الفصام .. بين المسلم وعباداته!
السبت4 صفر 1435 الموافق 7 كانون الأول / ديسمبر2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أم حسان الحلو
الفِصام.. بين المسلم وعباداته!
لا زلت أذكر التهاني والتبريكات التي كان يتبادلها المغتربون مع أهاليهم في المناسبات. فمن تبادلٍ للبطاقات إلى إرسال رسائل عبر ما كان يسمى «التلكس» أو «البرقيات». لكن وسيلة اتصال واحدة كنت أطرب لها كثيراً، تلك الرسائل الصوتية التي كان ينقلها مذياع جدي الكبير الحجم الضخم الصوت. وكان إذا أخذ الحماس جدي كل مأخذ يرفع صوت المذياع فيتحول بيتنا الصغير إلى ما يشبه «الأستوديو».
ولم يكن شيء أحب للأسرة من أن تسمع صوت أحد أبنائها وهو يهنئهم بأجمل العبارات والدعوات في المناسبات السعيدة، خاصة عند قرب حلول شهر الخير والبركة، والمغفرة والنصر، ولربما تابعت أحد الأقارب وهو يزف بشارات التهنئة والتبريك لذويه في كل المناسبات، أذكر أنه كان يدرس في بلاد بعيدة، وكانت والدته تُجلسني إلى جوارها وتطلب مني مشاركتها الانتباه لكل رسالة صوتية يحملها الأثير، لربما كانت تعلِّل ذلك بأن «هذه الصغيرة نبيهة وفَطِنة»، وكم زففتُ لها بشارات جميلة كانت تبادلها بالحلوى، ولعله كان يصل إلى مسامعي أن قريبي ذاك لا يعرف طريق المسجد فضلاً عن أنه لا يحفظ من القرآن سوى آيات كريمات كانت جزءاً من منهاج «المحفوظات المدرسيّة»! ثم هو يبحث عن شهر الصّيام تحديداً لأنه يحرص على الصّيام!! فكان يقفز إلى ذهني الصغير سؤال: كيف يصوم هذا الإنسان والصيام طويل وشاقٌّ ثم هو لا يصلّي والصلاة ممتعة وسريعة؟!!
ولربما تفجرت في ذهني تساؤلات أخرى خاصة عندما تزورنا صويحبات الوالدة وبعض الجارات وهنّ يرتدين أحدث الموديلات وملابس بحدِّ ذاتها زينة وتُبدي كلّ المفاتن، ثم يعلنّ أنهن ولله الحمد صائمات ويسألن الله القَبول!!! والأمَرّ من ذلك ما كنتُ أراه في أروقة الجامعة؛ فالطالبات على اختلاف مناهجهن مبتهجات بشهر الخير وسعيدات بالصيام!! ولما وعيت وجدتني أتساءل: كيف نشأ هذا الفصام بين المسلم وبين صلاته وصيامه؟ أوَ ليست الصلاة من أركان الإسلام كما الصيام؟ ومنذ متى يستطيع الإنسان السويّ أن يفاضل بين أصابع يده؟
وللحقيقة أذكر أن البعض كان يصلّي في شهر الصيام وفاء لهذا الشهر الكريم ثم بعد رمضان «الله يفرجها» و«تعود حليمة لعادتها القديمة». ولَربما ظنّ البعض أن شرائع الإسلام مجتَمعة يمكن تطبيقها لمدة شهر في السنة كي يُثبتوا أنهم ولله الحمد مسلمون وملتزمون أيضاً!!!
ولعلي اليوم أستطيع تفسير ذاك الفهم، ألا وهو بقاء الصيام شامخاً في قلوب المسلمين رغم كَرّ العصور والدهور، بينما تذوي الفرائض الأخرى وتتساقط كأوراق الخريف!! ربما يحدث ذلك لأن لفريضة الصيام حضوراً أُسْرياً واجتماعياً، إذ تتغير أنظمة الأكل والشرب والنوم والزيارات وحتى ميزانية المصروفات… كل ذلك يخرج عن المألوف، ثم حدّث ولا حرج عن المأكولات والمشروبات الرمضانية التي تُنكِّه شوارع المدن والقرى، فهل يمكننا القول إننا إذا أردنا أن نغرس مبادئ إسلامنا العظيم ليتجذّر في القلوب فما علينا إلا أن نرى لهذه المبادئ صوراً أُسْرية واجتماعية راسخة ولن يكفينا تديّن شهر واحد فقط نستقبله بالتهنئة ونودِّعه بقولنا: كل عام وأنتم بخير؟.
تُنشر بالتعاون مع مجلة(منبرالداعيات)
المصدر:الألوكة