تظهر لنا زيارة ماركوس زومانك إلى مشرحة زينهم في القاهرة.

تقف أمام مشرحة زينهم في القاهرة خمس شاحنات تبريد محمَّلة بعشرات وربما حتى بمئات الجثث. ومنذ ستة أيَّام ينتظر بعض القتلى تسليم جثثهم لأقاربهم. وفي داخل مبنى المشرحة لم يعد هناك متَّسع للقتلى، بعد أن باتت المشرحة مكتظة بالجثث منذ ارتكاب الشرطة والجيش المجزرة بحقّ أتباع الرئيس المعزول محمد مرسي في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر أغسطس/ آب 2013.
وعندما يقوم في كلِّ مرة الموظَّف بفتح احدى الشاحنات تنبعث في داخل الزقاق الضيِّق رائحة الجثث المتعفّنة التي لا تطغى عليها رائحة أكوام القمامة التي يبلغ ارتفاعها مترًا ولا حتى رائحة أعواد البخور والشموع المعطَّرة التي يشعلها سكَّان الحي. ويقول أبو أحد الضحايا غاضبًا: «الحكومة تذلّنا وتهيننا حتى في الموت».
«
صعوبة التعرّف على القتلى»
سافر إبراهيم مع خمسة شباب من الجيزة في الصباح الباكر إلى هنا للتعرّف على جثَّة أحد أصدقائهم وحتى الآن لم يُسمع عن صديقهم هذا أي خبر منذ يوم الأربعاء الدامي. لقد كان أصدقاؤه وأهله يعرفون فقط أنه خرج في ذلك اليوم للتظاهر مع أشخاص آخرين من مؤيِّدي جماعة الإخوان المسلمين أمام جامعة الجيزة ضدّ عزل الجيش للرئيس محمد مرسي. وفي يوم الجمعة تلقَّى والداه مكالمة هاتفية من رجال الشرطة الذين أخبروهم بأنَّ ابنهما قد تم اعتقاله وأنَّه يخضع للاستجواب. وفي مساء يوم الاثنين تلقوا مكالمة جديدة وقد كان على الهاتف في هذه المرة موظَّف من المشرحة.
يقول أحد رفاق القتيل الشباب بوجه شاحب إنَّ «جسده مشوه تمامًا بسبب تحلّله لمدة طويلة»، ويضيف: «لم أستطع التعرّف عليه بسهولة». ومن المفترض أنَّ الأطباء قد قاموا بفتح الجثة واستخرجوا منها القلب وأعضاء أخرى، زاعمين –بحسب قول هذا- الشاب من أجل تفسير ذلك، أنَّ هذه الأجزاء تم نقلها إلى كلية الطب «لأسباب تعليمية». ويضيف هذا الشاب أنَّه لم يتم حتى أخذ موافقة عائلة القتيل.
صمت وسائل الإعلام الرسمية
وإذا صدَّقنا ما يقوله ذوو الضحايا الآخرين، فإنَّ هذه ليست حالة فردية. وكذلك لم يتم إبلاغ العديد من الأسر إلاَّ بعد عدة أيام من وفاة أقاربهم. زِد على ذلك أنَّ بعض الجثث تبدو مشوَّهة كثيرًا، بحيث لم يعد من الممكن التعرّف على أصحابها بسهولة.
وفي حين يبحث الآباء الخائفون والأمهات والأشقاء القلقون أمام مبنى المشرحة في قوائم تبدو من دون نهاية عن أسماء القتلى، تتم في التلفزيون الرسمي مرارًا وتكرارًا إعادة عرض تصوير مراسم دفن خمسة وعشرين شرطيًا تم قتلهم يوم الإثنين التاسع عشر من شهر أغسطس/ آب 2013 في شبه جزيرة سيناء رميًا بالرصاص على يدّ متطرِّفين مفترضين.
لقد تم من ناحية دفن القتلى من رجال الشرطة في جنازة رسمية وكانت توابيتهم مغطاة بالأعلام المصرية كما شارك في جنازتهم أشخاص معروفون من الجامع الأزهر وممثِّلون عن الحكومة. وكذلك عرض التلفزيون الرسمي مراسم الدفن مصحوبة بأناشيد وطنية. ولكن لم تذكُر من ناحية أخرى وسائل الإعلام المصرية أي شيء عن الجثث المكدَّسة في مشرحة زينهم. زِد على ذلك أنَّه لا يمكن العثور في الصحف على أية مقالات حول هوية القتلى المدنيين.
تزييف في أسباب الوفاة
وكذلك تخفي وسائل الإعلام الرسمية ممارسات الإذلال التي يتعرَّض لها ذوو القتلى، فعلى سبيل المثال ينتظر أصدقاء القتيل الآتين من الجيزة منذ نحو ساعتين الحصول على شهادة وفاة لصديقهم. وهكذا يضيق الوقت إذ يجب الإسراع في دفن الميِّت وفقًا للتعاليم الإسلامية. ولكن مع ذلك يريد المسؤولون تسجيل الوفاة على أنها بسبب «الانتحار»، وعن ذلك يقول أصدقاء القتيل إنَّ هذه مجرَّد «كذبة سافرة» لا يمكنهم تقبّلها.
المسؤول في المشرحة رفض تقديم أية تصريحات حول هذه الإجراءات. ولكن تقارير أخرى من ذوي القتلى تشير إلى أنَّ هذه الممارسات تحدث بشكل ممنهج وعلى الأرجح فإنَّ الغرض منها هو خفض العدد الرسمي للقتلى. ويعتقد نشطاء حقوق الإنسان أنَّ عدد القتلى الذين قتلوا منذ يوم الأربعاء الدامي أعلى بكثير مما تذكره الأرقام الرسمية.
تعاطف سكَّان المنطقة
وفي المقابل يظهر السكَّان المقيمون بالقرب من المشرحة في حي السيدة زينب التاريخي والمنهار تمامًا تعاطفهم مع ذوي الضحايا. فقد جمع إمام أحد المساجد القريبة بعض المتطوِّعين لتقديم الأقنعة الواقية من رائحة الجثث المتعفِّنة وكذلك الماء البارد إلى ذوي الضحايا الذين ينتظرون عند المشرحة. وهنا يساعد بعض الشباب المتطوّعين في نقل التوابيت كما يعبّر شباب آخرون عن مواساتهم وتعازيهم لأهالي الضحايا.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أثَّرت معاناة أسر الضحايا وذويهم في البعض وأدَّت إلى تغيير آرائهم السياسية. وفي هذا الصدد يقول رجل مسن: «خرجت يوم الثلاثي من يونيو/ حزيران مع الكثيرين من المصريين إلى ميدان التحرير من أجل عودة الجيش»، ثم يضيف بعد تفكير: «والآن أخجل من نفسي على ذلك».

اقرأ أيضا  حماس تطالب بتحقيق دولي "فوري" في المقابر الجماعية بغزة

المصدر: السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.